أبعاد الخفجى-محليات:
كشفت الأوامر الملكية السامية التي أصدرها خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، بإعادة هيكلة مجلس الوزراء وإلغاء ودمج عدد من الوزارات والأجهزة والهيئات الحكومية عزم القيادة الرشيدة على توفير كل مقومات نجاح رؤية المملكة 2030 على تحقيق أهدافها في تنويع روافد الاقتصاد الوطني وامتلاك القدرة والمبادرة لتحقيق تنمية مستدامة تلبي كافة تطلعات أبناء الوطن الاقتصادية والاجتماعية والإنسانية بما في ذلك الثقافة والترفيه وتضع ركائز مستقبل واعدة للأجيال الجديدة.
والقراءة الواعية في الأوامر الملكية والتي استقبلها كل أبناء المملكة بالترحيب والإشادة تكشف أنها جاءت لتحويل رؤية المملكة 2030 من الإطار النظري إلى ممارسات عملية لوضع المملكة في مصاف أكثر الدول تقدماً من خلال تقليص الاعتماد على النفط كمصدر رئيسي للدخل الوطني وهو ما يتجلى في تعديل مسمى وزارة البترول والثروة المعدنية إلى وزارة الطاقة والصناعة والثروة المعدنية، في إشارة واضحة على أن النفط يجب ألا يظل مصدراً رئيسياً للدخل وإنما لابد من الاستفادة منها في تحقيق التنمية الصناعية ومن ثم زيادة الصادرات ومضاعفة القيمة المضافة للعوائد النفطية إلى جانب الاستفادة من مصادر الطاقة الأخرى بما في ذلك الطاقة الشمسية والنووية.
وينطبق ذلك أيضاً على تعديل مسمى وزارة التجارة والصناعة إلى وزارة التجارة والاستثمار، والذي يعد ضرورة لتنمية الاستثمارات سواء للأصول الحكومية أو رؤوس الأموال الوطنية للأفراد، واستقطاب الاستثمارات من الخارج للعمل داخل المملكة. وتجسد الأوامر الملكية حرص القيادة الرشيدة على تحقيق التكامل في المجالات ذات العلاقة باختصاصات الوزارات والهيئات الحكومية والعامة، للحد من تداخل هذه الاختصاصات بين وزارة وأخرى وتعارضها في بعض الأحيان وهو الأمر الذي يسهم في القضاء على البيروقراطية من خلال توحيد السياسيات والإجراءات، ويتضح ذلك في تعديل مسمى وزارة الزراعة ليكون وزارة البيئة والمياه والزراعة، نظراً للارتباط الوثيق بين هذه المجالات جميعها.
وامتداداً لهذا التوجه أيضاً، جاء الأمر الملكي الكريم بإلغاء وزارة المياه والكهرباء، باعتبار المياه ضرورة للزراعة، والكهرباء مصدرا للطاقة، وهو ما يوضح زيادة الاعتماد على الشركات المعنية بتقديم خدمات إنتاج وتوزيع الطاقة الكهربائية، وكذلك المياه وفقاً لما يتم إقراره من سياسات تنسجم تماماً مع رؤية المملكة 2030.
وينطبق ذلك أيضاً على تعديل مسمى هيئة تقويم التعليم العام إلى هيئة تقويم التعليم ونقل كافة المهام والمسؤوليات المتعلقة بنشاط تقويم وقياس التعليم العام والعالي إليها، وكذلك مهام المؤسسة العامة للتدريب المهني والتقني والهيئة الوطنية للتقويم والاعتماد الأكاديمي والمركز الوطني للقياس والتقويم، فقياس مخرجات العملية التعليمية في جميع مراحلها يجب أن تتم من خلال مرجعية واحدة وآليات محددة وأن يرتبط بسوق العمل فعلياً لتوفير احتياجاته من الكوادر الوطنية المؤهلة، فضلاً عن أن توحيد ودمج الوزارات والهيئات من شأنه وفقاً لكل التجارب العالمية أن يسهم في تقليص معدلات الفساد المالي والإداري، بالإضافة إلى ترشيد النفقات وزيادة مستوى الفاعلية والإنجاز.
ولعل أبرز ما يلفت الانتباه في مضامين الأوامر الملكية السامية أنها لم تستهدف فقط الأنشطة الاقتصادية في مجالات الطاقة والزراعة والمياه والكهرباء والاستثمار باعتبارها محاور أساسية لتحقيق التنمية المستدامة وإنما استهدفت أيضاً الجوانب الاجتماعية والثقافية والاحتياجات الإنسانية للمواطنين، وهو ما يتضح في الأمر الملكي بإنشاء هيئة عامة للثقافة، وكذلك هيئة عامة للترفيه والذي يمثل تأكيداً على أن خطط التنمية المستدامة في رؤية المملكة 2030 تبدأ بتنمية الإنسان، وتوفير كل سبل الترفيه للاستمتاع بالحياة داخل وطنه وهو الأمر الذي أشار إليه صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز ولي ولي العهد قبيل إعلان رؤية 2030 بالقول إن المواطن السعودي يتمتع بمستوى دخل مرتفع مقارنة بالكثير من الدول الأخرى، إلا أنه لا توجد الأدوات التي يستطيع أن ينفق فيها هذا الدخل بشكل ينعكس على رفاهيته في الحياة، مقارنة بدول اخرى، دخل المواطن فيها أقل من دخل المواطن السعودي وكذلك الوضع الاقتصادي بها أقل من المملكة، إلا أن المستوى المعيشي لأبناء هذه الدول جيد، لأن لديهم فرصة ثقافية جيدة وبيئة جيدة تجعله يستمتع بدخله المالي حتى وإن كان ضعيفاً.
وقد بشر سمو ولي ولي العهد وقت إعلان رؤية المملكة بأن الترفيه والثقافة سوف يصبحان رافدين مهمين جداً في تغيير مستوى معيشة المواطن السعودي خلال فترة قصيرة، وهو الأمر الذي أصبح بالفعل قابلاً للتحقيق من خلال إنشاء هيئة عامة للترفيه وأخرى للثقافة لتتولى مهمة توفير مصادر الترفيه المختلفة لأبناء المملكة بما في ذلك السينما والمسرح، ومن ثم تقليص معدلات سفر أبناء المملكة للسياحة في الخارج بحثاً عن هذه المصادر الترفيهية والتكاليف المالية الضخمة لهذه السياحة.
وتكتمل ملامح الخير والتفاؤل بالأوامر الملكية بما تضمنته من قرارات إعفاء وتعيين وزراء ومسؤولين، حيث أكدت الحرص على الاستفادة من الخبرات العلمية والعملية في جميع مواقع صناعة القرار بدءاً من الديوان الملكي والأمانة العامة لمجلس الوزراء، ومجلس الشورى وصولاً إلى الهيئات والأجهزة التنفيذية، وفتح المجال أمام كوادر شابة وأجيال جديدة لتولي مسؤولية تنفيذ رؤية المملكة ورسم الطريق من أجل مستقبل زاهر.