ابعاد الخفجى-سياسة:
تتسارع الأحداث على الساحة اللبنانية بصورة تبعث على القلق في مستقبل هذا البلد الذي كان يُعتبر في يوم من الأيام “سويسرا الشرق”. ففي 9 يوليو، انفجرت سيارة مفخخة في الضاحية الجنوبية للعاصمة اللبنانية بيروت الخاضعة لسيطرة حزب الله الشيعي، الأمر الذي أسفر عن مقتل شخص واحد وجرح عشرات آخرين. وبعد يوم واحد، أعلن رئيس البرلمان أن التيار الوطني الحر الذي يتزعمه العماد المتقاعد ميشال عون سوف يخرج من كتلة قوى 8 آذار (مارس) في البرلمان التي يتزعمها حزب الله. يقول تقرير نشره “معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى” أنه ومنذ 2006، سهَّل تحالف التيار الوطني الحر مع حزب الله الهيمنة السياسية على لبنان. وإذا استمر هذا التصدع الجديد، فسوف يمثل تحولا كبيرا في الحركة السياسية في البلاد.
أحداث صيدا
انعكست الأزمة السورية بقوة على الساحة اللبنانية، وحدثت اشتباكات في عدة مناطق لبنانية على هذه الخلفية. آخر الصدامات الطائفية الحادة وقعت في مدينة صيدا في جنوب لبنان، وبلغت ذروتها في معركة جرت في 24 يونيو بين الجيش اللبناني من جهة، وحوالي 200-300 من أنصار الشيخ السلفي الغامض أحمد الأسير، الذين كانوا مسلحين بأسلحة ثقيلة. ومع نهاية اليوم، لحقت الهزيمة بقوات الأسير، ولكن قتل 18 جنديا لبنانيا بالإضافة إلى 28 مسلحا آخرين. ورغم عدم وجود إشارة إلى أن الجيش اللبناني نسق عملياته مسبقا مع حزب الله، إلا أن التقارير من المعركة تبين على الأقل بأن الميليشيا حاربت إلى جانب الجيش. وهذا الواقع أكد الشكوك بأن هناك قاعدة موالية للشيعة في الجيش. وفي الوقت نفسه في واشنطن، ربما زاد حادث صيدا من الأسئلة في الكونجرس بشأن الاستمرار في تقديم مبلغ 100 مليون دولار سنويا إلى “القوات المسلحة اللبنانية”.
انفجار الضاحية
في 9 يوليو، وبعد أسبوعين من انتهاء المعركة في صيدا، انفجرت سيارة مفخخة كبيرة بالقرب من المجمع السكني والمكتبي لحزب الله في بيروت. وأفادت التقارير أنه كانت هناك أربع محاولات أخرى لمهاجمة الحي قبل وقوع هذا الحادث، لكن تم اعتراضها جميعا. ورغم أن هوية من قام بهذا التفجير غير معروفة، إلا أن هناك شكوكا عن ضلوع سلفيين لبنانيين وثوار سوريين في وقوعه. ورغم هذا العداء السني- الشيعي الآخذ في الازدياد، سعى كل من حزب الله وتحالف 14 آذار (مارس) إلى تخفيف حدة هذا الموقف. وفي بيانين منفصلين، اتهم حزب الله وزعيم تحالف 14 آذار سعد الحريري إسرائيل بارتكاب التفجير الذي وقع في 9 يوليو.
انقسامات تحالف 8 آذار
شهد التيار الوطني الحر سلسلة من الخلافات العلنية مع حزب الله في الأشهر الأخيرة. وعلى وجه التحديد، عارض عون دعوة حزب الله لتمديد فترة ولاية البرلمان بـ18 شهرا وكذلك تمديد فترة ولاية رئيس أركان القوات المسلحة اللبنانية العماد قهوجي، الذي من المقرر أن يتقاعد قريبا. وبدلا من ذلك، سعى عون بصورة حثيثة نحو الوصول إلى اتفاق بشأن قانون انتخابي جديد وإجراء انتخابات جديدة، إضافة إلى طلبه أن يتم تسمية صهره – رئيس قيادة القوات الخاصة في “القوات المسلحة اللبنانية” شامل روكز – رئيس الأركان الجديد. ويبدو أن عون وحزب الله مختلفان بشأن الحكومة التي يجري تشكيلها حاليا من قبل رئيس الوزراء تمام سلام.
التداعيات
في حين أن الخلافات بين التيار الوطني الحر وحزب الله واضحة، إلا أن خطة عون بالخروج من قوى 8 آذار يصعب فهمها، إذ من غير المحتمل بعد الآن أن يساند تحالف 14 آذار ترشيحه للرئاسة أكثر من ذي قبل، أو حتى السماح له بالاحتفاظ على سيطرته على المناصب الرئيسية مثل وزارة الطاقة. أو ربما يأمل السياسي البالغ من العمر 80 عاما في حصول انفراجة مع تحالف 14 آذار، لكي يقوم بمحاولة أخيرة للوصول إلى رئاسة الجمهورية.
أما بالنسبة لحزب الله أيضا، فإن خسارة عون مشكلة يصعب حلها، وبدونه يعود حزب الله وحركة أمل إلى كتلة شيعية ضيقة في وقت يتصاعد فيه النزاع الطائفي المتعلق بسورية داخل الأراضي اللبنانية. ولكن بالنظر إلى تدهور المكانة الإقليمية لحزب الله، والتزامه العنيد بتأييد الأسد، وموقفه العسكري المهيمن في لبنان، ربما ترى هذه الميليشيا أنها لم تعد بحاجة إلى التغطية المسيحية من عون، لاسيما إذا أصبح قهوجي المرشح الأوفر حظا للوصول إلى الرئاسة من خلال اتباعه فلسفة أكثر ودية. كذلك من المرجح أن تشير حسابات حزب الله إلى أنه إذا فاز الأسد فسوف تزداد تطلعات الحزب، ولكن إذا انتصر الثوار فسوف يميل عون وغيره من المسيحيين اللبنانيين إلى المضي في حلف الأقليات مع الشيعة ضد السنة.
إن هجوم الضاحية، الذي يمثل بداية النهاية لإفلات حزب الله من العقاب، يمثل نتيجة تبعية سواء بسواء على مسار مستقبل البلاد. وخلال عدة سنوات، ظلت الميليشيا تخيف الأعداء السياسيين وتهاجمهم بشكل دوري بمن فيهم السنة. ومع ذلك، فإن الانتفاضة السورية قد رفعت سقف طموح المعارضة الداخلية لحزب الله في الوقت الذي يبدو فيه أن الحزب يفقد حلفاء سياسيين، ومن المرجح أن تشهد لبنان عنفا طائفيا متزايدا نتيجة لذلك. وإذا استمر ظهور الجيش اللبناني كداعم لمجموعة انتخابية وتفضيلها على أخرى، فسوف يواجه ضغوطا متزايدة في المستقبل.