رغم تمكن وزارة العمل والتنمية الاجتماعية من قطع شوط كبير في توطين الوظائف، واستيعاب عدد كبير من القوى العاملة الوطنية من كلا الجنسين إلا أن هناك بعضا من التحديات التي تتطلب المزيد من التحفيز والتشجيع لضمان إقبال واستمرار المواطنين في الأنشطة التي تم توطينها عبر مراحل زمنية مختلفة، كما يبقى من المهم قراءة الآثار الإيجابية التي طرأت حتى الآن على سوق العمل بعد ما تم توطين 12 مهنة في عدد من القطاعات والأنشطة والتي من أهمها الكشف عن حجم جريمة التستر.
ويرى عدد من المهتمين باستراتيجية التوطين أن القطاع الخاص لدية القدرة على استيعاب القادمين الجدد لسوق العمل من المواطنين، متى ما كانت هناك سياسات حازمة وإدراك للمسؤولية المجتمعية التي تسهم في تجاوز أي من تلك التحديات.
وأكد د. فهد بن جمعة عضو مجلس الشورى على أن استراتيجية التوطين لم تكتمل إلا بتوفر عدة عوامل أهمها تقليص الفائض لعرض العمالة الأجنبية إضافة إلى تحديد حد أدنى للأجور سواء كان شهريا أو بالساعة للمواطنين، كذلك تحديد العمل الأسبوعي بواقع أربعين ساعة أسبوعية وإجازة لمدة يومين والنظر في العمل لفترتين، مقترحا دمجها لتكون فترة واحدة في بعض القطاعات التي يتم توطينها.
وأشار بن جمعة إلى أهمية أن تكون هناك خطة مسبقة لمغادرة جميع العاملين الأجانب في جميع القطاعات التي تم توطينها حتى لا تنافس هذه العمالة المواطن السعودي بالخفاء أو تزيد من نسبة التستر، متسائلا كيف نوطن هذه القطاعات وفي الوقت ذاته تبقى العمالة الأجنبية في المملكة، مضيفا أن البطالة وصلت بين العمالة الأجنبية إلى 60 ألف عاطل أجنبي، ومن هنا نؤكد أنه إذا أردنا أن نوظف مواطنين ومواطنات بأجور أفضل يجب علينا تقليل عرض العمالة الأجنبية.
وأوضح ابن جمعة أن جميع الجهات الحكومية تدرك الهدف الوطني لسياسة التوطين وهو تقليص البطالة كأحد أهم أهداف رؤية 2030 التي تنص على تقليص البطالة إلى 7 % مع نهاية الخطة، كما بين أن تقليص البطالة هدف استراتيجي للاقتصاد والتنمية باعتبار أن التوظيف يزيد دخل الفرد وعندما يزيد دخل الفرد يزيد إنفاقه على السلع والخدمات وهو بذلك يدعم الاقتصاد الكلي وبالتالي هذا يزيد من نمو وتراكم الاقتصاد إضافة إلى زيادة فرص التوظيف والصناعات والخدمات، ومن هنا يجب على الجهات الحكومية تفهم هذا الهدف المهم ودعمه وتسهيل كافة الإجراءات لتحقيقه.
وفي السياق ذاته أشار ابن جمعة إلى أن هذه الوظائف جديدة على المواطنين وقد لا يرغب بعضهم بها حاليا وهذا أمر طبيعي بسبب عدة اعتبارات مجتمعية لكن على كل عاطل أن يدرك أن القوة الاقتصادية وتحقيق الدخل هدف مهم لكل شخص وعليه أن يبادر في الالتحاق بمثل تلك الفرص التي بذلت كثيرا من الجهود لتوفيرها وملاءمتها لكل باحث عن عمل، مؤكدا على أن ضعف الإقبال على هذه الفرص من الأمور التي تحدث في البداية لأن سوق العمل غير مستقر على المدى القصير لكن يبقى الرهان في المدى الطويل حيث استقرار جميع هذه المهن ولذا علينا الصبر والعمل على أن يكون هناك عملية تتحرك فيها آليات السوق وتؤدي إلى استقرار المواطنين في هذه الوظائف وهذا سوف يحدث على المدى المتوسط أو الطويل لكن لا يجب أن نحكم على نجاح خطة التوطين على المدى القصير، مؤكدا على أن قرار التوطين قرار استراتيجي وسوف يستمر توظيف المواطنين حتى لو خرج أحدهم من وظيفته سوف يحل محله مواطن آخر لأن الأهم في التوطين هو أن يصبح هدفا وطنيا واستراتيجية لا يمكن تغييرها أو إعادة العجلة إلى الماضي بإحلال الأجانب بل يجب أن يكون التوطين هدفا استراتيجيا لا تراجع عنه.
من جانبه قال المحلل الاقتصادي عبدالرحمن أحمد الجبيري إن الإجراءات التنفيذية التي تم تطبيقها مؤخرا كتنفيذ الحملات الأمنية للجوازات (وطن بلا مخالف) والجولات الميدانية الخاصة بتطبيق قرارات العمل ولجان التفتيش التي تتعلق بمشكلات التستر التجاري ستسهم في تقليص نسب البطالة، مشيرا إلى أنها خطوات إيجابية ستعزز من فرص التوظيف في عدد من الأنشطة الاقتصادية المستهدفة وكذلك الخطوة المتعلقة بحصر الوظائف القيادية والتنفيذية في القطاع الخاص بالسعوديين، لافتا إلى استمرارية تضافر الجهود والتفاعل الإيجابي بين أطراف التوظيف والتي ظهرت مؤخرا نتائجها وحالاتها في مختلف وسائل الإعلام.
وبيّن الجبيري أنه وإضافة إلى ما سبق فإن وزارة العمل والتنمية الاجتماعية تبذل جهوداً كبيرة فيما يتعلق بتوطين الوظائف وقصر العمل في بعض الأنشطة التجارية على السعوديين والسعوديات فقط، مثل منافذ البيع في محال الساعات، ومنافذ البيع في محال الأجهزة الكهربائية والإلكترونية، وقطع غيار السيارات، ومواد الإعمار والبناء، ومنافذ البيع في محال السجاد بأنواعه كافة، والسيارات والدراجات النارية، والأثاث المنزلي والمكتبي الجاهز، والملابس الجاهزة وملابس الأطفال والمستلزمات الرجالية، والأواني المنزلية، ومنافذ البيع في محال الحلويات كما حققت الوزارة قفزة نوعية في ضبط المنشآت المخالفة للتوطين لقاء قيامها بجولات تفتيشية مستمرة وقد أعلنت مؤخرا عن التزام 48120 منشأة في قطاع الاتصالات بقرارات التوطين.
وأضاف أن القطاع الحكومي يعمل أيضا في اتجاه متوازٍ ويعمل على توفير فرص وظيفية جديدة حيث أعلنت مؤخرا وزارة التعليم وبوابة جدارة عن فتح بوابة التوظيف خلال الأيام القادمة في عدد من الوظائف الشاغرة، كما أن هناك مبادرات جديدة في برامج ريادة الأعمال والتي بدورها تقدم الدعم والتمويل للشباب السعودي للانخراط في المشروعات الخاصة المتنوعة.
ونوه بأهمية دور الغرف التجارية الصناعية في مختلف مناطق المملكة ومسؤوليتها نحو دعم برامج التوظيف، وأن تكون حلقة وصل مهمة بين الشركات والمؤسسات وطالبي العمل وتعمل على متابعة برامج التوظيف والتعرف على المعوقات ووضع الحلول المناسبة لها عن كثب خاصة وأن الغرف التجارية على التصاق مستمر بقطاعات الأعمال والشركات.
ولفت الجبيري إلى أن مستهدفات رؤية المملكة 2030 قد اشتملت على توفير الفرص الوظيفية من خلال البرامج والمبادرات التي أُطلقت ضمن ذلك وهو ما يؤشر إلى تحقيق تلك المستهدفات واستمرارية النمو المضطرد في التوطين الوظيفي في هذا الاتجاه بكافة المجالات والتخصصات.