انتهت في منتصف الليلة الماضية الحملة الممهدة للدورة الأولى من الانتخابات الرئاسية الفرنسية التي ستجري غداً الأحد على وقع الاعتداء الإرهابي الذي حصل مساء الخميس الماضي في جادة الشانزيليزيه الباريسية والذي أدى إلى مقتل شرطي وإصابة اثنين آخرين بجروح خطرة وإصابة سائحة أجنبية هي الأخرى بجروح. وكان المعتدي قد نزل من سيارته في هذه الجادة غير بعيد عن قوس النصر وهو يحمل رشاشاً وأطلق النار باتجاه حافلة للشرطة كانت مرابطة أمامه فقتل شرطياً وأصاب اثنين بجروح. ولكن رجال الأمن ردوا عليه فقتلوه.
وأفادت المعلومات التي حصل عليها المحققون في هذا الاعتداء الإرهابي الذي تبناه تنظيم “داعش” أن مرتكبه يُدعى كريم الشرفي وأنه فرنسي الجنسية وكان في التاسعة والثلاثين من العمر. وكان قد أدين من قبل بمحاولة قتل أعوان من الشرطة وحكم عليه بالسجن لمدة خمسة عشر عاماً. وأعيد القبض عليه في شهر فبراير الماضي للتحقيق معه في إمكانية تورطه في الإعداد لعمل إرهابي، لكنه أخلي سبيله لأن المحققين لم يعثروا على حجج دامغة تسمح له آنذاك بإدانته. ولكن إقدام كريم الشرفي على ارتكاب اعتداء باريس الأخير من جهة والعثور من جهة أخرى على أسلحة داخل السيارة التي كان يركبها وفي مقر سكناه ببلدة “شيل” الواقعة في الضاحية الباريسية وتبني الاعتداء من قِبل تنظيم “داعش” من جهة ثالثة عناصر تدل على أن هذا الاعتداء ذو طابع إرهابي بالرغم من أن التحقيق لم يفضِ إلى أدلة تؤكد أن الجاني كان متطرفاً.
وقد أوقفت الشرطة القضائية ثلاثة من المقربين من منفذ الاعتداء للتحقيق معهم ومعرفة ما إذا كان الجاني قد قام بمفرده بالاعتداء الذي ارتكبه في باريس وما إذا كان هناك أشخاص آخرون قد ساعدوه على ارتكاب الاعتداء لاسيما بعد أن تحدث بيان تنظيم “داعش” الذي تبنى العملية عن شخص سماه “يوسف البلجيكي” وقال إنه منفذ العملية. وكانت بعض المصادر الأمنية البلجيكية تعتقد أن يوسف هذا ربما يكون شخصاً بلجيكا يدعي “يوسف العسري” وأعلمت السلطات الأمنية الفرنسية بذلك وقالت إنه ربما دخل إلى الأراضي الفرنسية. ولكنه اتضح أن يوسف العسري كان موجوداً يوم العشرين من الشهر الجاري في مدينة أنفيرس البلجيكية. بل إنه ذهب بنفسه إلى مركز للشرطة ليقول إنه لم يكن في فرنسا وإن لديه أدلة تؤكد ذلك وإنه لا علاقة له من قريب أو بعيد باعتداء باريس.
من يستفيد من المرشحين؟
وقال رئيس الوزراء الفرنسي برنار كازنوف صباح أمس الجمعة عقب انعقاد مجلس دفاعي في قصر الإليزيه أشرف عليه الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند إن السلطات الفرنسية السياسة والأمنية حريصة على أن تجري الانتخابات الرئاسية برغم الخطر الإرهابي للتأكيد على أن الديمقراطية أقوى بكثير من تهديدات التنظيمات الإرهابية. ودعا كازنوف المرشحين للالتزام بالهدوء والانضباط وعدم المزايدة على الظروف الدقيقة التي تمر بها البلاد والتي تحتم وقوف الفرنسيين صفاً واحداً وذكّر بأن الدولة الفرنسية عمدت إلى تعبئة 50 ألف من رجال الأمن والدرك والجيش للمساعدة على الحفاظ على الأمن خلال الانتخابات الرئاسية الفرنسية.
وقرر عدد من المرشحين الأحد عشر العدول عن التنقلات التي كانت مبرمجة في أجندة الأمس المتعلقة بالحملة الانتخابية أي آخر يوم من أيام الحملة الممهدة للدورة الأولى. وبين الذين عدلوا عن التنقل فرانسوا فيون أهم مرشحي اليمين ووسط اليمين ومارين لوبين مرشحة اليمين المتطرف. وقد قال الأول يوم أمس إنه سيكون صارماً في حال انتخابه إزاء ما وصفه بـ«التطرف الإسلامي”. أما مارين لوبين، فإنها أعادت من جديد تكرار إجراءات كانت قد ركزت عليها طوال حملتها الانتخابية وترى أنها ضرورية في هذا الصدد ومنها إغلاق الحدود وطرد أي شخص أجنبي يشكل خطراً على البلاد وحملت بقوة على الحكومات اليمينية واليسارية التي تعاقبت على السلطة طوال العقد الماضي ورأت أنها كانت تتساهل مع المجرمين والمتطرفين.
ويرى عدد من المحللين السياسيين أن اعتداء باريس لن يؤثر في طريقة أداء الناخبين مع هذا المرشح أو ذاك لأن الفرنسيين يدركون اليوم أن الإرهاب ظاهرة عالمية. ولكن محللين آخرين يرون على عكس ذلك أن مارين لوبين مرشحة اليمين المتطرف وفرانسوا فيون مرشح اليمين ووسط اليمين سيستفيدان أكثر من المرشحين الآخرين من اعتداء باريس ومن عملية إيقاف فرنسيين اثنين آخرين قبل أيام لأنهما كانا يُعدان لارتكاب اعتداءات إرهابية ضد مرشحين للانتخابات الرئاسية منهم لوبين وفيون.