عزمت حكومة المملكة العربية السعودية على بناء اقتصاد قوي ومتين ومتنوع يتحمل أي صدمات اقتصادية ويحافظ على استدامة الإيرادات وحزمت أمرها بتغييرات وإصلاحات شمولية وغير مسبوقة بدأتها برؤية استراتيجية وأهداف محددة وأرقام طموحة تهدف إلى جعل المملكة من الدول الأقوى اقتصادياً في العالم، حجم التغييرات كان كبيراً وسريعاً لم يتجاوز ثلاث سنوات وهذا هو التحدي الأكبر في التاريخ حيث لا يتصور العقل بأن يتحقق إنجاز بكم هائل من التغييرات وإصلاحات شاملة وتغيير نمط إداري قديم في مدة زمنية قصيرة وبنسبة خطأ منخفضة، يأتي هذا التغيير في ظل أحداث جيوسياسية في المنطقة وهجوم إعلامي غير مسبوق وتكالب بعض الأعداء على المملكة وتأليب الرأي العام ضد الإصلاحات والتشكيك بها والايحاء بعدم قدرة الحكومة على تنفيذها، ومع ذلك استمرت عملية الإصلاح وبدأت تتحقق الأهداف، ولأن الاقتصاد يحتاج الى جذب الاستثمارات الأجنبية لتعزيز مستويات السيولة وتنفيذ الخطط الاستراتيجية فقد تمت تهيئة البيئة الاستثمارية ووضعت لها خطط إصلاح طموحة ضمن أولويات الإصلاحات التي تبنتها الحكومة فعملت على تغيير شامل للأنظمة والقوانين بما يتوافق مع الأنظمة العالمية ولعل أهمها هو التغيير الشامل لنظام الإفلاس وهو ما سوف يساهم في حماية الأعمال وحفظ حقوق المستثمرين وكذلك إنشاء محاكم تجارية تتولى قضايا المنازعات التجارية والبت فيها في وقت قصير وهذه من الإصلاحات المهمة التي يطالب بها دائماً المستثمر الأجنبي ليضمن عدالة القضاء وحفظ الحقوق وقد أشاد البنك الدولي بالإصلاحات وصنف المملكة كثاني أفضل دولة في إصلاح بيئة الأعمال ضمن دول العشرين.
أرقام الاستثمارات الأجنبية التي نمت خلال السنوات الماضية تؤكد نجاح الحكومة في تهيئة البيئة الاستثمارية حيث وصلت في نهاية عام 2018 إلى ما يقارب الــ 1487 مليار ريال وما زال الطموح أكبر من ذلك بكثير وخصوصاً مع إطلاق مبادرات للاستثمار في الثروة المعدنية والصناعة والطاقة وتقديم التسهيلات الكبيرة للاستثمار الأجنبي.
الإصلاح الاقتصادي الأهم هو تنويع مصادر الدخل وعدم الاعتماد على النفط كمصدر رئيس للإيرادات ونجحت الدولة في تحقيق جزء كبير من هذا الهدف حيث قُدرت الإيرادات غير النفطية في ميزانية العام الحالي 2019 بحوالي 313 مليار ريال وأعتقد بأنها سوف تتجاوز 330 مليار ريال، وما زالت هنالك بعض العوائد التي لم تدخل ضمن الإيرادات أبرزها عوائد صندوق الاستثمارات العامة والتي تم توجيهها لتعزيز أصول الصندوق من أجل تعظيم الاستثمارات وتنويع مجالاتها ومن المتوقع خلال السنوات القادمة أن تحقق عوائد مجزية تساهم في تنمية الاقتصاد، والأرقام التي حققتها المملكة في تنمية أصولها الاستثمارية هي أحد المؤشرات المهمة التي تعبر بشكل واضح عن نجاح خطط الإصلاح الاقتصادي حيث وصلت الأصول الحكومية المستثمرة الى ما يقارب الــ أربعة تريلونات ريال.
تعظيم شركة أرامكو كان من الأهداف الطموحة التي خططت لها الحكومة جيداً من أجل الارتقاء بها وجعلها أكبر شركة في العالم في مجال النفط والصناعات النفطية والتكرير وطرحها للاكتتاب العام في الأسواق العالمية وقد أفصحت الشركة قبل أسابيع قليلة عن أرباحها السنوية والتي تعد أعلى أرباح لشركة في العالم ومن أجل تعظيم أرباحها المستقبلية وزيادة قيمتها السوقية قبل الطرح قامت بعملية استحواذ على 70 % من أسهم عملاق الصناعات البتروكيماوية (سابك) وأصدرت سندات دين بغرض سداد جزء من قيمة الصفقة فكان الإصدار الأعلى تغطية في التاريخ حيث تجاوزت نسبة تغطيته عشرة أضعاف الإصدار وبتسعير لم يتجاوز 105 نقطات أساس فوق سعر السندات الأميركية للأجل 10 سنوات وهذا مؤشر نجاح آخر يحسب لحكومة المملكة وعملية إصلاحاتها الاقتصادية وزيادة ثقة المستثمرين في اقتصاد المملكة.
الفساد آفة الاقتصاد ومحاربته تعزز الثقة في عدالة المنافسة وتوفر على الدولة مليارات الريالات سنوياً ولعل الحملة التي قامت بها الحكومة على من ثبت تورطه في عمليات فساد سابقة أعطت جرس إنذار قوي لمن تسول له نفسه الاعتداء على المال العام بأي شكل من الأشكال وعززت ذلك الإجراء بالتضييق على الفاسدين وإغلاق كل منافذ الفساد من خلال أتمتة المناقصات والمدفوعات وإنشاء هيئة متخصصة للمشتريات الحكومية وإنشاء وحدة متخصصة في وزارة المالية للتحقق من كفاءة وترشيد الإنفاق.
السياحة أحد مصادر الدخل التي توليها كافة الدول اهتماماً كبيراً كانت مهملة في السابق وتسبب ذلك في خروج مليارات الريالات من الاقتصاد المحلي أنفقها المواطنون على سياحتهم في الخارج ولأجل التخفيف من الحجم الكبير من الأموال المهاجرة وإعادة ضخها في الاقتصاد المحلي وتوفير المزيد من الفرص الوظيفية للمواطنين فقد جاء الاهتمام بهذا الجانب من خلال بناء مدن سياحية جديدة والاهتمام بالآثار التي تزخر بها المملكة، والأرقام التي صدرت عن هيئة السياحة والآثار أظهرت ارتفاعاً في عدد السياح القادمين إلى المملكة خلال العام الماضي وهنالك خطط طموحه من أجل زيادة السياح خلال السنوات القادمة مع اكتمال كافة المشروعات السياحية بالإضافة إلى زيادة أعداد الحجاج والمعتمرين والوصول إلى 30 مليون حاج ومعتمر سنوياً.
بالرغم من كل الظروف الاقتصادية الصعبة التي مرت عليها المملكة خلال السنوات الماضية إلا أن حجم الدين إلى الناتج المحلي لم يتجاوز في نهاية عام 2018 عن 19 % وهذا الرقم هو الأقل بين دول مجموعة العشرين وهذا لم يكن ليحصل لولا نجاح الإصلاحات الاقتصادية التي تبنتها الحكومة وجنبت الاقتصاد تبعات تراجع الإيرادات وساهمت في خفض معدلات العجز.
الآثار السلبية التي تنشأ عن أي عملية إصلاح وإعادة هيكلة للاقتصاد تكون غالباً قوية ومؤثرة بشكل مباشر على الأفراد والقطاع الخاص ولكن حكومة المملكة نجحت بشكل كبير في الحد من تلك الآثار من خلال تبني برامج متعددة وتقديم الدعم للمواطنين من خلال حساب المواطن أو بدل غلاء المعيشة بالإضافة إلى المبالغ التي خُصصت لدعم القطاع الخاص وتحفيزه من أجل الاستمرار في النمو وتشغيل المواطنين للحد من ارتفاع معدلات البطالة والتي بدأت تظهر مؤشراتها الإيجابية خلال الربعين السابقين من العام الماضي والتي انخفضت للمرة الأولى منذ بدء الأزمة الاقتصادية بالرغم من ارتفاع عدد الباحثين عن العمل.