الإعلام يجب ان يبقى من حيث الرسالة والهدف والمضمون والمعالجة والتحليل منبرا لصناعة الرأى العام هذا من ناحية ومن ناحية اخرى يجب ان يتخلى العاملين بالإعلام عن وهم بانهم زعماء يقودون ويصنعون الرأى العام بكل التحديات والمشكلات التى يعانيها في الوقت الحاضر ، بينما الرأي العام يتجول في الفضاء الرقمي بكل سهولة ويسر .
ما لا شك فيه أن الإعلام أحد أهم وسائل مجابهة ما تتعرض له الدول من ضغوط بل وحروب، وعلى أن المجتمعات العربية مستهدفة عن طريق الإعلام فيما يعرف بحروب المعلومات وخلخلة الوعى ونشر الشائعات تمهيدا لإسقاط الدول من داخلها وليس عن طريق الحروب التقليدية.
المشكلة الرئيسة و الأهم التى تواجه الإعلام وبخاصة العربي في الوقت الحاصر هى :-
• تراجع المهنية .
• غياب التدريب .
•تواضع القدرة على تقديم ما من شأنه جذب المشاهد والقارئ .
• ترك الساحة للإعلام الذى يستهدف إما تغييب الرأى العام أو جره إلى حيث لا يريد سياسيا واجتماعيا وثقافيا.
وسوف استند في مقالي هذا على بعض الأوارق العلمية التي قدمت في المؤتمر الذى نظم الأسبوع الثالث من شهر محرم لعام ١٤٤٠ الاسبوع الأخير من شهر سبتمبر لعام ٢٠١٨ بالتعاون مع نادى الشارقة للصحافة بدولة الإمارات العربية المتحدة م ، حيث تضمنت العديد من أبحاث واوراق علمية التي طرحت في الموتمر عن تأثير الاعلام الجديد على دور الاعلاميين ،و أظهرت النتائج عدم انزعاجهم من وسائل الإعلام الجديدة المعتمدة على شبكة الانترنت ووسائل التواصل الاجتماعي، على عكس ما يروج كثيرون متصورين أن ثمة حربا بين وسيلتى الإعلام التقليدية والحديثة، وأن وجود إحداهما ينفى الأخرى بالضرورة.
كما بينت المشكلات التى يعاني منها الاعلام الحديث وكان السبب من وسائل الإعلام الجديدة أكبر بكثير جدا من تلك التى تتسبب فيها وسائل الإعلام التقليدية، الأمر الذى يعنى أن وسائل الإعلام الجديدة لا يمكن لها أن تستمر بالطريقة التي تمارسها في الوقت الحاصر طويلا وأن منحنى انصراف الرأى العام عنها سيبدأ فى التصاعد إن عاجلا أو آجلا .
كما تطرقت الأبحاث الى الأدوار التي يقوم بها الإعلام في الواقع والتي تتمثل في دورين أساسيين لا غنى لأى مجتمع عنهما :-
١- القيام بإعلام المجتمع بما يجرى متحريا الدقة والصدق فى نقل تلك الأخبار .
٢- الدور التنويري للمجتمعات ومن خلال طرح كل البدائل المتاحة للتعامل مع القضايا المختلفة ونقل كل وجهات النظر المطروحة بشأنها. ولكي يقوم الاعلام بالأدوار المذكورة لابد أن يعتمد على المهنية والموضوعية التى لا يثور بشأنهما أى جدل بين المهتمين والعاملين فى مجال الإعلام وإلا فقد الرأى العام الثقة فيما يقدمه، وبالتالى ينصرف عنه.
المشكلة الرئيسية التي يعاني من الإعلام الحالي تكمن في تمادى لعب الدور الذى فرضته مقتضيات الواقع عليه خلال سنوات الاخيرة وخاصة بعد ما يسمى بالربيع العربي والذي اخر بعض الدول الى قرون حتى تستعيد ما فقدته ، حيث تحول الاعلام وبخاصة الاعلام المؤدلج من مراقبا للمشهد ينقل ما يحدث ويطرح وجهات النظر المختلفة بشأنه، الى طرفا أساسيا في العملية السياسية .
فقد ظهر تغليب اعتبارات المصلحة الشخصية الضيقة سواء لبعض الإعلاميين أو ملاك القنوات والصحف أو القوى السياسية المختلفة على الصالح العام والمهنية الإعلامية التي يبحث عنها الرأي العام ، ومن ثم تفرغت العديد من وسائل الإعلام لإدارة المعارك الشخصية والهامشية ومحاولة شيطنة المختلف وإثارة العديد من القضايا التى لا طائل منها مقابل إهمال القضايا التى تهم وتشغل المجتمع أو على أقل تقدير سوء التعامل مع تلك القضايا .
وقد أدى طغيان الدور السياسى للإعلام إلى تسهيل مهمة الهجوم عليه والنيل منه وتحميله مسئولية ما يحدث من سلبيات فى المجتمع، وتصويره على أنه أحد أهم العوامل التى تهدد بتفتيت اللحمة والنسيج الاجتماعى وتحويل المجتمع إلى جزر منعزلة يهدد بعضها بعضا.
وفي الختام ... فإن مشكلة الإعلام الحقيقية والتي كشفت عنها الأبحاث والدراسات والتى تحول دون أن يكون له تأثير وقيادة حقيقية للرأى العام لا يمكن حصرها فى تراجع مهنيته فقط،بل في مجالات كثيرة منها :-
• تراجع قدرته على التعبير عن حالة التغيير والإصلاح بمفهومه العام ( السياسي ، والاقتصادي ، والاجتماعي ) باعتباره السلطة الرابعة ومن ثم خلق البيئة المناسبة لتسهيل مهمة الإصلاح .
• تورط بعض وسائل الاعلام فى المشاركة بشكل أو بآخر فى تسويق القيم والمفاهيم السلبية ونشر الشائعات التى تهدد المجتمعات والدول معا.وهناء بدا للجميع أن الإعلام «عاجز» عن الإنتقال إلى مرحلة من «الرشد» يكون فيها منبرا بمعنى منصة حقيقية هدفها تنوير الرأى العام وليس فقط إخباره بما عرف من أحداث لحظة وقوعها، مستهدفا جعل الرأى العام أكثر رشدا لمقاربة كل قضاياه السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وليس التلاعب به ، والسلام .
بقلم .د فيصل معيض السميري