المكان يعج بالضجيج والحاضرون في غفلة عما يزعجهم، يعيشون لحظات من الفرح في حفلة عرس وشيلات تحرك المشاعر يرقص ويتمايل على نغماتها الشباب ويطلقون الصيحات الضحكات ابتهاجا.
أتابع ذلك بشغف واتفقد أرجاء المكان واراقب الحضور فهناك من أعرفه وهناك من تعرفت عليه وهناك من لا أعرفه، جميعهم حضروا ليشهدوا الفرحة ويباركون للعريس.
شيء ما اخرجني عن محيطي ونقلني خارج المكان مع أنني ما زلت فيه أسمع وأرى، لكني كمن غاب عن الوعي فلم أعد أدرك شيئا مما يجري حولي، حتى الأصوات اختفت لم أعد اسمعها مع انها صارخة، مشهد الشباب وهم يرقصون وصيحاتهم لم يعد يلفت نظري.
كان يجلس بجانبي حينما استرقت النظر إليه وليتني لم أفعل فقد جعلني خارج نطاق المكان شبه مغيب الفكر، تجاعيد الزمن ترتسم على وجهه، يعبث بشعيرات من لحيته بإحدى يديه التي لم تستقر من رعشة توحي بسنين عمره، كأنه يتفقد ما بقي فيها من سواد فقد غزى البياض كامل لحيته.
ينظر إلى الأرض لم يستهويه شيء مما يجري حوله أو يلفت نظره، كأنه يعيد حساباته وكيف قضى عمرة، لمحة من الندم رأيتها في عينيه، لقد ذهب به تفكيره بعيدا عن محيطه، وكذلك ذهب بي تفكيري فقد انشغلت به عن كل شيء واستدرجني حاله للنظر في حالي وبدأت أحيك الصور واضع نفسي مكانه.
وما إن فعلت حتى انتقلت فعليا من المكان الى عالمي الخاص بي فقد أخذني تفكيري بعيدا مستعينا بالخيال لتحضر أمام كل الصور.
كنت أحبو فمشيت ثم ركضت فأصبحت شابا يافعا وهأنا وقد قوس ظهري وضعف بصري اطلب عون من حولي لأتمكن من النهوض، كل ذلك عبر خلال لحظات قليلة مثلت أمامي مراحل عمري كله وكأنها تقول لي ها قد انتهت رحلة العمرك فماذا فعلت لآخرتك.
شعرت بالخجل من نفسي، فأنا فعلا لم افعل الكثير لآخرتي بل جل ما فعلته كان لدنياي الفانية، فقد كان شيطاني قوي لدرجة أنساني آخرتي وأشغلني بما تهوى نفسي الأمارة بالسوء.
يا لك من عجوز، تعلمت منك الكثير لكنك افسدت علي لحظات الأنس والفرح واخرجتني خارج المكان، لكني تداركت نفسي في اللحظات الأخيرة وغيرت مكان جلوسي فقد اقترب الحفل من النهاية.
سعود العتيبي (فارس بلا جواد)
التعليقات 9
9 pings
إنتقل إلى نموذج التعليقات ↓
زائر
06/22/2019 في 7:26 م[3] رابط التعليق
ما شاء الله تبارك الله. طرح جميل اخذني معك في الخيال.
شكرا جزيلا
غرم الله
06/22/2019 في 8:05 م[3] رابط التعليق
وتلك الأيام نداولها بين الناس
خيالك واسع ..بارك الله فيك
العنزيه
06/22/2019 في 8:07 م[3] رابط التعليق
ياتاج راسي درر
زائر
06/22/2019 في 8:15 م[3] رابط التعليق
التعليق
سعدي العتيبي
06/22/2019 في 8:23 م[3] رابط التعليق
احسنت يا ابو طلال لقد رسمت بخيالك الواسع اجمل لوحه في مقالك هذا .
نتمنى ان تتحفنا دائما بمقالاتك الرائعة والتي دائما تحاكي الواقع بوصف جميل .
دائماً مبدع يابو طلال
06/22/2019 في 10:06 م[3] رابط التعليق
التعليق
زائر
06/22/2019 في 10:06 م[3] رابط التعليق
دائماً مبدع يابوطلال
زائر
06/23/2019 في 4:15 م[3] رابط التعليق
ما فهمت شيء !. حضري
نواف بن ناصر الحربي
07/01/2019 في 6:25 ص[3] رابط التعليق
قصه مفيده ومعبره وكلام رائع واحساس جميل من كاتب مبدع في جميع المجالات لله ذرك يابو طلال .