في الوقت الذي أسهم فيه اتفاق الخفض النفطي بارتفاع أسعار النفط بنسبة 23 % منذ بداية العام الجاري، طغى تأثير هذا الخفض على حدّة المؤثرات الأخرى العكسية التي مثّلت دوراً مهماً في اتجاه الأسواق وأسعار النفط خلال الفترة الماضية كالإنتاج الصخري الأميركي، حيث استطاع خام الإشارة برنت الأسبوع الماضي ملامسة سقف الـ70 دولاراً للبرميل والبقاء في محيطه بنهاية تداولات الأسبوع، وشكّلت القوة التصاعدية للأسعار السمة الأبرز خلال الأسبوع الماضي، ساهم في ذلك التعاظم المتلاحق لتأثير اتفاق الخفض النفطي، كالبيانات الروسية التي أظهرت تراجعاً ملموساً لشهر مارس حيث كان إنتاج روسيا 11.3 مليون برميل يومياً، تراجعاً بمقدار 40 ألف برميل يومياً عن شهر فبراير الذي كان إنتاجها فيه عند 11.340 مليون برميل يومياً، كذلك الامتثال المتصاعد في اتفاق الخفض النفطي، وعامل العقوبات المفروضة على بعض الدول المنتجة للخام (إيران – فنزويلا) الذي يعدّ عاملاً يساهم في رفع التوترات بالأسواق تجاه الإمدادات النفطية وهو الأمر الذي سيعمل على دعم مؤشر الأسعار بالصعود أكثر عن المستويات الحالية التي وصلت إلى نطاق الـ70 دولاراً لخام الإشارة برنت الذي بدأ هذا العام بمستويات متدنية عند الـ54 دولاراً مرتفعاً بمقدار 16 دولاراً خلال ربعٍ واحدٍ فقط مما يعكس نجاح اتفاق الدول الأعضاء OPEC+.
واستهلّت الأسواق النفط الربع الثاني من العام الجاري بالدخول لنطاق سعري جديد عبر موجة تصاعدية طيلة أسبوع كامل، مما يعطي انطباعاً إيجابياً عن مستقبل أسعار النفط خلال هذا الربع، أي أنه قد يلامس مستوى الـ75 دولاراً خلال الربع الثاني، على الرغم من حالة التخوف الواضحة في توقعات البيوت والمصارف المختصّة التي أشارت إلى أن متوسط خام برنت في الربع الثاني سيدور حول الـ73 دولاراً ومن المستبعد أن يتجاوز الـ75 دولاراً، ولا غروَ في ذلك فالمخاوف هي السمة الأبرز في تلك التقديرات ففي بداية العام الجاري 2019م خفضّت بعض المصارف الغربية توقعات متوسط أسعار خام برنت للعام 2019م إلى 62.50 دولاراً للبرميل من مستوى 70 دولاراً، وهذا التوقّع حالياً يعدّ أخفض من متوسط خام برنت في الربع الأول من العام الجاري بحدّ ذاته الذي كان عند 63.90 دولاراً للبرميل، والأسواق لا زال أمامها ثلاثة أرباع العام الذي يُعتقد أن تظل ضمن معطياتها الراهنة إلى قبيل منتصف العام دون حدوث تغيرات كبيرة على الخارطة النفطية، وإنما استمرار لدور الدعم المتواصل لاتفاق الخفض النفطي الذي تقوده السعودية وروسيا، وتعاظم تدريجي للمخاوف من شحّ الإمدادات نتيجة العقوبات المفروضة من الولايات المتحدة الأميركية على إيران وفنزويلا التي بدورها ستدعم مؤشر أسعار النفط الذي قد لا يستجيب بشكل كبير لعوامل الضغط العكسية القادمة من الإنتاج النفطي الأميركي ومخاوف تباطؤ الاقتصاد الذي لا زال يسجّل تحسنّاً ملحوظاً في أرقام النمو بالتزامن والجهود التي تبذلها الحكومة الصينية لدعم الاقتصاد، والقول بكل ما سبق من عوامل داعمة للأسواق لا يُسقط حالة عدم اليقين التي تطغى بشكل واضح على جميع توقعات أوساط الصناعة النفطية، إلا أن المؤشرات الحالية لأسواق النفط تدلّ أن المسار المستقبلي للأسواق سيكون ضمن مرحلة داعمة للأسعار وتحسّن ميزان العرض والطلب بالأسواق العالمية، لذلك جاء قرار OPEC+ خلال مارس المنصرم بإلغاء الاجتماع الذي كان مقرراً عقده في شهر أبريل الجاري؛ للقناعة التامّة بالمسار التصحيحي الفعّال للدول الأعضاء في الاتفاق وتأجيله إلى مايو القادم بمدينة جدّة، واجتماع آخر في يونيو (نهاية اتفاق الخفض) ليتم خلاله اتخّاذ قرار بشأن هدف الإنتاج للنصف الثاني من العام، حيث من المؤكد أن تعمل منظمة OPEC على إيجاد سوق نفطية متزنة ذات جدوى للمنتجين والمستهلكين، بعيداً تماماً عن أي استهداف لنطاقات سعرية محددة، فمعطيات الأسواق الحالية لا تدل على إمكانية حدوث تغييرات كبيرة في الأسواق خلال الشهرين المقبلين كما أوضحت ذلك OPEC خلال اجتماعها الماضي في “باكو”، لذلك فمسار الأسعار النفطية سيبقى في مسار تصاعدي ما بين (بطيء ومتوسط) بقية الربع الثاني، وقد يتجاوز خام برنت مستوى الـ75 دولاراً للبرميل في (منتصف – نهاية) هذا الربع الذي قد تستمر فيه عوامل الضغط على الأسعار بالتأثير، ولكن هذا التأثير سيكون أقل حجماً عن دوره في الربع الأول الماضي، مما سيسرّع وتيرة تباطؤ صعود الأسعار النفطية كتلك التي شهدها الربع الماضي، إلا أن النصف الثاني من العام الجاري يعدّ الأكثر ضبابية والأصعب قراءة ؛ كونه يعدّ مرحلة انتقالية في الأسواق النفطية وفقاً للإرهاصات الحالية التي تشير إلى أنه من المتوقع أن تقوم منظمة OPEC برفقة حلفائها بتخفيف القيود على إنتاج الدول الأعضاء في الاتفاق.