أبعاد الخفجى-محليات:
أكد صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن نايف بن عبدالعزيز ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الداخلية -حفظه الله- على أنَّ “حملة وطن بلا مخالف”، جاءت في إطار رغبة مقام خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز -أيده الله- في تسوية أوضاع مخالفي نظام الإقامة والعمل وأمن الحدود ومساعدة من يرغب في إنهاء مخالفته وإعفائه مما يترتب عليه من عقوبات.
ودعا سموه المخالفين إلى أن ينتهزوا هذه الفرصة خلال المهلة الممنوحة لهم التي حددت بـ(90) يوماً، وذلك اعتباراً من يوم الأربعاء الأول من رجب لعام (1438هـ)، الموافق (29) مارس لعام (2017م)، وأن يتعاون الجميع في تحقيق أهداف هذه الحملة، موجهاً سموه الجهات المعنية بتسهيل إجراءات من يبادر بالمغادرة خلال المهلة المحددة وإعفائه مما يترتب عليه من عقوبات.
وتشمل الحملة الوطنية الشاملة مخالفي نظام الإقامة والعمل، وذلك تنفيذاً للأمر الكريم القاضي بالإعفاء من الآثار المترتبة على بصمة “مرحل”، والإعفاء من الرسوم والغرامات المترتبة على المخالفين المغادرين من تلقاء أنفسهم، ويستفيد من الأمر المتأخرين عن المغادرة ممن قدموا للحج أو العمرة أو الزيارة بجميع أنواعها، حيث ستكون مغادرتهم عن طريق المنافذ مباشرة، كما يستفيد من الأمر كلاً من المخالفين الذين لديهم “رقم حدود أو بلاغ هروب أو رقم إقامة أو تأشيرة عمل أو متسلل”.
وتأتي هذه المهلة التي وافق عليها مقام خادم الحرمين الشريفين بمثابة طوق النجاة لأي مخالف على الأراضي السعودية، وهي الفرصة التي قد لا تتكرر أبداً، وذلك للاستفادة من الإعفاء وتفادي الغرامات الكبيرة التي لحقت بالبعض، وربما تلحق بالبقية بعد انقضاء المهلة.
ومن الواضح أن المملكة بدأت بوضع سياستها الجديدة تجاه السوق، وما يشاهده الجميع من انتشار عجيب للعمالة المخالفة يدرك مدى الفوضى التي عمت السوق المحلي، حيث أثرت سلباً في فرص العمل لدى الشباب السعودي، بل وتصاعدت مشكلة العمالة المخالفة وكثُرت في المناطق والمحافظات، حيث سكن العديد من هؤلاء البيوت المهجورة وأنشأوا مصانع الخمور والتزوير، ومارسوا الشعوذة، إلى جانب فتح المحال التجارية، في ظل التستر من قبل بعض المواطنين، وهو ما أضعف فرص العمل بالنسبة للعديد من الشباب السعودي.
أما من الناحية الأمنية، فإنَّ الأجانب يشكلون نسبة كبيرة من الجرائم التي ترتكب في المملكة، إذ أنَّ بعضهم من المتسللين والمتخلفين في البلاد، وممن يقيمون بصورة غير نظامية، كما انَّ بعضهم من العمالة السائبة، وبالتالي فإنَّ الجهات الأمنية نفذت خلال الأعوام الماضية عدة حملات تفتيشية قُبض فيها على الكثير من المخالفين وتم إبعادهم خارج البلاد وتسجيل البعض منهم على قائمة المنع من دخول المملكة، كما تم في الأعوام الماضية تنفيذ عدد من الحملات التصحيحية لأوضاع المخالفين، إلى جانب منحهم الفرصة لمغادرة البلاد، ونستعرض هنا في هذا التقرير جانباً من هذه الحملات:
الحملة الأولى
بدأت المملكة منذ العام (1418هـ) الموافق لعام (1997م) باستشعار أهمية مراقبة المقيم غير الشرعي على أراضيها؛ لما له من مخاطر أمنية واجتماعية واقتصادية، بعد أن أصبحت المملكة محط أنظار العالم كنموذج اقتصادي واجتماعي وأمني، حيث صدر قرار مجلس الوزراء المتضمن تنفيذ حملة وطنية كبرى لمعالجة أوضاع المقيمين بطريقة غير مشروعة، وكذلك مخالفي نظام الإقامة والعمل؛ للحد من مخاطر تلك العمالة صحياً واجتماعياً وأمنياً، وانطلقت الحملة الوطنية عام (1418هـ)، وتمكنت في تلك الفترة من معالجة أوضاع أكثر من أربعة ملايين ونصف المليون وافد.
وحققت هذه الحملة مكاسب مهمة في تصحيح أوضاع الوافدين بالبلاد، وأهمها ما كشفته التقارير عن انخفاض نسبة الجريمة في المملكة في العام (1997م) عن العام (1996م) بنسبة (%20)، حيث عاد السوق إلى وضعه الطبيعي بعد حالة من الفوضى، كما استفاد المواطن من هذه الحملة بالعمل وكسب الرزق، وظل شعار: (معاً.. ضد مخالفي أنظمة الإقامة والعمل) أحد أهم الخطوات التنفيذية التي نفذتها المديرية العامة للجوازات في هذه الحملة.
الحملة الثانية
وفي مطلع العام (2013م) تعقبت الجهات الأمنية في المملكة المخالفين في المحال والطرقات والمؤسسات والشركات، وكانت تستهدف كل مخالف، وسط ترحيب كبير من المواطنين، الذين شجعوا رجال الأمن على هذه الحملات، بعد أن ارتفع معدل الجريمة وكثر التسيب في الساحات والطرقات، وقد نتج عن هذه الحملة ترحيل أكثر من نصف مليون مخالف.
وصدرتْ موافقة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبد العزيز -رحمه الله- على منح مهلة تصحيحية لمخالفي نظامي الإقامة والعمل، مدتها ثلاثة أشهر، ثم أمر -يرحمه الله- بتمديد المهلة ثلاثة أشهر أخرى، حيث دَعَتْ وزارة الداخلية ووزارة العمل جميع المنشآت والأفراد والعمالة الوافدة للإفادة من هذا القرار والمسارعة إلى تصحيح مخالفات نظامي الإقامة والعمل.
ثم بدأت بعد ذلك أكبر حملة تصحيحية تشهدها البلاد، إذ استمرت ستة أشهر، ونتج عنها إصدار (1،367،498) تأشيرة خروج نهائي، فيما تم ترحيل (951,272) مخالفاً، بحسب إحصاءات وزارة الداخلية، إضافة إلى تصحيح وضع ما يقارب خمسة ملايين مخالف، وبعد انتهاء مهلة التصحيح شعر مخالفو نظام الإقامة والعمل بجدية الجهات الأمنية في متابعتهم وتضييق الخناق عليهم، فقاموا بأعمال تخريبية، وواجهوا رجال الأمن، وتهجموا على المارة في الطرقات، مما دعا رجال الأمن إلى استخدام القوة معهم وإجبارهم على تسليم أنفسهم ومطالبة سفارات بلدانهم باستخراج وثائق للسفر، ليتم ترحيل حوالي (80) ألف مخالف.
واستمرت بعد ذلك الحملة الميدانية لتعقب المخالفين حتى يومنا هذا، وقد تم في هذه المرحلة توسيع دائرة المشاركة فيها لتشمل كافة الجهات الحكومية البالغ عددها (١٩) جهة حكومية، حيث أُعطيت للمخالفين مهلة للمغادرة من تلقاء أنفسهم، واستثنائهم من بصمة مرحل التي تحظر عليهم دخول أراضي المملكة مجدداً.
حملة استثنائية
في عام (2015م) صدرت المبادرة الكريمة من لدن خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز -حفظه الله- بتصحيح أوضاع الأشقاء اليمنيين الذين دخلوا البلاد بطريقة غير نظامية، تقديراً منه -أيده الله- لوشائج الأخوة وحسن الجوار وصلة الرحم والقرابة التي تربط الشعبين الشقيقين، وتخفيف الأعباء عنهم، وقد أسهمت الجهات المعنية بشكل كبير في تنفيذ التوجيهات الكريمة، فجهزت كافة إمكاناتها لتصحيح أوضاع الإخوة اليمنيين، إذ تم تصحيح أوضاع (463.562) يمنياً.
تطبيق الأنظمة
وقد أكد د. منصور بن زويد الحويفظ المطيري -عضو هيئة التدريس بقسم الدراسات المدنية في كلية الملك خالد العسكرية- على أنَّ الدولة الحديثة تتميز بتنظيم الحياة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والتعليمية، وغير ذلك من نواحي الحياة، حيث يستلزم التنظيم أمرين، هما: سن الأنظمة وتطبيق الأنظمة وفرضها، بحيث تتولى الجهات التشريعية وضع الأنظمة وتتولى الجهات التنفيذية تنفيذها وفرضها.
وأشار إلى أنَّ سوق العمل يعد أحد مجالات التشريع والتنفيذ؛ لما لهذا القطاع من أثر اقتصادي واجتماعي وسياسي هائل، إذ يتميز سوق العمل في المملكة بأن نسبة كبيرة منه تشغله العمالة الوافدة، ونجد على أرض الواقع أن هذه العمالة نوعان، هما: عمالة نظامية وعمالة غير نظامية، وقد تكفل نظام العمل بفرز النوعين كما في المواد (39،36،33)، فكل عمالة لا يتوافق وضعها مع هذا النظام تعتبر عمالة غير نظامية.
وأضاف: “بعيداً عن البيانات الإحصائية لهذه العمالة غير النظامية فإن الظروف الدولية والداخلية تفرض على حكومة المملكة العربية السعودية الاتجاه إلى ضبط أمور العمالة؛ تجنباً للسلبيات المحتملة لأي تساهل مهما كان بسيطاً”، موضحاً أنَّه من الممكن إيجاز الآثار الإيجابية لضبط ساحة العمل غير النظامية في ما يلي: العامل الاقتصادي، حيث أنَّ هناك تسربات وحوالات نقدية تؤثر سلباً في اقتصاد الدولة.
آثار سلبية
وبين أنَّه كلما قلّت هذه الحوالات إلى الخارج واقتصرت على العمالة الماهرة التي يحتاجها البلد كلما احتفظت المملكة بجزء من ثروتها النقدية في الداخل، كما أن انخفاض العمالة غير النظامية، التي يقدر نسبتها قبل التصحيح الأخير بما يعادل (15%) من نسبة العمالة الموجودة يساهم في انخفاض حجم الإعانة الحكومية للسلع الضرورية، إلى جانب انخفاض سعر إيجار العقار.
ولفت إلى أنَّ ذلك قد يساهم على المدى البعيد -مع وجود حزم أخرى من السياسات- في تقليص حجم البطالة عند السعوديين، كما قد يترتب على مغادرة العمالة غير الماهرة تحسين نوعية العمل وتجويده، حيث تتكفل بذلك العمالة الماهرة المتخصصة النظامية، ولعل البعد الأمني في الموضوع يأتي في قمة الإيجابيات التي يمكن أن تسفر عن تصحيح العمالة غير النظامية، فمن المعلوم أن العمالة بشكل عام والعمالة غير النظامية بشكل خاص يكون لها آثار سلبية تتعلق بالأمن تصدر من بعض العمالة تحت تأثير مؤثرات عدة، لعل أهمها الاغتراب، ونوعية العمالة غير المتعلمة، واختلاف الثقافة، وكذلك الشعور بالحرمان، والضغوط الإقتصادية، إلى جانب الرغبة في جمع ما يمكن جمعه من المال.
وأكد على أنه قد يكون من العوامل أيضاً، سوء استغلال أرباب العمل لهم، وغير ذلك من المؤثرات، التي تدفع البعض باتجاه الجريمة، مضيفاً: “لعل أهم العوامل التي تفرض تصحيح أوضاع العمالة غير النظامية هو البعد المتعلق بالأوضاع الدولية المتوترة من حولنا، ووجود إمكانية لاستغلال هذه العمالة في أعمال تخل بالأمن من قبل بعض الدول وبعض المنظمات المعادية للمملكة، إذ إنَّ تصحيح الأوضاع وترحيل العمالة المخالفة يقضي على مثل هذا الاحتمال المقلق”.