في البداية لابد ان يعرف الجميع ان علم إدارة الحشود أو التجمعات البشرية برز حديثًا كعلم مستقل بذاته له مفاهيمه وأطروحاته وأساليبه .
اهتمت العديد من الدول بهذا العلم لحاجة الناس إليه، فكل دولة تؤسس لهذا العلم من منظورها في التعامل مع الحشود البشرية، سواء تلك الحشود التي تفد إليها عبر برامج دولية مثل إقامة المعارض الدولية، أو الفعاليات الرياضية العالمية التي تستقطب الملايين من الناس في فترة محددة ومكان محدد.
المملكة العربية السعودية قيادة وشعب تمارس وتتعامل مع ادارة الحشود منذ ما يقرب من مائة عام ، من خلال موسم الحج والعمرة سنويا ، وتعمل كل اجهزة الدولة على الاستفادة من الدروس والمواقف السابقة ، بمعنى ذلك ان علم ادارة الحشود يستخدم ويبطق في السعودية قبل ظهور العلم على مستوى العالم ، وقبل ان يدلف للأقسام العلمية في الجامعات .
دول العالم بداءات تستخدم علم ادارة الحشود عندما زادت حركة البشر وأصبح لديهم ثقافة السفر ، لذا نجد من ابرز الحشود عالميا الآتي :-
• مهرجان (ارده كومبه ميلا)، أو مهرجان الحج الهندوسي النصفيفي واحد من أكبر تجمعات البشر ع بحسب معتقداتهم.
• الاحتشاد للمشاركة في نهائيات كأس العالم، ولنأخذ مثال بلغ عدد القادمين من مختلف أنحاء العالم لمشاهدة النهائيات في جنوب إفريقيا عام 2010 والبرازيل 2014 نحو 3.5 ملايين شخص.
• الاحتشاد للمشاركة في الأولمبيات العالمية التي يجتمع في اعداد كبيرة .
• جميع الدول التي يقام في مهرجانات كبيرة مثل المعارض الدولية ، وكأس العالم ، والأولمبيات دائماً تستعين بالمملكة للاستفادة من خبرتها في ادارة الحشود ولذلك نجد ان :-
* الدكتورة سلا يانويا، ممثلة الأمم المتحدة على مستوى العالم بجنوب إفريقيا، تقول في المؤتمر الدولي لطب الحشود والتجمعات البشرية الذي عقد عام 2010: «إن دول العالم، بما فيها جنوب إفريقيا، وخلال استضافتها كأس العالم استفادت من الخبرة السعودية، والسبب بسيط؛ أنه لا توجد دولة تدير وتنظم هذه الحشود وبهذا المستوى وبصفة سنوية مثل المملكة العربية السعودية، كونها تحتوي قبلة المسلمين»، وأكدت أن «المملكة وصلت إلى هذه الخبرة العالمية في إدارة الحشود بعد أن واجهت الكثير من التحديات لتمكين المسلمين القادمين إلى الحج أو العمرة لأداء مناسكهم وفريضتهم»، ولفتت إلى أن «التحديات التي واجهتها المملكة كانت جسيمة، واستطاعت بعد سلسلة من التجارب أن تصل إلى الحد الأعلى في مجال إدارة التجمعات البشرية».
* وكالة الأنباء الألمانية في أكتوبر عام 2012 تنقل عن الخبير البريطاني المتخصص في إدارة الحشود البشرية قوله «السعودية تستحق الميدالية الذهبية في إدارة وتنظيم الحشود وتوجيه الكتل البشرية»، مشيرًا إلى علو كعب الاحتياطات الأمنية في السعودية عندما يأتي قرابة خمسة ملايين حاج في وقت واحد ومن مشارب عدة وثقافات متعددة... هنا يكمن الفارق.
وصلت المملكة الى هذه الإشادة الدولية كونها أصبحت المرجع الأساس لظهور علم ادارة الحشود وتطبيقاته ويرجع ذلك (وسوف يتضمن المقال على سبيل الذكر لا الحصر )الى :-
١- وقوف خادم الحرمين شخصيا على اعمال الحج ومتابعة حركة الحجاج والمعتمرين تراه ومعه ولي عهده سنويا من يوم التاسع ذي الحجة في منى للاشراف المباشر ، ومن يوم الخامس عشر من رمضان وهو في مكة للتأكد من قيام كل فيما يخصه بواجبه في تقديم الخدمات للحجاج والمعتمرين ، ولعل ما حضيت به المشاعر من توسعة جسر الجمرات وتوسعة الحرم والخدمات المقدمة نتيجة هذه المتابعة المباشر.
٢- أمير الحج سنويا أمير منطقة مكة المكرمة يتحرك مع (3) ملايين حاج في جميع مناسكهم ويتابع التقارير عنهم بشكل فوري ، ويسعى لتسهيل الخدمات لهم ، ويعلن في نهاية حج هذا العام ان الهدف المستقبلي خدمة (5) ملايين حاج .
٣- وزارة الداخلية سنويا تستقبل الحجاج والمعتمرين بادوات وتقنيات متطورة تسهل عملية الدخول حيث تنهي يوميا إجراءات اكثر من (70) الف حاج ، ثم تسهر على راحتهم وامنهم وتنقلاتهم ، وتعد الخطط العلمية لحركة ملايين البشر في زمان محدد ومكان محدود وثقافات مختلفه وبإيداع منقطع النظير ، ويشهد العالم باحترافية الوزارة في ادارة الحشود على جسر الجمرات وخلال المشاعر ، كما يشهد في ادارة الكثافة المرورية ، ويشهد العالم لسرعة استجابة الدفاع المدني ووصوله الى مكان الندى والاستغاثة .
٤- وزارة الحج وهي تقوم بتطوير اعمال المطوفين والإدلاء وحركة التنقل الترددي والتنسيق مع جميع الجهات المعنية ، والتعامل مع بعثات الدول المرافقه للحجاج ، وإقامة الندوات والمؤتمر ات السنوية عن الحج والعمرة .
٥- وزارة الصحة سنويا تشغل اكثر من (8) مستشفيات بسعة سريرية كبيرة جدا لموسم الحج خلاف لماهو قايم في منطقة مكة المكرمة والمدينة المنورة، وتقدم خدماتها مجاني وبارقى الايادي الطبية الماهرة والتقنيات الطبية المتقدمة .
٦- وزارة البلدية سنويا تقدم خدمات النظافة على مدار الساعة لعدد كبيرة من البشر اغلبهم كبار في السن ، فالمشاهدة يرى مستوى التعقيم وكذا طرق سحب النفايات عبر ممرات من تحت منى ، وكيف تجهيز دورات المياة والعناية بها وغيرها .
٧- الرئاسه العامة لإدارة الحرمين الشرفين على مدار الساعة ليلا ونهارا تعمل على كيفية ترتيب المطاف ، وكيفية توزيع الفرق الصحية والدعوية داخل الحرم ، ثم كيفية تأمين مياة. زمزم للحجاج من خلال (25000) ترمس تملى على مدار الساعة ، وقبل هذه الطرق العلمية في نظافة الحرم اكثر من (5 ) مرات يوميا وباستخدام أفضل التقنيات وأجود المطهرات .
٨- وزارة التجارة سنويا تعمل على تأمين كل ما يحتاجه الحاج والمعتمر بأسعار اقل من ماهو في السوق حتى يمنع استغلال الحاج والمعتمر ، والشي بالشئ يذكر كنت في مهمة ان وبعض الزملاء قبل الأولمبيات التي أقيمت في لندن وطلبوا منا اعطاهم نبذة عن ادارة الحشود ذكرنا لهم وعندما بدانا في عدم الاستغلال قالوا هذا ليس دورهم حيث يجب ان يستفيدوا التجار عندهم من خلال رفع الأسعار حتى انه قال خله يشتري الماء الصغير ب (2) جنية إسترليني بينما الحاج والمعتمر يجدها باقل من سعرها في السوق الا لم يجدها ببلاش .
٩.الخدمات الطبية في وزارة الدفاع والحرس سنويا تقدم مستشفيات داخل المشاعر لخدمة ضيوف الرحمن ومراكز صحية متوزعة حتى داخل الحرم وتقدم هذه الخدمات مجاني على غرار ما تقدم وزارة الصحة.
ختاماً ... وانا اكتب عن احترافية المملكة في ادارة الحشود ، فهي لا تدير هذه الحشود بين عدة مدن يتحرك فيها شباب وبين متعلمين وإنما تدير هذه الحشود في مكان محدود وزمن محدد وثقافات متنوعة اغلبهم كبار في السن حيث نجد :-
• موقع مكة المكرمة عند تقاطع درجتي العرض 25/21 شمالاً، والطول 49/39 شرقًا، ويُعتبر هذا الموقع من أصعب التكوينات الجيولوجية، فأغلب صخورها جرانيتية شديدة الصلابة ، ويبلغ ارتفاع مكة عن مستوى سطح البحر حوالي 277 مترًا.
• التعامل مع كل تلك الثقافات واللغات والسلوكيات والأمزجة التي جاءت من مختلف أنحاء العالم ، وأغلبهم لا باحدث الى لغته الأصلية وكبير في السن وقد يكون مريض .
ومما تقدم الا يصبح لنا السبق والفخر في ظهور علم ادارة الحشود وتطبيقاته ، ثم الا يفترض ان يكون ضمن الأقسام العلمية في الجامعات قسم ادارة الحشود وربط ظهوره بالممارسات العملية لاجهزة الدولة منذ ما يقرب من مائة عام ,, والسلام .
د. فيصل بن معيض السميري