أحدث القرار الذي اتخذته وزارة التعليم العام الدراسي الماضي لإلغاء الحوافز عن معلمي الصفوف الأولية إرباكاً واضحاً في مدارسنا في المملكة مع مطلع العام الدراسي الحالي، حيث وجد قادة المدارس صعوبة في إقناع شريحة من المعلمين الذين كانوا يدرسون تلك الصفوف لتدريسهم هذا العام، كون تلك الصفوف ولاسيما الصف الأول -بحسب المعلمين- تحتاج إلى جهد مضاعف طوال العام، وبرروا رفضهم أن الوزارة ساوت بين المجتهد وغير المجتهد من المعلمين، كما أنها ساوت بينهم وبين معلمي الصفوف العليا الذين لا يبذلون الجهد ذاته، وذلك كله أوقع قادة المدارس في إشكالات وصدامات مع المعلمين الذين رضخ بعضهم، وهو ما حذّر معه أكاديميون من أن ينعكس ذلك على الطلاب والطالبات، داعين الوزارة إلى أهمية تحفيز المتميز من معلمي الصفوف الأولية سواءً أكان مادياً أو معنوياً.

دراسات ميدانية

ودعا د.عبدالحميد النعيم -عميد كلية التربية في جامعة الملك فيصل سابقاً- إلى منح الحوافز سواءً أكانت مادية أو معنوية للمستحقين فقط من معلمي الصفوف الأولية، وبالتالي لا بد من قيام الهيئة الوطنية لتقييم التعليم بعمل دراسات ميدانية وبتقييم شامل لمخرجات التعليم في هذه الصفوف الأولية، ويكون هذا التقييم من جهات داخلية بالوزارة أو خارجية مستقلة، ومتخصصة في هذا المجال، وبالتالي يُبنى عليها اقتراح حوافز مادية -مبالغ مادية- أو معنوية كإجازة مبكرة مثلاً، وأيضاً يُبنى عليها من يستحق الاستمرار في التدريس في الصفوف الأولية، مُشدداً على أهمية توفر الشعور الوطني لمعلمي الصفوف الأولية، وأن الدولة أنفقت الكثير والكثير من أجلك فليس من حسن رد الجميل أن أرفض العمل في هذا المجال من أجل توقف العمل بحافز مادي أو معنوي، فهناك من يضحي بحياته من أجل الوطن، وهنا يظهر لنا الصفات الأساسية للمعلم وهو الإخلاص والإحساس بالمسؤولية.

تشجيع وتحفيز

وشدّد د.فؤاد المظفر -رئيس قسم المناهج وطرق التدريس في كلية التربية بجامعة الملك فيصل- على أهمية مرحلة الصفوف الأولية، وأنها تؤثّر في مستوى التحصيل الدراسي للطالب في جميع مراحله الدراسية اللاحقة، مؤكداً على أن هذه المرحلة ليست معنية بتحصيل تلاميذها للمعلومات فقط، بل هي معنية أيضاً بغرس قيم وتشكيل عادات واتجاهات تساعد تلاميذ هذه المرحلة على نمو شخصياتهم في جميع جوانبها الجسمية والانفعالية والعقلية، مؤيداً تشجيع وتحفيز المعلمين المتميزين على تولي تدريس مرحلة الصفوف الأولية، سواءً أكانت الحوافز مالية أو معنوية أو بهما معاً، فعندما نتحدث عن تطوير التعليم، فإن المعلم بجوانبه المختلفة ومنها الوظيفية يأتي في سلم أولويات هذا التطوير، معرباً عن دهشته واستغرابه من نظام تعليمي تنفق فيه المليارات على المنشآت التعليمية، ومثل ذلك على المناهج والوسائل التعليمية، فإذا ما طرح موضوع المُعلم الذي بدونه أو بضعف تأهيله تتعطل عجلة التنمية في البلد نجد التلكؤ، والتأخر في منحه ما يعزز من اتجاهه المهني.

مُربي ومُهذب

ووصف يوسف الحمدان -قائد مدرسة ابتدائية- حوافز الصف الأول والتي كانت متمثلة في منحهم إجازة أسبوعين يتمتعون بها قبل بقية المعلمين بأنها أقل تقدير يمكن أن تقدمه الوزارة لهذه الفئة المهمة من المعلمين، مضيفاً أن معلم الصف الأول يختلف عن جميع مراحل المرحلة الابتدائية، مُرجعاً ذلك إلى كونه ملازماً وملتصقاً بالطالب منذ لحظه دخوله للمدرسة حتى خروجه منها في كل ما يتعلق بأموره صغيرها وكبيرها، فهو في حقيقته ليس معلماً وحسب وإنما مُربٍ ومُهذب لسلوكيات أبنائه الطلاب، ولم يخفِ الحمدان وجود عزوف عن تدريس الصف الأول كون الكثير لا يتحمل العبء الكبير، وبالتالي فإن إلغاء تلك الحوافز فيه ضرر كبير على الطالب والمدرسة والمعلم معاً، بل وحتى قائد المدرسة متضرر؛ لأنه سيواجه صعوبة في عملية إقناع المعلمين لتدريس هذا الصف، لافتاً إلى أن قائد المدرسة عندما يعمل في جو الكل راضٍ ومرتاح ويحب ما يعمل يختلف حينما تكون الصورة مغايرة، ففي هذه الحالة تبرز مشاكل تؤثّر على الطلاب، مُشدداً على أهمية إعادة النظر في موضوع إلغاء الحوافز وأهمية عودتها.

أعباء ثقيلة

وقال فواز الحربي -قائد مدرسة ابتدائية-: إن الأعباء التي يتحملها معلمو الصفوف الأولية كبيرة وثقيلة ولا يعلم بها إلاّ من يقوم بها والذين معهم في الميدان التربوي؛ لأنهم يلاحظون تلك الأعباء على أرض الواقع، مضيفاً أن معلمي الصفوف الأولية عليهم مهام التأسيس والتربية والتعليم، إضافةً إلى أنهم يقومون بدور الأسرة طيلة اليوم الدراسي، وذلك لكون الطلاب صغاراً وغير متعودين على كثير من السلوكيات والأعمال والعادات، وكل هذه يقوم بها المعلمون ولا يتذمرون بل تجدهم يؤدون عملهم بكل اقتدار وتفانٍ، مُعرباً ومعه عدد كبير من قادة المدارس عن أسفهم من عدم تمتع معلمي الصفوف الأولية بالحوافز.

صنّاع المستقبل

واستغرب عدد من قادة المدارس من أن الحوافز مُنحت العام الماضي للمعلم المنتدب ومشرفي الأمن والسلامة، مشددين على أنه كان من الأجدى والأحق أن تمنح لصناع المستقبل وواضعي اللبنات الأولى والأساسية في بداية عمر فلذات الأكباد الصغار، لافتين إلى أن خطوة الوزارة غير الموفقة أثرت سلبياً على معلمي الصفوف الأولية، وأحدثت لديهم ردود فعل عكسية سواءً أكانت نفسية أو اجتماعية، أو حتى من ناحية مهنية لأنهم يبذلون الجهد والطاقة.

ولم يخفَ قادة المدارس حجم المعاناة التي واجهوها مع مطلع العام الحالي خلال توزيع الحصص، حيث واجهوا صعوبات في إيجاد من يدرس تلك الصفوف جراء عزوف المعلمين؛ لأنهم كانوا يبذلون ويتعبون طوال ثمانية أشهر ليقابل كل ذلك الجهد والعطاء والتفاني بإلغاء الحوافز رغم تواضعها، الأمر الذي أوقع الكثير في محاولات وشد وجذب وحرج ومحاولات عديدة لإقناع المعلمين لقبول تدريس الصفوف الأولية، مشيرين إلى أن بعض المعلمين قد يقبلون بتدريس تلك الصفوف من واقع علاقتهم الحسنة مع قائد المدرسة، وحسن التعامل، وأجمع القادة على ضرورة إعادة الحوافز السابقة لأهميتها ،وإظهار جانب من التقدير لمعلمي تلك الصفوف الذين هم حقاً يستحقون أكثر.

متنفس وراحة

وقال عبدالعزيز الشغب -معلم صف أول ابتدائي-: إن جهد المعلم في الصف الأول يختلف عن المعلم في الصفوف العليا من حيث إنه كيف يتقبل هذا النوع من النسيج من الطلاب غير المتقبل للمدرسة، وهنا يحل المعلم مكان الأب وحتى الأم، مبيناً أن عملية ترغيب الطفل ومنحه جانباً من الطمأنينة والترغيب يتطلب جهداً كبيراً جداً، مضيفاً أن الحوافز السابقة كانت تشعر المعلم بأن وزارته مهتمة به ومقدرة لجهده الذي يقوم به، مبيناً أن شعور المعلم بحالة من التقدير من قبل وزارته انعكس على أداء المعلمين داخل الصف، معتبراً أن هذا أمر طبيعي وظاهرة صحية، واصفاً الحوافز بأنها كانت متنفساً للمعلم وراحة لتمتعه بالإجازة قبل بقية المعلمين، مُنبهاً إلى أن بعض المعلمين حتى مع الحوافز السابقة إلاّ أنه كان يرفض تدريس الصفوف الأولية لطبيعة الجهد المضاعف الذي يؤديه، فكيف بالحال والوضع بدون حوافز، ذاكراً أن الأمر سيسبب مشكلة في إيجاد من يدرس هذه المرحلة المهمة، مُمتدحاً المعلمين الذين مازالوا يرغبون في تدريس الصفوف الأولية رغم إلغاء الحوافز رغبةً في الثواب من الله سبحانه وتعالى، متمنياً من وزارة التعليم إعادة الحوافز خوفاً من أن ينعكس ذلك سلباً على أبنائنا الطلاب والطالبات.

وأوضح محمود الأمير -معلم صفوف أولية- أن إعادة الحوافز لمعلمي الصفوف الأولية يشجعهم أكثر ويدفعهم إلى مزيد من العطاء والجهد داخل الصف، مضيفاً أن هذه الصفوف هي الأساس والركيزة التي تتطلب جهداً استثنائياً في تعليم الطلاب، لاسيما في الصف الأول الابتدائي، مبيناً أن البنية الأساسية تعتمد عليها جميع المراحل، متسائلاً: ما الذي سيدفع المعلم لتدريس الصفوف الأولية مع ما فيها من عناء، وجهد وهو قد تمت مساواته بمعلمي الصفوف العليا؟.