مسافر اليوم لا يشبه مسافر الأمس حتى في حجم المشقة أو نوعها التي لا يخلو منها سفر، فقد تغيرت الوسائل والأحوال بشكل كبير وزادت التسهيلات، وهو غير خاف على أحد -دون شك- وإن تباين الناس في مستوى وسائلهم وإمكاناتهم، فالسيارات تختلف في الفخامة والراحة، وكذا الطائرات والسفن والقطارات في الدرجات، عدا ما يناله البعض من تسهيلات كبيرة إما بحكم وظائفهم العالية أو مالهم الوفير إن لم يبخلوا به على أنفسهم فليس للبخل دواء.
يتوقف سالكو الطرق البرية – ممن تجبرهم ظروفهم لقطع مسافات كبيرة – في المحطات على الطرق؛ للتزود بالوقود أو تناول طعام أو شراء ما يحتاجونه أو لأداء الصلاة، فتحصل لبعضهم مشاهدات أو مواقف أثناء ذلك -وهي في الغالب متكررة وبخاصة في المحطات الكبيرة- ومنها ظاهرة التسول التي يتعرضون لها من فئة استمرأت التكسب غير المشروع بوسائل الاحتيال والدجل المبنية على استغلال رغبة الناس في الخير، وحبهم للعون والمساعدة، وثقتهم الزائدة وحسن الظن الذي قد يصل عند البعض إلى حد السذاجة؛ إذ يعتبر أن كل هؤلاء المتسولين على الطرق أبناء سبيل تجب مساعدتهم، ويلزم مد يد العون لهم دون تدقيق وتثبت أو حتى الاستفادة مما يسمعه من تكرار مثل هذه المواقف، ويبرر قناعته بقوله : «أنا أعطي حسب نيتي» متناسياً قول النبي صلى الله عليه وسلم: «إن المؤمن كيِّسٌ فَطن» وهذا التساهل والسلبية شجعا المتسولين -ومنهم هؤلاء- على الاستمرار في ممارسة نشاطهم، ويؤكد ذلك كثرتهم عند الإشارات المرورية وأماكن التجمع -نساء ورجالاً وأطفالاً- بل وصل الأمر ببعضهم إلى قرع أبواب المنازل.
يختار المحترف -المسافر المتسول- هدفه من بين المسافرين بدقة شديدة، ويبدو أن تحديده لذلك الهدف يبنى على مواصفات وخبرات تراكمت لديه مع طول الممارسة والخبرة، فيقف بجانب سيارة الهدف إن تيسر له ذلك أو على مقربة منها، ويترجل ويبادره بما تعرض له من ظرف قاسٍ تسبب في نفاد ما معه من مال واضطراره للبقاء مع أسرته وأطفاله لعدة أيام من أجل إصلاح سيارته -ويشير إليهم زيادة في مباغتة الهدف والتأثير عليه- حتى أنه لم يبق معه ما يمكنه من الوصول إلى وجهته، أو يقف بسيارته في انتظار الهدف الذي دخل للشراء، فيعترض طريقه أثناء عودته لسيارته، فيبادره بتلك الديباجة التي تمرَّس عليها، ويعززها بافتعال الحرج واصطناع الاستحياء، فيحصل على مبلغ من هذا، وآخر من ذاك ثم ينتقل لمحطة أخرى، ويكرر الوسيلة، ويستمر في كسبه غير المشروع، فهو يدرك أن هذه المحطات مكان عبور لا إقامة، فيمكنه أن يقضي في المحطة الواحدة عدة ساعات دون أن يشعر به أحد أو يلتفت إليه.
هذا المحترف ليس مواطناً بل مسافراً من بعض الجنسيات العربية أو الآسيوية المقيمين في دول مجلس التعاون الخليجي، يظهر ذلك من لوحات سياراتهم -إن لم تكن مزورة- ومثل هذه المشاهد ليست جديدة بل هي منذ سنوات -وماتزال تتكرر على كثير من الطرق- وقد شوهد مواطنون يمارسون مثل هذا الدور -وإن اختلفت الأساليب- لكنهم أقل من أولئك المسافرين الذين قد لا يكون سفرهم حقيقياً بل هو احتراف للتسول عبر رحلة عمل تجمع بين متعة السفر وكسب المال الوفير!.
إن هؤلاء المحتالين من المقيمين في دول مجلس التعاون هم غالباً ممن لديهم وظائف ذات دخل جيد -بكل تأكيد- مكنتهم من استقدام أسرهم، ومن شراء سيارات ثمينة يستخدمونها في سفرهم، الأمر الذي ينفي ادعاءاتهم بنفاد ما معهم من مال، وحتى إن سلمنا بنفاد ما معهم حقيقة، فبإمكانهم التصرف والحصول على المال بالطلب من أقاربهم أو زملائهم في العمل بالإيداع في حساباتهم البنكية أو التحويل، فيقومون بالسحب خلال دقائق من أجهزة الصرف الآلي المتوفرة في محطات الوقود على الطرق السريعة أو السحب عبر بطاقات الائتمان التي يحملونها، ولا يتحولون إلى متسولين يذكروننا بفيلم «المتسول» لعادل إمام!
إن تصديقنا لهؤلاء المتسولين، وغياب دور الأجهزة المعنية للقيام بمكافحة نشاطهم أمر سلبي زاد من نشاطهم، فالواجب إبلاغ الجهات الرسمية عنهم؛ لحماية المجتمع من خطرهم، كما أن على ملاك المحطات أو من يديرونها مسؤولية كبيرة في رصد المحتالين والقيام بمنعهم والإبلاغ عنهم، ووضع التنبيهات التوعوية والتحذيرية الواضحة للمسافرين.
وقفة : هذه المحطات وما يتبعها من مرافق لا تقل أهمية عن المجمعات التجارية والبنوك فهل سيتم إلزام ملاكها بتأمين حراس أمنيين؟
عبدالله مهدي الشمري