لايهتم العسكر عادتا بأوضاع الشعوب ولا يحرصون عليها كثيراً بقدر ما يفكرون بمصلحتهم الشخصية على حساب الديمقراطية والانظمة الشرعية والاقتصادية.
ما حدث في تركيا ليس بجديد على الفكر العسكري الذي يفتقد الحس الإنساني ويتصف بالانانية المطلقة فهم على استعداد تام لقتل آلاف البشر وحرق الارض وخيراتها في سبيل الاستيلاء على السلطة وما يحدث في سوريا من النظام الأسدي من قتل وتهجير لملايين السوريين ليس ببعيد.
اثبت الشعب التركي عظمته عندما وقف ضد العسكر ونزل الى الشوارع بالآلاف للدفاع عن الشرعية والديموقراطية على عكس غيره من الشعوب التي دعمت بعض الأنظمة العسكرية. وما ردت فعل الأتراك الا بعد أن ذاقوا حلاوة الديموقراطية وعاشوا بأمان دون خوف وبشكل مختلف في عصر الطيب اردوغان سياسيا واقتصاديا فتذكروا عصور الظلام عصر العسكر وحكمهم الظالم فأبوا بكل اطيافهم هذه الخطوة التي أعادت الحق لأصحابه من جديد وأضفت الشرعية الانتخابية لحكومة اردوغان التي كادت أن تذهب مهب الريح ويذهب معها عمل السنوات الماضية وكأن حال لسانهم يقول:
إذا الشّعْبُ يَوْمَاً أرَادَ الْحَيَـاةَ فَلا بُدَّ أنْ يَسْتَجِيبَ القَـدَر
وَلا بُـدَّ لِلَّيـْلِ أنْ يَنْجَلِــي وَلا بُدَّ للقَيْدِ أَنْ يَـنْكَسِـر
أتى اتاتورك على ظهر الدبابة ومنع رفع الاذان باللغة العربية وحارب كل الأشكال التي توحي للإسلام وسجن وقتل كل من عارض توجهاته فعاش الشعب تحت وطئت العسكر وحكمهم الدكتاتوري لعقود الى أن أتى الرئيس عدنان مندريس في عام ١٩٥٠ ليعيد رفع الاذان باللغة العربية ويعيد لتركيا شيئا من إسلامها. لم يعجب هذا التصرف اصحاب التوجهات غير السوية لذلك اعدّوا لإنقلاب ونجحوا فيه لتعم تركيا الفوضى من جديد ويذهب آمنهم وآمانهم. ففي عام ١٩٦٠ قام الجيش بعملية انقلاب أطاحوا من خلالها بالرئيس مندريس وتم بعد ذلك اعدامة بتهمة الخيانة حيث اعتبروا قراراته التي أُصدرت تنافي علمانية الدولة التركية واستحق بموجبها الإعدام !!!
توالت الانقلابات العسكرية لتتوالى معها الفوضى والضحية هم الشعب الذي حُرم العيش كباقي الامم الى أن أتى اردوغان ليبدأ عصر النهضة ويسير بالأتراك يدا بيد نحو مستقبل مشرق وزاهر. فنقلهم من الهامش ليصبحوا الرقم الصعب في معادلة التطور ويحولهم من الاعتماد على غيرهم الى شعب منتج ومن بلد يفر اهله منه، لبلد سياحي يقصده الأوروبيين قبل العرب. هكذا هم القادة الذين يقدمون شعبهم على انفسهم ويبذلون قصار جهدهم لخدمته بوقت الرخاء ليكافئهم هذا الشعب بالصمود امام الدبابات والمدرعات والأسلحة الثقيلة ليفديهم بالأرواح ويعيدهم لسدة الحكم بعد أن غاب قوسين او أدنى من التنحي عنه.
تحية عطرة للشعب التركي الذي ضرب اروع الأمثلة في الوقوف جنبا لجنب مع حكومته المنتخبة مدافعا عن الشرعية وارادة الشعب. تحية عطرة لهذا الشعب الذي صمد واستجاب لقائده الذي ظهر لمدة ثوانٍ معدودة عبر تطبيق يحثهم على الدفاع عن ديمقراطيتهم وحقوقهم فما كان منهم الا ما شاهدنا عبر شاشات التلفاز فمن ذاق طعم الأمن والامان لن يرضى الا بهما ولن يقبل بغيرهما.
ختاما، لا عزاء للحاقدين الفرحين بهذا الانقلاب الذين شمتوا وكتبوا أسوأ العبارات وكتبوا العديد من التغريدات بادئ الامر ثم عادوا ليمسحوا ما خطت أيديهم بعد أن خيب الله ظنهم وأمانيهم، فالملك لله يؤتيه من يشاء وينزعه ممن يشاء ولو كان الامر بأيدي هؤلاء لفسدت الارض وضاعت مصالح الشعب فأمن تركيا واستقرارها فيه أمن للمنطقة ككل وزعزعتها ستجلب الفوضى بلا شك علينا جميعا وهذا مالا نتمناه. فقد انعم الله علينا بالاستقرار والعيش بسلام ونسأل الله أن يديم علينا هذه النعم وأن لا يُرينا مكروه بقريب او صديق.
التعليقات 10
10 pings
إنتقل إلى نموذج التعليقات ↓
زائر
07/17/2016 في 4:12 م[3] رابط التعليق
كلام جميل مبدع اخي متعب (نسأل الله أن يديم علينا هذه النعم وأن لا يُرينا مكروه بقريب او صديق)
زائر
07/17/2016 في 5:03 م[3] رابط التعليق
اخوي متعب العوض مقاله رائعه وجميله وتحليلك عين العقل نحمد الله على الامن والامان بالاوطان ..تقبل تحياتي لك
زائر
07/17/2016 في 5:59 م[3] رابط التعليق
كلام كبير من شخص كبير تحيه عطره لكاتبنا ابو عبدالله ونسأل الله ان يديم علينا نعمة الأمن والامان فالبلدان الاسلاميه
زائر
07/17/2016 في 6:18 م[3] رابط التعليق
التعليق
عفاف الزومان
07/17/2016 في 10:36 م[3] رابط التعليق
سلمت يداك على ماكتبت وبالفعل مقال يستحق الشكر عليه
متعب العنزي
07/18/2016 في 1:58 م[3] رابط التعليق
اشكر كل من توقف واستقطع جزء من وقته لقراءة المقال والتعليق عليه. اشكر الجميع على الإطراء والثناء وما انا الا انعكاس لشريحة واسعه من المجتمع واحترم كل من يخالفني في الرأي ..
وجب التنوية انني وغيري كُثر لا نثني على اردوغان لانه اردوغان بل لما فعله لبلدة وشعبه فنحن مع العمل وليس الأشخاص ،،
نرجس العنزي.
07/19/2016 في 1:25 م[3] رابط التعليق
بعد كلامك مافي كلام.
ابومحمد
07/20/2016 في 10:11 ص[3] رابط التعليق
مقال رائع يستحق القراءة، تحية عطرة لكاتب المقال
زائر
07/24/2016 في 3:42 ص[3] رابط التعليق
كلام جميل منك يالصديق متعب عوض معاك زميلك في الدراسه يوسف مرزوق العازمي
متعب العنزي
07/25/2016 في 11:32 ص[3] رابط التعليق
صديقي العزيز وزميل الدراسة يوسف مرزوق العازمي ،، سعيد جدا بتعليقك وإضافتك وكم نشتاق لتلك الايام الجميلة لرؤية زملاء اوفياء أبعدتنا مشاغل الدنيا عنهم ..