أوصى إمام وخطيب المسجد الحرام معالي الشيخ الدكتور صالح بن عبدالله بن حميد المسلمين بتقوى الله وإصلاح العمل -فمظلم القلب من عرف ربه فعصاه-, وقال في مستهل خطبته : الدنيا مرآة الأخرة وضرتها ، فكل ما في الدنيا من سعادة ولذة ونعيم يذكر بنعيم الجنة ، ،وما في الدنيا من ألم وشقاء وبؤس يذكر بعذاب النار.
وأردف معاليه : ولقد جعل الله في هذه الدار أشياء كثيرة تذكر بدار الغيب المؤجلة الباقية ، من أزمنة وأمكنة وأحوال ، ففي بعض الأماكن والديار من لذيذ المطاعم والمشارب وجمال المناظر ما يذكر بنعيم الأخرة. كما أن في ما يحدث من الحوادث والتغيرات ما يذكر بذلك كله من الصواعق والرياح والزلازل والفيضانات والأعاصير .
وأضاف معاليه قائلا : ” النعيم والراحة يدل على كرم الخالق ولطفه ورحمته وفضله وإحسانه ، أما النقم والشدائد فتدل على شدة بطشه وقهره وانتقامه.
وأشار معاليه أنّ النبي الكريم صلى الله عليه وسلم أخبرنا أن النار اشتكت إلى ربها فقالت : يارب أكل بعضي بعضا ، فأذن لها بنَفَسين : نفسٍ في الشتاء ، ونفس في الصيف فهو أشد ما تجدون من الحر ، وأشد ما تجدون من الزمهرير ” متفق عليه ، واللفظ لمسلم .
مستطرداً معاليه : ويقول الحسن رحمه الله : ” كانوا يتفكرون في تقلبات الزمان ويعتبرون باختلافات الدهر فُيحْدِث لهم ذلك عبادة وتقربا ، فلا يرون شيئا من الدنيا إلا وتذكروا به ما وعد الله من جنة للأخرة “
وينوّه بن حميد : وأنتم تعيشون هذه الأيام أيام الصيف وتتقونه بما تتقونه ، تذكروا ، واتعظوا ، وبالعمل الصالح بادروا ، يقول أبو الدرداء رضي الله عنه : ” صوموا يوما شديداً حره لحر يوم النشور ، وصلوا ركعتين في ظلمة الليل لظلمة القبور ” .
ويضيف معاليه ” ومن عجائب فهمهم في صيام يوم الحر قولهم : ” إن السعر إذا رخص اشتراه كل أحد ” يريدون أن الصيام في الأيام المعتدلة والباردة ميسور لكل أحد ، أما صيام يوم الحر فيحتاج إلى معاناة ومصابرة.
ويذكّر معاليه قائلاً “والله لا يتعبد بالمشاق ، ولكنه إذا كانت المشقة في طريق العبادة فإنه يثاب عليها ، والأجر على قدر النصب.
ويشير معاليه قائلاً ” إذا اشتد الحر فاسأل الله أن يقيك حر جهنم . وتذكر السبعة الذين يظلهم الله في ظله فلعلك أن تعمل بعملهم لتنعم بنعيمهم ، والمرء في ظل صدقته يوم القيامة . وإذا تخففت من ملابسك من شدة الحر فتذكر الذين قطعت لهم ثياب من نار يصب من فوق رؤوسهم الحميم يصهر به ما في بطونهم والجلود .
ويضيف معاليه ” كم هم الموقفون الذين يجعلون من هذه الأجواء الحارة بابا عظيما واسعا للمعروف والإحسان . والصيف ولهيبه يذكرهم بإخوان لهم فقراء متعففين أو مهجرين ومشردين أو لاجئين منكوبين فرقتهم الحروب وأنهكتهم النزاعات محتاجون لمد يد العون والمساعدة في هذه الأجواء الحارة والحارقة ، ومن كثرة ذنوبه فعليه بسقي الماء ، والله كتب الإحسان على كل شيء . فتأمل واشكر واحذر السرف ، والزم الاقتصاد في الاستهلاك ليصل الخير إلى الجميع . ومما ينبغي مراعاته حفظ الظل وأماكن الاستظلال للناس في المرافق العامة ، فيحرم إفسادها بتقذيرها ، وتنجيسها ، وإلقاء القمامة والقاذورات فيها ، وفي الحديث : ” اتقوا اللعانين قالوا : وما اللعانان يارسول الله ؟ قال : الذي يتخلى في طريق الناس أو في ظلهم ” رواه مسلم .
ويحذّر بن حميد المصلين : “ينهى عنه سب الحر ، أو التلفظ بالكلمات المسيئة على وجه التذمر والتسخط وعدم الرضا ، فالحر خلق من خلق الله ، فهو داخل في سب الدهر الذي نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم بقوله : قال الله :” يسب بنو آدم الدهر وأنا الدهر ، بيدي الليل والنهار ” متفق عليه . فالحر وشدته ، والزمهرير وقوته ، كلها بيد الله يصرفها ويقلبها كيف يشاء .
ويؤكّد لقرب شعيرة الحج : أن من ثوابت هذه الدولة المباركة منذ أن استرعاها الله على الحرمين الشريفين – خدمة ، وعناية ، ورعاية ، وتشريفا ، وتكريما ، وتكليفا – إبعادَ الحج عن أي تشويش على مظهر هذه الوحدة الإسلامية التي تعيشونها . ومن ثوابتها أنها لا تمنع أحدا قصد هذا البيت مهما كان موقفه السياسي ، أو توجهه المذهبي . ولقد علم حجاج بيت الله وزوار مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم موقف المملكة الحازم في المنع الصارم من أن يحول الحج إلى منابر سياسية تتصارع فيها الأفكار ، والأحزاب ، والطوائف ، والمذاهب ، وأنظمة الحكم . ومن ثوابت هذه الدولة وسياستها ان الحج والديار المقدسة ليست ميدانا للعصبيات المذهبية ، فلا دعوة إلا لله وحده ، ولا شعار الا شعار التوحيد ( لبيك اللهم لبيك ) . السعودية لا تسمح باستغلال الدين ، ومواسم العبادة ، وتجمعات المسلمين في المشاعر المقدسة لأغراض مسيسه.
ويشيد بدور المملكة العربية السعودية قائلاً : المملكة هي المؤتمنة بفضل الله على ضيوف الرحمن ، وخدمتهم ، ورعايتهم . أمن البلاد وأمن المقدسات لا يسمح بأي عمل أو تصرف يعكر هذه الأجواء الإيمانية ، أو يضر بالمصالح الخاصة ، أو يمس احترام مشاعر المسلمين .
ويختتم معاليه خطبة بالثناء وتقدير الجهود التي يبذلها خادم الحرمين الشريفين وولي عهد, بقوله :
إن خادم الحرمين الشريفين ، وولي عهده ، وحكومته ، ورجال دولته ، وشعبه ، يبذلون الغالي والنفيس في خدمة الحرمين الشريفين وخدمة قاصديهما حجاجا ، وعماراً ، وزواراً ، قربة إلى الله وشعورا بالمسؤولية ، برهان ذلك ما تقر به عين كل مسلم من الأعمال ، والخدمات ، والإنجازات ، والتسهيلات منذ دخول الحجاج والمعتمرين مداخل البلاد ومنافذها الجوية ، والبرية ، والبحرية ، مما يراه ويشاهده ضيوف الرحمن ، وكل قاصد لهذه الديار المقدسة ولسوف يرون المزيد والمزيد إن شاء الله . ومن ثوابت هذه الدولة ومما تتقرب به إلى الله ، تسخير إمكاناتها المادية ، والبشرية ، ورسم الخطط ، والبرامج لإعمار الحرمين الشريفين وخدمتهما ، وخدمة قاصديهما.