صرَّح رئيس أرامكو السعودية وكبير إدارييها التنفيذيين، م. أمين الناصر، بأنه على قطاع النفط والغاز التعامل مع عدة اعتبارات استراتيجية بعيدة المدى نظرًا لكونه سيظل مصدرًا رئيسًا للطاقة على المستوى العالمي.
وفي كلمته أمس أمام مؤتمر البترول العالمي 2017م في مدينة إسطنبول التركية، بحضور حشد من القادة والوزراء والمسؤولين التنفيذيين في صناعة النفط، طرح الناصر مرئياته وآراءه حول مستقبل الطاقة، مسلطًا الضوء على آليات التحول التي تتبعها أرامكو السعودية كنموذجٍ مميز لمواكبة المتغيرات الاقتصادية والمتطلبات الصناعية الجديدة.
وتطرّق الناصر إلى الدروس المستفادة من الفترات السابقة التي شهدت ارتفاعًا في مقدار الطلب على أنواع الوقود التقليدي، حيث توقع أن يتضاعف الاقتصاد العالمي خلال السنوات الخمس والعشرين القادمة، لتتسع بذلك قاعدة مستهلكي الطاقة لتضم بليوني مستهلك إضافي، وهو ما سيؤدي لاحقًا إلى نشوء مرحلة تحول في منظومة الطاقة قد تطول مدتها، إذ لا تستطيع مصادر الطاقة البديلة وحدها، مثل مصادر الطاقة المتجددة، تلبية الطلب المستقبلي المتوقع.
وأضاف الناصر قائلًا: “يبدو أن هناك تصورًا خاطئًا يزداد انتشاره مفاده أنه بمقدور العالم التخلي مبكرًا عن مصادر الطاقة التقليدية مثل النفط والغاز استنادًا على افتراضٍ غير واقعي بأن مصادر الطاقة البديلة يمكنها أن تحل سريعًا محل النفط والغاز. وإذا نظرنا إلى الوضع العالمي منذ هبوط أسعار النفط خلال السنوات الثلاث الأخيرة فقد تم التخلي فعليًا عن ضخ استثمارات تبلغ قيمتها نحو تريليون دولار أمريكي، وتزامن ذلك مع تزايد الطلب على النفط من جهة والتراجع الطبيعي في حقول النفط المنتجة من جهة أخرى. وتشير التقديرات إلى حاجتنا لحوالي 20 مليون برميل إضافي في اليوم خلال السنوات الخمس المقبلة لمواجهة نمو الطلب وتراجع الحقول”.
وأوضح الناصر أن حجم النفط الخام التقليدي المكتشف حول العالم قد تقلَّص إلى النصف خلال السنوات الأربع الماضية مقارنة بالسنوات الأربع السابقة لها نتيجة لنقص حجم الاستثمارات.
وأشار الناصر إلى أن العالم بدأ يشهد مرحلة تحول في منظومة الطاقة ستستمر لعدة عقود قادمة، وحدَّد الناصر ثلاثة مجالات من شأنها أن تبني المرونة والانضباط اللازمين لنجاح مرحلة التحول، يتمثل أول هذه المجالات في التحقق من توفر الإمدادات الكافية من جميع مصادر الطاقة، وفي هذا الصدد قال الناصر: “تخطط أرامكو السعودية لاستثمار أكثر من 300 بليون دولار أمريكي خلال السنوات العشر القادمة، وستعزز هذه الاستثمارات مكانتها الرائدة في مجال النفط، والمحافظة على طاقتها الإنتاجية الاحتياطية من النفط الخام، ومباشرة برنامج ضخم للتنقيب والإنتاج يركز على موارد الغاز التقليدية وغير التقليدية”.
ويتمثل المجال الثاني في التركيز على هيكل تكلفة تنافسي يرتكز على درجة أعلى في تكامل مجموعة الأعمال بين التنقيب والإنتاج والتكرير والكيميائيات.
أما المجال الثالث فهو العمل على استخدام النفط والغاز بأساليب فائقة النقاء للحد من الانبعاثات بشكل كبير، وفي هذا الصدد قال الناصر: “نهدف إلى مضاعفة إنتاج الغاز الطبيعي إلى 23 بليون قدم مكعبة قياسية في اليوم خلال السنوات العشر القادمة، بما يعني زيادة حصة استخدام الغاز في قطاع المنافع بالمملكة إلى قرابة 70 بالمئة وهي النسبة الأعلى على مستوى الدول الأعضاء في مجموعة العشرين. وليس ذلك فحسب، بل تعاونت الشركة مع العديد من شركات النفط والغاز لتطوير تقنيات تساعد على خفض الانبعاثات. وتجدر الإشارة هنا إلى “مبادرة شركات النفط والغاز بشأن المناخ” التي تضخ استثمارات بقيمة بليون دولار أمريكي لتطوير هذه الحلول وطرحها للاستخدام التجاري في الأسواق، ومن أجل ذلك تولي الشركة أولوية كبرى إلى التحويل المباشر للنفط الخام إلى بتروكيميائيات وهو ما يمثل ركيزة أساسية ضمن خطة الشركة الاستراتيجية بعيدة المدى”.
وعلى صعيد الاستثمار في مجال الطاقة الشمسية، أطلقت الشركة برنامجًا يتكون من عدة مراحل للإسهام في توليد 9.5 غيغاواط من مصادر الطاقة المتجددة بحلول عام 2023.
واختتم الناصر كلمته قائلًا: “إن صناعة النفط والغاز هي صناعة عريقة وعملاقة لها إسهامات اقتصادية هائلة في عالمنا المعاصر، ولكن عليها أن تستعد بإستراتيجية للمستقبل حتى يتسنى لها مواصلة النجاح في مرحلة تحول منظومة الطاقة، مؤكدًا أن على رواد صناعة النفط وصانعي السياسات تطوير نموذج ملائم ومقنع لجذب المستوى المرجو من الاستثمارات، مع تعزيز دور النفط والغاز ليس فقط كمصدرين موثوقين، بل أيضًا كمصدرين نظيفين وبأسعار في المتناول وبما لا يؤثر على توازن الأسواق وأمن الطاقة العالمي.