أبعادالخفجى-اقتصاد:
اتفق عـدد من خبراء الاقتصاد، على أن الاحتياطيات المالية الضخمة التي تجاوز حجمها 2,5 تريليون ريال، كافية لتمويل أي عجز متوقع في موازنة العام الحالي، وأعوام مقبلة، مشيرين خلال ندوة «عكاظ» إلى أن تنويـع مصادر الدخل، ومعالجة متغيرات الدخل المرتبط بإيـرادات النفط، يتطلب تنفيذ خطة تعتمد على الصناعة كخيار إستراتيجي للمملكة، مؤكدين ضرورة تعظيم الإيـرادات من خلال حزمة قرارات جوهرية تقود نحو تنويـع الاقتصاد، وبناء قاعدة إنتاجية قادرة على خلق إيـرادات متنوعة، وتعظيمها بشكل دائم، موضحين أن إصدار السندات الحكومية هو الخيار الأمثل لتمويل العجز؛ لأن الحكومة ستحقق من خلاله أهدافا إضافية، منها خفض الضغوط التضخمية
وتحقيق الكفاءة الاستثمارية للسيولة المتاحة، وتوفير فرص استثماريـة آمنة للمؤسسات الحكومية ذات الملاءة المالية، وتنشيط سوق الصكوك والسندات، مؤكدين أهمية فرض الرسوم على الأراضي البيضاء لرفع إيـرادات الدولة سنويا من خلال ضخ مئات المليارات قياسا على التقييم الحالي للأراضي، بالإضافة إلى حل مشكلة الإسكان.
وبين ضيوف الندوة أن ضبط الإنفاق الحكومي أمر يجب تحقيقه عن طريـق مراجعة المشروعات المقترحة، والتركيز على المشروعات التي لا يمكن تأجيلها، إضافة إلى تدقيق ومراقبة الإنفاق بشكل عام، وفي القطاعات التي يتعاظم فيها الهدر بشكل خاص، وفرض سياسة التقشف المالي، بما يساعد في تقليص النفقات بشكل متوافق مع حجم الانخفاض الحاصل في الدخل، وتفعيل الرقابة الحكومية الصارمة في تحصيل الرسوم المهدرة..؛ وذلك ما سيساعد في زيادة الدخل المحلي، وفتح مناطق حرة في الموانيء الكبرى. وأكد رئيس مركز الدراسات الاستراتيجية والسياسات البترولية الدكتور راشد أبانمي، أن الظروف التي يمر بها العالم، وذلك من خلال تقاريـر حديثة لمؤسسات مالية قد أعطت تقديرات سلبية لاقتصاد المملكة.، مشيرا إلى أن صندوق النقد الدولي في تقريـره الأخير بين احتمال وجود عجز في ميزانية المملكة يصل إلى 20 في المئة. وقال أبانمي: «النفط يمثل 90 في المئة من موارد المملكة المالية، وأي اهتزاز في أسعار النفط سينعكس مباشرة على مواردنا المالية كما أن إنتاج المملكة من البترول 10 ملايين يوميا، منذ أن كان سعر النفط 115 دولارا للبرميل، ولازال الإنتاج كما هو، ولكن الأسعار انخفضت إلى أكثر من النصف، والنظرة الاقتصادية العالمية تنبىء بالأسوأ، فأسعار النفط وصلت إلى 60 دولارا في عام 2014، ولازال الاقتصاد الدولي يعاني من كساد، كما أن الطلب على النفط عادة يكون في ظل النمو الاقتصادي، وإذا كان هنالك زيـادة في المعروض فإن ذلك سيقابله طلب منخفض ومن ثم الضغط على الأسعار».
وتابع أبانمي: «في عام 2009 وصل سعر البرميل إلى 30 دولارا، في فترة وجيزة، وتجاوز هذا الانخفاض وارتفع من جديد، ولكن الآن لا نرى أي بوارد لارتفاعه من جديد، وبغض النظر عن الأسباب التي أدت إلى انهيار أسعار النفط، إلا أن ما يهمنا حاليا هو كيفية التعامل مع أسعار البترول المنخفضة إلى حد الانهيار؛ نظرا لأن اقتصادنا مرتبط ارتباطا عضويا بعوائد النفط، وبالتالي فإن الدورة الاقتصادية التي نمر بها الآن في بداية نزولها؛ وذلك ما يوجب مراجعة الاستراتيجية الاقتصادية برمتها، وتدارك الأمر بسرعة لتقليل الاعتماد على النفط، فالتحديات عميقة ولم نكن أكثر اعتمادا على إيـرادات النفط مما نحن عليه الآن، وبذلك فإن الحاجة أصبحت ملحة للانتقال إلى مرحلة تنويـع مصادر الاقتصاد لمواجهة متغيرات الدخل، وخفض الاعتماد على إيـرادات النفط، نعم هذا الهدف الذي دأبت كل الخطط الخمسية الحكومية التنموية منذ بداياتها الأولى، ولكن لم يتحقق على الإطلاق، إذ إن واردات النفط مازالت تشكل أكثر من 90 في المئة من إجمالي دخل الموازنة؛ وهو ما يستدعي، وعلى وجه السرعة، تخفيض تلك النسبة الكبيرة من اعتمادنا على عائدات البترول، حيث إن لدى المملكة الكثير من الميزات التي تجعلها قادرة على تنويـع مصادرها للدخل على المستويين المتوسط والبعيد، وهي مميزات نسبية للمملكة من شأنها ليس فقط تحقيق مزيد من الاستقرار الاقتصادي، بل تأهيل المملكة إلى أن تصبح من أوائل كبريات الاقتصاد في العالم كاليابان وكوريا.
وبين أبانمي بقوله: «يرى بعض المراقبين أن انهيار أسعار النفط في الآونة الأخيرة هو نتيجة طبيعية للعوامل الاقتصادية وفي مقدمتها تزايد الإنتاج من النفط الصخري والرمال النفطية في الولايات المتحدة، وتراجع الاستهلاك النفطي في الصين، وارتفاع سعر صرف الدولار مقابل العملات الرئيسية الأخرى، وفي الجهـة المقابلة يرى البعض الآخر أن الأهداف الجيوسياسية لعبت دورا ليس خفيا في ما يحدث، وأن ما يحدث الآن من انخفاض للأسعار ليس جزءا من دورة اقتصادية طبيعية، بل هناك ما يشير إلى وجود قرار سياسي خلف هذا الانهـيار؛ نظرا لأن النفط يلعب دورا كبيرا في السياسة الدولية وبشكل متزايد خلال العقود الماضية، لاسيما أن النفط كان منذ عامين قد بدأ استخدامه سياسيا وكان من أهم بنود حزم العقوبات الاقتصادية المفروضة من الولايات المتحدة والمجتمع الدولي على دول مثل إيـران على خلفية برنامجها النووي، وأخيرا العقوبات الاقتصادية على روسيا بسبب الأزمة الأوكرانية».
ترشـيد الإنفاق
من جهته أكد الخبير في الشؤون الاقتصادية محمد بن فهد العمران، أنه في حال استمرار تراجع أسعار النفط مستقبلا فإنه لابد من إعادة النظر في الوضع المالي للمملكة، خاصة إذا ما بقيت أسعار النفط لفترة طويلة تحت مستوى ٥٠ أو حتى ٤٠ دولارا، كما هو محتمل بنسبة كبيرة، نظرا لأن إيـرادات الدولة تعتمد بشكل كبير على النفط، مشيرا إلى أن البدائل المتاحة معروفة وهي السحب من الاحتياطي وإصدار السندات الحكومية، منوهين إلى أنه خلال النصف الأول من هذا العام كان التركيز على السحب من الاحتياطي، لكن في النصف الثاني أصبح التركيز على إصدار السندات الحكومية، مبينا أنه توجد بدائل أخرى من المتوقع اللجوء إليها مستقبلا ستكون أكثر فعالية تتمثل في ترشيد الإنفاق، وخصخصة القطاعات الحكومية، وفرض الرسوم على الأراضي البيضاء وغيرها.
وقال العمران: «قـرار فرض الرسوم على الأراضي البيضاء أصبح الآن أقرب من أي وقت مضى في ظل ضعف الإيـرادات، ففي حال إقراره بالطريقة الصحيحة فسيتحقق هدفان استراتيجيان الأول زيادة إيرادات مباشرة للدولة، والآخر انخفاض أسعار الأراضي والمساهمة في حل جزء من مشكلة الإسكان، وبالنسبة للمبلغ المتوقع أن يدره قرار فرض الرسوم على الأراضي البيضاء فهو سيعتمد بشكل كبير على الآلية التي سيتم تنفيذها وبلا شك فإنه في حال تطبيق القرار فإن إيـرادات ستدر سنويا مئات المليارات قياسا على التقييم الحالي للأراضي داخل النطاقات العمرانية في المدن الرئيسية، وفي حالة استمرار هبوط أسعار النفط لفترة طويلة فإن ترشيد الإنفاق واتباع سياسات مالية تقشفية خيار لا مفر منه وغالبا سيتم الترشيد في الباب الرابع في الموازنة المتعلق بالمشاريـع الاستثماريـة؛ وهو ما يعني وجود احتمالات عالية لتقليلها خلال السنوات المقبلة قياسا على وضع أسعار النفط.