في يناير الماضي تم تعديل أسعار البنزين بالمملكة ليصبح سعر لتر بنزين 91 أوكتان 1.37 ريال بدلاً من 0.75 ريال وارتفع سعر بنزين 95 أوكتان من 0.9 ريال إلى 2.04 ريال للتر. وهو ارتفاع مؤثر ولكنه لايزال أقل من الأسعار العالمية وهذا يعنى أن الدولة مستمرة في دعم سعر البنزين وخاصة نوع 91 أوكتان. ويعتبر سعر بنزين 95 قريباً نوعاً ما من الأسعار العالمية. وعلى سبيل المثال، وصل سعر بنزين 95 في دولة الإمارات إلى 2.22 ريال للتر وأما سعر لتر بنزين 91 بالإمارات فهو عند حوالي 2.14 ريال وهذا يعنى أن بنزين 91 لايزال مدعوماً بالمملكة بحوالي 0.8 ريال للتر.
ترتبط أسعار البنزين العالمية بأسعار النفط الخام ولكن العلاقة معقدة بسبب دخول عوامل أخرى في معادلة تسعير البنزين مثل كلفة التكرير والتوزيع والضرائب الحكومية. وعلى سبيل المثال وصل متوسط سعر لتر البنزين في أميركا في فبراير 2016م إلى 1.9 ريال وكانت أسعار النفط الأميركي عندئذ 30 دولارا للبرميل. وفي فبراير 2018م ارتفعت أسعار النفط الأميركي إلى 62 دولارا، وارتفع معها متوسط أسعار البنزين بأميركا إلى 2.7 ريال للتر.
ولكن هل يتأثر استهلاك البنزين بتغير أسعاره؟ وما أثر تعديل أسعار البنزين بالمملكة على الاستهلاك المحلي؟ لاشك أن تغير استهلاك البنزين في شهر يناير 2018م سيظهر بعض الآثار الأولية لتعديل الأسعار؛ لأنه الشهر الأول لتطبيق الأسعار الجديدة والتي تعتبر الأعلى بتاريخ المملكة.
ويقدر متوسط استهلاك المملكة خلال العام 2017م بحوالي 600 ألف برميل باليوم وهو استهلاك كبير يضع المملكة بالمرتبة الثامنة عالمياً، ويرجع أحد أهم أسباب ارتفاع الاستهلاك المحلي للبنزين إلى شبه غياب لدور المواصلات العامة متزامنا مع ارتفاع كبير لعدد السكان، وباختصار فلقد ارتفع استهلاك المملكة للبنزين بين يناير 2012م ويناير2017م بحوالي 100 ألف برميل باليوم وبالمقابل ارتفع عدد سكان المملكة خلال فترة الخمس سنوات هذه بحوالي 4 ملايين نسمة.
وأما تأثير رفع الأسعار على الاستهلاك فربما توقع معظم المراقبين انخفاض الاستهلاك وفعلا وبحسب تقرير أوبك الأخير فلقد انخفض استهلاك المملكة للبنزين في يناير 2018م إلى 517 ألف برميل باليوم وهذا يعكس وبشكل واضح أثر تعديل الأسعار الأخير على الاستهلاك، نعم لقد انخفض الاستهلاك بحوالي 43 ألف برميل مقارنة بشهر يناير2017م وبحوالي 83 ألف برميل مقارنة بيناير 2016م. وهذه نتيجة رائعة خاصة مع تعويض المواطنين عن ارتفاع الأسعار، الحقيقة أن الارتفاع الكبير باستهلاك البنزين استنزف الكثير من الدعم وعلى سبيل المثال يستورد حوالي 180 ألف برميل بنزين باليوم بالأسعار العالمية لأن إنتاج المصافي المحلية لم يعد يلبي كامل احتياجات الطلب المحلي على البنزين.
والجدير بالذكر أنه في شهر يناير 2016 تم تعديل سعر البنزين من 0.45 إلى 0.75 ريال للتر بنزين 91 ومن 0.6 إلى 0.9 للتر بنزين 95. وكان معدل استهلاك المملكة في 2015م قد وصل إلى 566 ألف برميل باليوم وارتفع في 2016م إلى 570 ألف برميل باليوم رغم ارتفاع الأسعار واستمر بالارتفاع في 2017م ليسجل قمة تاريخية عند 600 ألف برميل باليوم.
وهذا يدل على أن الاستهلاك قد لا يكون مرتبطاً بالضرورة بالأسعار بسبب الحاجة الماسة للبنزين بالمواصلات خاصة بوجود السيارة كوسيلة شبه وحيدة للتنقل داخل وخارج المدن السعودية، ولذلك فإن دور رفع الأسعار بخفض الاستهلاك سيكون محدودا مقابل الدور الأكبر والأهم لفتح منظومة متكاملة للمواصلات الجماعية كتلك الموجودة باليابان ودول غرب أوروبا.
وهذا سيظهر بوضوح بتغير متوسط استهلاك البنزين خلال العام 2018م مقارنة بالعام 2017.
*مركز التميز البحثي للتكرير والبتروكيماويات
جامعة الملك فهد للبترول والمعادن