بعد توجيهات وزير التعليم د.حمد بن محمد آل الشيخ التي تضمنت ضرورة الاهتمام بنواتج التعليم، وأن تكون الهاجس الرئيسي لجميع منسوبيه، أخذ الوسط التعليمي وشرائح المجتمع المحلي بالتساؤل عن كيفية تحقيق ذلك في ظل الازدواجية القائمة وكثرة الأعباء والمهام وتعدد البرامج والمبادرات المطلوب تنفيذها من الميدان.
“الرياض” التقت بعض المختصين حول إمكانية تحقيق توجيه الوزارة الذي وصفه الجميع بالصائب وقالوا: “إن نواتج التعليم هي ما يصبو إلى تحقيقه كل قائد ومعلم وولي أمر، وهي الغاية المنشودة والهدف الأسمى للتعليم”.
تشخيص الواقع
في البداية قال محمد بن إبراهيم الجهني -مشرف التوجيه والإرشاد بإدارة تعليم ينبع-: إن الاعتراف بوجود ضعف في نواتج التعليم أمر مبشر بالخير، ونحن بذلك مقبلون على مرحلة عنوانها مصداقية وواقعية مخرجاتنا التعليمية، ولاستحثاث كافة الشركاء المساهمين في تجويد نواتج التعليم لابد من سرعة عقد اختبارات وطنية متخصصة لجميع الصفوف الدراسية وجميع الطلبة بلا استثناء في مجال التحصيل الدراسي وبإشراف دقيق، بهدف تشخيص الواقع الفعلي وتحديد الفاقد المهاري الحالي، مضيفاً أننا بذلك نوجد مؤشر أداء يحدد من خلاله المستهدف لكل مدرسة، وبالتالي لكل إدارة تعليم، على أن يكون وفق منصة الكترونية دقيقة مع إمكانية الاستفادة من خبرات المركز الوطني للقياس والتقويم في ذلك، مبيناً أن الاختبارات الدولية TIMSS والتي تعتزم الوزارة تطبيقها على عينة من طلبة الصف الرابع والثاني متوسط لا تعتبر ممثلاً صادقاً لمجتمع الطلبة من أقران العينة، معللاً ذلك بأن الأغلبية يجهلون أن هذه الاختبارات أداة لتقييم مستوى طلابنا ويتعاملون معها على أنها غاية بحد ذاتها، وأن حصول الطلاب والطالبات على درجات مرتفعة فيها هو المفروض، لذلك تُسبق من قبل المدارس بالتهيئة والتدريب وعليه فنتائجها تفتقد للمصداقية، ولا يمكن أن تكون نتائج دقيقة تبنى عليها خطط تعليمية وعلاجية مستقبلية.
وشدّد على ضرورة السعي الجاد لجعل النتائج الرسمية للتقويم المستمر والاختبارات التحريرية على نظام نور أكثر مصداقية باعتبارها النافذة الرئيسية لتقويم وتقييم مخرجات التعليم في المملكة، مؤكداً على أن ذلك لن يتحقق إلاّ من خلال المراقبة الفاعلة من قبل الجهات الإشرافية لسلامة ودقة إجراءات التقويم المستمر والاختبارات المدرسية ورصدها، إذ إنه لا يمكن دعوة المجتمع المحلي وتحفيزه للتعاون مع منسوبي التعليم لتحسين النواتج بينما غالبية أولياء الأمور يرون تفوقاً في نتائج أبنائهم عبر الإشعارات المصدرة لهم من نظام نور، وربما أن هذا التفوق غير حقيقي وغير واقعي -حسب قوله-.
بيئة جاذبة
وأوضحت فاطمة الشهري -مُعلمة- أن المتعلم هو الثروة الحقيقية التي نعول عليها كثيراً في نهضة الأوطان، مضيفةً أنه مما يضمن تكيف الطلاب وارتفاع مستوى تحصيلهم من المعارف والمهارات وجود بيئة تعليمية جاذبة للمتعلم يروّح فيها عن نفسه، ويشعر بالمتعة والانسجام والثقة في النفس التي باعثها التحفيز والتشجيع الدائم، مبينةً أن العنف ضد الطلبة والتهميش والإقصاء لبعضهم له نتائج وخيمة على انضباط الطالب، ومستواه التحصيلي والسلوكي.
ورأت شيخة شجاع المطيري -أخصائية تقويم- أهمية تركيز مشرف المادة الدراسية على الأساليب الإشرافية التي من شأنها التطوير الشامل للمعلم في جميع المجالات، ولتحقيق ذلك من المهم أن يُعفى المشرف من متابعة المؤشرات الكمية المدرسية بمنظومة الأداء، ومن الممكن إسنادها لمشرف القيادة المدرسية، معللةً ذلك أن الوقت الذي يقضيه المشرف التربوي في المدرسة يضيع ما بين متابعة وتدوين وحصر ورصد، في حين أن جانب تطوير المعلم مهمل تماماً لضيق وقت المشرف وتعدد المهام المطلوبة منه بالزيارة.
وذكر د.زامل عبيد الرويس -أخصائي تقويم- أننا أولينا مدخلات العملية التعليمية أهمية بتحديدنا المهارات الأساسية المستهدفة للطلاب، والانتقال للعمل باهتمام ومهارة مع الطلاب المستهدفين بالتنويع في الوسائل التعليمية وأدوات التقويم والاهتمام بالواجبات، وتصويب الأخطاء إلى غير ذلك من العمليات الفاعلة، مؤكداً على أننا سنصل إلى مخرج نهائي مرضي -بإذن الله- وسيكون بمثابة مؤشر حقيقي نحدد من خلاله المستوى ونعطي التغذية الراجعة والإجراءات التصحيحية الفورية التي من شأنها التقدم بنا للأفضل.
محاسبة المقصر
وتحدث عبدالله الغامدي -مشرف عموم وزارة التعليم بالمملكة وأخصائي مناهج اللغة العربية بوزارة التربية والتعليم في البحرين- عن التطوير المهني للمعلمين باعتباره ضرورة لتجويد نواتج التعليم قائلاً: يتم ذلك من خلال إنشاء مراكز لتدريب وتأهيل المعلمين والمعلمات تعنى في الدرجة الأولى بمتدني الأداء والانضباط وحتى الجانب السلوكي أيضاً، على أن يقوم عليها نخبة من التربويين المواكبين للنمو المهني المفترض للمعلم في جميع المجالات، ومن الممكن ربط هذه المراكز بمشروع رخصة المعلم، مضيفاً أنه يوجد لدى الكثير من المعلمين والمعلمات فاقد معرفي كبير في المادة العلمية للمقررات التي يُدرسونها من حيث المفردات وطرائق التقويم وأسس البناء، منادياً بعودة برنامج التدريب على المناهج الدراسية ضمن المشروع الشامل لتطوير المناهج الذي أوقف سابقاً وانتقل التدريب إلى الاستراتيجيات قبل أن يأخذ برنامج التدريب على المناهج حقه، مؤكداً على ضرورة منح رياض الأطفال والصفوف الأولية المزيد من الاهتمام وانتقاء المعلمين المتميزين ومنحهم المزيد من الحوافز، يواكب ذلك قيام الجهات الإشرافية باختبارات تشخيصية مستمرة لطلابهم للوقوف على مدى تقدمهم.
وشدّد على أهمية محاسبة المعلم المقصر في تعليم النشء، لافتاً إلى أهمية التركيز على “الفهم القرائي” للطالب أثناء تدريس مادة القراءة وليس القراءة بحد ذاتها، وأنه لابد من تحديث مناهج كليات التربية لتواكب التغيير الهائل في المناهج واستراتيجيات التدريس، مطالباً بإشراك المجتمع المحلي من خلال اعتماد ممثلين بمجالس التعليم من أولياء الأمور يشاركون في الطرح وصناعة القرار.
حوافز قيمة
وأكد إسماعيل أحمد عاتي -مُعلم- على أهمية التخفيف من الأعمال التي يكلف بها المعلم كمنسق ورائد نشاط ومرشد وما شابهه، مضيفاً أنها تأخذ وقته وتصرفه عن مهمته الأساسية في الاهتمام بتعليم الطلاب والرفع من مستوى تحصيلهم الدراسي، مضيفاً أن الاهتمام بطلاب الصفوف الأولية مهم جداً، ويُعد البنية التحتية للتعليم، مع حصر المتفوقين والمتأخرين ووضع برامج علاجيه للمتأخرين وإثرائية للمتفوقين، وكذلك توظيف معلم مختص بفئة صعوبات التعلم في كل مدرسة، ودعم المعلمين بالوسائل التعليمية والتوجيه لضرورة التنويع في الاستراتيجيات بما يتناسب وأنماط شخصيات الطلاب.
وأبانت زينة العمري -مديرة وحدة تدريب تربوي- أنه لتحسين نواتج التعليم لابد من تدريب المعلمين والمعلمات وكذلك قيادات المدارس معلوماتياً وتقنياً، فيما يتعلق بتعزيز العلاقات الإنسانية الطيبة بالذات مع الطلبة وأولياء الأمور، إضافةً إلى تشجيعهم على العطاء بحوافز قيمة هم بحاجة إليها كالتأمين الصحي، وتطبيق نظام الرُتب للمعلمين بما يضمن إظهار النخب الخبيرة المعطاءة، وعن المناهج قالت: لابد أن تشبع فضول الطلبة وتلامس احتياجات سوق العمل، مبينةً أن تهيئة البيئة المدرسية بحيث تكون جاذبة ومحببة يلعب دور كبير في تحسين نواتج التعليم، لافتة إلى أهمية تفعيل المسابقات والأنشطة الشيقة وفتح مجال المنافسات المحلية والدولية للطلاب، وكذلك ربط المناهج بمناشط الحياة اليومية وإخراج الطلاب في جولات تعليمية ميدانية مكثفة.
تعلم ذاتي
وقال فهد العنزي -مشرف توجيه وإرشاد-: إن من أهم الركائز المعينة على تجويد مخرجات التعليم قيام المعلم بالأولويات المهمة التي تحقق رفع مستوى التحصيل الدراسي واستخدام أساليب تقويم موضوعية وملائمة للمرحلة العمرية للطالب، مع مراعاة الفروق الفردية، وتدريب الطلاب على التعلم الذاتي من خلال الإعداد المسبق للدروس، وفتح باب الحوار والنقاش معهم، وتنفيذ المسابقات المعززة للتعلم والتحفيز المستمر، مضيفاً أن للإرشاد الطلابي دوراً جوهرياً في التحصيل الدراسي للطلبة من خلال تسخير جميع البرامج والإمكانات الإرشادية لتحقيق تكيف الطالب مع البيئة المدرسة والانضباط في الحضور، إضافةً إلى القيام بالدراسات والأبحاث الهادفة إلى الخروج بتوصيات تسهم في زيادة دافعية الطلاب للتعلم، كما أن لتحليل نتائج الطلاب أهمية بالغة في حصر المتأخرين دراسياً، وتصميم برامج علاجية لهم، وتكريم وتشجيع للمتقدمين دراسياً، مُشدداً على دور الإرشاد الأساسي في التواصل مع الأسرة كشريك في تعليم وتربية الأبناء، وكذلك عقد لقاءات تثقيفية عن دور الأسرة في تنظيم وقت الاستذكار، وحل الواجبات، والنوم المبكر والحد من الغياب وعدم الانخراط في استعمال الهواتف المحمولة.