أبعاد الخفجى-محليات:
في عهد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز -يحفظه الله- بدأت المملكة مشروعها الصناعي الجبار بالتحول من مستورد للمواد التحويلية والمنتجات النهائية الاستهلاكية إلى تصنيعها وانتاجها محلياً وذلك من خلال استغلال ثروة ووفرة المواد الأولية الخام واللقيم التي تضخ من قبل المصانع السعودية الأساسية الضخمة للبتروكيماويات بالمدن الصناعية الجبيل وينبع ورأس الخير ورابغ وغيرها، والتي تقدر طاقاتها الإنتاجية بنحو 120 مليون طن متري سنوياً، وتطوير سبل توظيفها محلياً لصالح تنمية الصناعات التحويلية الوطنية وتنويع منتجاتها النهائية والاستهلاكية ووقف استيرادها، وفتح آفاق لاستثمارات ضخمة لقطاع الصناعات التحويلية تقدر بنحو 200 مليار ريال توفر 100 ألف وظيفة.
ونتج عن هذا الفكر والفلسفة الصناعية الجديدة التي وقف خلفها الملك سلمان قرار تاريخي ينص على ضرورة استفادة الوطن من صادرات المملكة من المنتجات البتروكيماوية التي تصدر للخارج وتعود لنا بمنتجات استهلاكية حيث أن معظم المواد البتروكيماوية وخاصة ما يزيد على 85٪ من البوليمرات التي تنتجها مصانع المملكة للكيماويات والخام يتم تصديرها واستغلالها في دول أخرى لتعود إلى المنطقة وإلى المستهلكين حول العالم على شكل منتجات نهائية وتمكنها من توفير فرص عمل في بلدان أخرى مما يعني فقدان المملكة فرصتها السانحة لها لمقابلة الطلب المتنامي في المنطقة للمنتجات وفي الوقت ذاته فقدان توفير عشرات آلاف فرص العمل للمواطنين والمواطنات في صناعات شتى.
الحاق 6.7 ملايين سعودي بسوق العمل
ووفقاً للدراسات الحديثة، فإن حوالي 6.7 ملايين شاب سعودي سيلتحقون بسوق العمل في المملكة بحلول العام 2030م، أي بعد 14 عاماً فقط من الآن، نصفهم من المواطنات في حين من المخطط أن تأتي معظم الوظائف المطلوبة من القطاع الخاص، الأمر الذي تطلب مواصلة تطوير الصناعات التحويلية في المملكة لتمثل عنصراً أساسياً لتوفير عدد كبير من فرص العمل المستدامة للجيل القادم من السعوديين.
وهذا دفع خطط التحول العاجل الملهم المرتكز على رؤى اقتصادية صناعية ثاقبة بعيدة النظر مما نتج عنه تأسيس علاقات تكاملية متينة غير مسبوقة بين الصناعات الأساسية والصناعات التحويلية في المملكة اعتماداً على مفهوم دعم سلسلة القيمة المضافة من خلال استغلال وفرة المواد الخام وتصنيعها محلياً وتقليل تصديرها وصولاً للمنتج النهائي للمستهلك في المملكة وتوفير الاكتفاء الذاتي ومنح الفرص للمصانع السعودية لتصدير الفائض للدول والأقاليم المجاورة، متسق التوجه مع التحول 2020 ورؤية 2030.
بناء أكبر 3 مجمعات تحويلية في العالم
ومهدت هذه الرؤية الحكيمة للمسارعة في تشييد وبناء أكبر 3 مجمعات ضخمة في العالم للصناعات البلاستيكية والكيماوية والتحويلية أولها في الجبيل2، مجمع “بلاسكيم”، والثاني مجمع الصناعات التحويلية في رأس الخير، والثالث مجمع رابغ لتقنيات البلاستيك في بترورابغ، فضلاً عن تأسيس اول تحالف ضخم بين شركتي أرامكو وسابك في الصناعات التحويلية بتكلفة 2 مليار ريال في ينبع الصناعية.
في وقت رحبت كافة المصانع البتروكيماوية الضخمة بالمملكة بهذا التوجه الحكومي الطموح نحو الصناعات التحويلية حيث بادرت أغلبها والذين يمثلون قادة الصناعة البتروكيماوية والتكريرية في العالم ومنها شركات سابك وارامكو ومعادن وبترورابغ وصدارة وساتورب والتصنيع وسبكيم وشيفرون والصحراء وغيرها بتكوين بتسخير طاقاتها وتقنياتها واستثماراتها للتغلب على تحديات ومخاطر عدم وفرة اللقيم محلياً والمضي قدماً نحو تعزيز العلاقات بين المنتج الأساسي والتحويلي وتعظيم الفائدة المضافة لموارد المملكة الطبيعية.
مجمع “بلاس كيم” يستقطب 20 مليار ريال
ويبرز مجمع الصناعات التحويلية البلاستيكية والكيماوية “بلاس كيم” بالجبيل2 الذي تشرف برعاية الملك سلمان بتدشينه في قائمة تحول المملكة نحو الصناعات النهائية الاستهلاكية حيث تأكد استقطابه استثمارات رابحة بقيمة 20 مليار ريال وفتح 20 ألف وظيفة لتشكل دعما للاقتصاد الوطني ليكون أكثر تنوعاً، وقوة ومتانة وأعلى نمواً وأكثر قدرةً على تلبية الاحتياجات الوطنية ومواجهة التقلبات الاقتصادية العالمية. ومن المخطط ان يشمل المجمع صناعات قطع غيار السيارات والمواد الطبية والدوائية والإلكترونيات والمنسوجات والأجهزة المنزلية والمكتبية والعديد من المنتجات التي تدخل في الاستخدامات اليومية، واحتياجات البناء والعمران والصناعة.
جذب 300 مصنع
وأبدى الصناعيون المحليون والعالميون تفاءل وثقة كبيرة في نجاح هذا المجمع على مساحة 12 مليون كم2 والمخطط ان يجذب اكثر من 300 مصنع ضمن مراحل المشروع في تنافس لانتزاع مواقع في المجمع الذي يمثل مدينة صناعية ضخمة تحتضن صناعات تحويلية كيماوية وبلاستيكية متوسطة وصغيرة واستهلاكية مدعمة بموقعها المميز المتاخم لشركتي صدارة للكيميائيات، وأرامكو توتال “ساتروب” اللتين بدأتا بتوقير اللقيم والخام، والخدمات اللوجستية والتسهيلات التي تقدمها وتوفرها الهيئة الملكية، في وقت بلغت اجمالي حجم الاستثمارات المحققة في مجمع “بلاس كيم” في 2016 نحو 10 مليارات ريال.
وينعم المجمع بكافة الخدمات الأساسية وشبكة البنية التحتية المتماسكة من تمديدات خام ولقيم وكهرباء ومياه وكافة الخدمات والمنافع اللازمة لإقامة المصانع في ظل تقديم الاستشارات والجدوى الاقتصادية والدراسات الفنية للمصنعين حول المنتجات المراد تصنيعها قبل الشروع في بناء المصانع. وشملت أعمال تهيئة البنية التحتية والتجهيزات الأساسية المتكاملة كافة المرافق منها خدمات الربط المباشر بالميناء وخدمات الجمارك ومنافذ التسويق ومرافق للخدمات الطبية والسكنية والحكومية في موقع واحد، لتشكل منظومة تضم استفادة الصناعات الصغيرة والمتوسطة من موارد الصناعات الأساسية الخام بينما تستفيد الأخيرة من منتجات الأولى النهائية وخدماتها اللوجستية من معدات ومواد
سد الفجوة الاقتصادية
ويأتي أبرز فوائد هذا المجمع مساهمته في خلق المزيد من فرص العمل بنسبة زيادة 6% مقارنة مع الصناعات الأساسية إضافة إلى انخفاض كلفة الاستثمارات مقارنة مع الاستثمارات البتروكيماوية لتساهم في سد الفجوة الاقتصادية بين البتروكيماويات وقطاعات الطلب الأساسية (السيارات، والتعبئة والتغليف، والبناء)، والتطلع بأمل واسعة لتوفير سهولة الوصول إلى الأسواق الأوروبية والآسيوية النهائية.
وسوف تساهم شركة صدارة للكيميائيات، والتي تضم في مجمعها الضخم المجاور لمجمع “بلاس كيم” 26 مصنعاً من اللقيم والخام بطاقة 3 ملايين طن وبحجم استثمار 70 مليار ريال، بفاعلية متناهية في منح القوة التنافسية الهائلة للصناعات التحويلية في المملكة لتحويل المملكة من بلد مستورد للمواد الاستهلاكية إلى مصنع ومصدر لها حيث تستهدف صدارة ضمن أسس تأسيسها وإستراتيجياتها أن تصبح أكبر مركز جذب إستراتيجي للاستثمار الأجنبي المباشر في الصناعات السعودية التحويلية والاقتصاد الوطني بشكل عام وتحقيق رؤية حكومة المملكة لدعم التنويع الصناعي في البلاد من خلال توفير سلسلة من القيمة المضافة من خلال مجمع “بلاسكيم”.
مجمع الصناعات التحويلية في رأس الخير
وفي الجانب الآخر يبرز مجمع الصناعات التحويلية في رأس الخير في عهد الملك سلمان ليستقطب استثمارات تقدر بنحو 50 مليار ريال حيث بدأت العديد من الشركات عالمية الرائدة والمختصة في صناعة قطع الغيار لوسائل النقل تشمل السيارات والطائرات وعربات السكك الحديدية لإقامة مصانع تجذبها منتجات شركة معادن من خام الألمنيوم الذي يشكل نواه أساسية في صناعة وسائل النقل المختلفة، إضافة إلى صناعة المنتجات الاستهلاكية اليومية وأبرزها علب المشروبات والرقائق والأواني، وقطاع التعبئة والتغليف، وصناعة مواد وأدوات البناء وقطاع الكهرباء وغيرها، في ظل وفورات الألمنيوم المصهور بأشكال متعددة توفرها معادن تتضمن سبائك الألمنيوم التي يتم تحويلها في مصنع معادن للدرفلة لصفائح ألمنيوم تستخدم في تصنيع علب المشروبات والأغذية وهياكل السيارات من مجمع معادن للألمنيوم البالغة حجم استثماراته 40.5 مليار ريال.
مجمع رابغ للصناعات التحويلية وتقنيات البلاستيك
وتتواصل مسيرة التحول الصناعي السعودي العملاق في العهد الميمون للملك سلمان بمجمع رابغ للصناعات التحويلية وتقنيات البلاستيك التابع لشركة أرامكو السعودية المحاذي لمجمع بترورابغ للتكرير والبتروكيميائيات 1و2 حيث يضم الأخير سلسة مشاريع تكاملية من اللقيم للمنتج النهائي بحجم استثمارات تقدر بنحو 70 مليار ريال للمرحلتين.
وتضيف المصانع في مجمع رابغ للصناعات التحويلية وتقنيات البلاستيك المتكامل مع بترورابغ قيمة وقاعدة للموارد الهيدروكربونية ويجذب استثمارات تقدر بنحو 20 مليار ريال مبدئياً لإقامة مصانع لتحويل البتروكيميائيات التي تنتجها بترورابغ إلى منتجات، في وقت وصل عدد شركات البلاستيك المحلية والدولية التي وقعت اتفاقيات للعمل في المجمع أكثر من 30 شركة، بدأت أغلبها في عملية الإنتاج، فيما تخضع شركات أخرى لمرحلة التصميم أو الإنشاء. في حين تضم بعض الشركات في المجمع مشروعاً مشتركاً بين مالكين محليين وشركاء دوليين، حيث يرسخ هذا التوجه مكانة بترورابغ ومجمع تقنيات البلاستيك كمؤسستين تسهمان في تحفيز اقتصاد المملكة وإيجاد عشرات آلاف فرص العمل في السوق المحلية.
وسخرت بترورابغ كل ما من شأنه جذب المستثمرين وتقديم أسعار تشجيعية في اتفاقاتها المبرمة مع المصنعين التحويليين من جانب تشجيعها لجذب الاستثمارات في هذا المجمع الذي يعزّز دور القطاع الصناعيّ السعودي في تسويق منتجاتهم محلياً وإقليمياً وحول العالم. في وقت يجسد هذا المجمع خطط حكومة المملكة الصناعية التي تركز على الصناعات التحويلية والصناعات ذات القيمة المضافة حيث يعتبر المجمع مدخلاً للاستثمار الأجنبي في المملكة المتضمن تحقيق الحدَ الأقصى من الكفاءات والاستفادة من اقتصاديات الحجم الكبير عن طريقِ التكامل الرأسي بين عملياتِ توريد المواد الخام من بترورابغ ومختلف مراحل التصنيع، مع التكامل الأفقي للصناعات التحويلية المختلفة.
وتنامى تدفق الاستثمارات في مجمع رابغ للصناعات التحويلية وتقنيات البلاستيك إلى أكثر من 4.5 مليارات ريال من قبل شركات وتحالفات محلية عالمية لإقامة مصانع بلاستيكية تحويليّة في المجمع يقدر إجمالي حجم استثماراتها بأكثر من 20 بليون ريال حيث تواصل شركة بترورابغ عقد اتفاقيات مع مستأجرين.
وشرعت بترورابغ بتوجيه امداداتها للمصانع التحويلية في المجمع وفق اتفاقيات طويلة الأجل مع عملاء متخصّصين في الصناعات البلاستيكية التحويليّة لتزويدهم باللّقيم من مجمعها الضخم بطاقاته الإنتاجية الهائلة التي تبلغ 17.175 مليون طن سنوياً من المشتقات النفطية وتشمل غاز البترول المسال، والنافثا، والبنزين، وقود الطائرات، والديزل، وزيت الوقود، فيما تبلغ الطاقة الإنتاجية للشق البتروكيماوي 2.4 مليون طن متري سنويا تشمل الإيثلين والبروبلين والبولي إثيلين منخفض ومرتفع الكثافة ومونو إثيلين جلايكول والبولي بروبلين وأكسيد البولي بروبلين.
تحالف أرامكو وسابك التاريخي
وفي نفس المنحى تبذل شركتي أرامكو وسابك جهود مضنية في مشروعات مماثلة ذات صلة حيث تعكف الشركتين حالياً على الترتيب لإطلاق أعمال البناء والتشييد لمشروعات الشركة العربية السعودية للاستثمارات الصناعية التي تأسست نتيجة شراكة تجمع صندوق الاستثمارات العامة و”سابك” وأرامكو السعودية، برأس مال ملياري ريال، وتهدف لتطوير عدد من الصناعات الجديدة في المملكة، تشمل صناعة المعدات التي تخدم قطاعات النفط والغاز، والنقل، والطاقة، ومعدات قطاع المياه والكهرباء، وصناعة السفن. في ظل اتاحة الفرصة للشركات الصغيرة والمتوسطة لتلعب دوراً تربط من خلاله بين مختلف المشاركين في هذه المنظومة الاقتصادية المتكاملة.
وتسعى أرامكو وسابك من خلال هذه الشركة إلى استغلال منتجاتهما الأساسية ومنتجات المؤسسات والشركات الاستراتيجية في المملكة لاستثمارها في الصناعات التحويلية والصناعات المساندة على أسس تجارية، والاستثمار في القطاعات الاقتصادية الاستراتيجية لتطوير صناعات تحويلية متعددة في جميع القطاعات الصناعية المعتمدة على البتروكيماويات، والبلاستيك، والأسمدة، والحديد والصلب، والألمنيوم، والصناعات الأساسية الأخرى المحققة للتنوع الاقتصادي.
وضمن مخطط الشركة الاستثماري المقترح إقامة عدد من الصناعات التحويلية المهمة دون منافسة للقطاع الخاص حيث من المتوقع ان ينبثق من الشركة 20 مشروعًا في الخمس سنوات الأولى من التأسيس تقدر تكلفتها الاستثمارية بنحو 7.450 مليارات ريال إضافة إلى ما ستوفره الدولة من بنى تحتية للمشروعات الملاحية كالأرصفة وغيرها بتكلفة تقدر بنحو 5.6 مليار ريال.