أكد إمام وخطيب المسجد الحرام فضيلة الشيخ صالح آل طالب من أن قضية فلسطين ليست قضية شعب أو عرق، أو حزب أو منظمة، إنها قضية كل المسلمين. ولقد كانت دوماً تستجيش ولاءات المسلمين لبعضهم، تجمع كلمتهم وتوحد صفهم وهي عنوان تلاحمهم وترابطهم ومحل اتفاقهم. ولا يجوز أن تكون مثاراً لتبادل الاتهامات وتكريس الخلافات، ولا أن تستغل لإسقاطات وتصفية حسابات. والعدل يقتضي أن نقول إن الفلسطينيين عموماً والمقادسة خصوصاً قد ضحوا تضحية عزّ نظيرها. فقد عاشوا أطول احتلال في هذا العصر، وهم متمسكون بأرضهم متشبثون بها، مرابطون على الأكناف بلا أسلحةٍ إلا الحجارةَ والهُتَاف، منذ أكثرَ مِن سبعين عاماً وقُرَاهُم تتعرض لمجازرَ ومذابح وذلك لإرهابهم وتهجيرهم، فما زادتهم الأحداث إلا ثباتا، وجربوا قهر الرجال في سلب الأرض ومضضَ التهجير. ومضت أجيال منهم وقضوا وهم لم يعرفوا من رفاهية الحضارة شيئاً، ولدوا في خوف وعاشوا في خوف وماتوا عليه، تكالبت قوى العالم عليهم وهم صامدون، عاشوا في المخيمات في حين أن الرفاه مِن حولهم.
وقال في خطبة الجمعة يوم أمس من المسجد الحرام إن المسجد الأقصى والأرض المقدسة وفلسطين وبيت المقدس، أرض النبوات ومسرى الرسول، وإرثُ الأمةِ الخاتِمة الذي يسكن قلبَ كلِ مسلم. بقاعٌ باركها الله وبارك ما حولها، أكثرُ أرضٍ في هذه الدنيا خطى فيها الأنبياء، مازجت نسماتُها أنفاسَهم، وأصاخت أفياؤها لتراتيلهم ومناجاتهم وتبلل ثراها بدمعاتهم ودمائهم.
وأكد الشيخ آل طالب أن الخطوة التي تم اتخاذها مؤخراً لتكريس احتلال القدس، خطوة لن تنتج إلا مزيداً من الكراهية والعنف، وستستنزف كثيراً من الجهود والأموال والأرواح بلا طائل، ومضادة للقرارات الدولية وهو قرار يثير المسلمين في كل مكان ويسلب الآمال في التوصل إلى حلول عادلة كما أنه انحياز كبير ضد حقوق الشعب الفلسطيني التاريخية. وسيزيد المسلمين والعرب إصراراً على التحرير، خصوصاً وأن المقدسيين ومَن وراءهم من المسلمين مصدقين بوعود الله التي تحقق أكثرها. وما ملّوا ولن يملوا.
القدس مفتاح السلام، ومن الذي يكره السلام ولا يريد السلام، بل من الذي اعترض في الماضي أن يعيش اليهود والنصارى مع المسلمين في أرض الشام وفلسطين ومارسوا عباداتهم وبقيت كنائسهم ومعابدهم، واختلطوا فيها بالمسلمين وتبادلوا المصالح والمنافع بل وتصاهروا كما كان التاريخ القريب والبعيد، من الذي يكره السلام ولا يريد السلام وقد قدم العرب مبادراتهم في ذلك وما زالوا، ولكن أن تغتصب أرض وتهجر أسر وينفى شعب ويزور تاريخ ويعبث بمقدسات وتغير معالم. ويقع ظلم شديد بشعب مازال يسقى المر منذ سبعين عاما، فإن ذلك كله عبث ببرميل بارود لا يُدرى متى يبلغ مداه.
إن الذي يمارَس اليوم هو إحداثُ صراعِ ثقافةٍ وحضارةٍ ودين، وتصرفٌ يوقع العالم في حرج وخطر، وينذر بشر لا يعلم مداه إلا الله، وعلى المخلصين من أمة الإسلام وعلى العقلاء من قادة العالم أن يتداركوا ما يجري من مسلسل التجاوزات والاعتداءات على الأرض والإنسان، وممتلكاته التراثية والدينية، والمعالم الإسلامية، والحفريات الأرضية التي تنخر أساس مسجد عظمه الأنبياء، وقدسه رب السماء.
وخاطب فضيلته الشعب الفلسطيني فقال يا أيها الفلسطينيون الكرام، لئن كان صبركم على الاحتلال وعلى عدوكم مضرب مثلٍ فإن صبركم على إخوانكم أولى، فإن قضيتكم هي قضية العرب والمسلمين وقد بذلوا منذ عقود وما زالوا يبذلون، سواء كان حرباً أو سلماً معونة أو مواقف سياسية. ولعدوكم مصلحة في فك ارتباطكم بعمقكم العربي والإسلامي. يباعد بين أجزاء الإسلام لئلا تلتئم، ويقطع أوصال العروبة كيلا تلتحم، والإشاعةُ سلاحٌ للعدو مجرب، فاستعجال بعضكم باتهامات أو سوء ظن، يعود على قضيتكم وقضيتنا بالفشل والتأخر. وإن بعض الأصوات الشاذة غيرِ المتعقلة لَتُفرِحُ العدو وتوهن الصلة وتضعف التعاطف، ولستم في حاجة لمزيد من العداوات.
وقد أكدت المملكة مراراً دعمها المستمر لقضية القدس وأن مواقفها ثابتة على مر العصور، وأنها تسعى بكل جهد من أجل حصول الشعب الفلسطيني على كامل حقوقه التاريخية، والمملكة دعمت ولازالت تدعم القضية الفلسطينية وتقف إلى جانب الشعب الفلسطيني دائماً، وتعمل لنصرة قضية القدس التي آمنت بها باعتبارها قضية المسلمين الأولى في جميع المحافل الدولية. والواجب على الإعلام العربي أن يقوم بدوره في إبراز هذه القضية فهي قضية العرب الأولى، وعلى أهل العلم والثقافة والفكر أن يعنوا بما يحفظ للأمة بقاءها وتراثها وحياتها، الواجب المتحتم في زمن الجد والصراع، هو اليقظة والاجتماع، والعمل الجاد والائتلاف، وترك الخلاف.لا يليق بأمة الإسلام أن تغرق في خلافات جانبية ونظرات إقليمية أو أنانية، يجب أن تقدم مصالح الأمة الكبرى على كل مصلحة فرعية، وأن تسمع نداءات الحق والعدل ومبادرات الحزم والعقل بأن تطرح الخلافات وتتوحد الأمة في وجه الأزمات.