ألقى إمام وخطيب المسجد الحرام الشيخ الدكتور سعود بن إبراهيم الشريم خطبة الجمعة وقال فيها: إن الإنسان الموفق هو ذلكم الرضي القنوع الذي يراه الناس على حقيقته كما هو دون تكلف، عرف قدره قبل أن يعرفه الناس، سمته البساطة والسماحة، فهو لا يتكلف مفقوداً ولا يبخل بموجود، يحب أن يراه الناس على صورته الحقيقية كما يحب هو أن يراهم كذلك، لا تجده بليداً يتكلف الذكاء، ولا بخيلاً يتكلف الكرم، ولا فقيراً يتكلف الغنى، وإنما يمد رجليه على قدر لحافه، ويأكل مما يليه؛ لأن التكلف تصنع وإظهار سلوك خلاف الحقيقة، ومن كان لا يغنيه ما يكفيه، فكل ما في الأرض لا يغنيه. وأضاف: البساطة – عباد الله – سبب في الاستقرار الاجتماعي، وإن من المحزن جداً أن يرى المرء كثيراً من عادات الناس الاجتماعية تتقاذفها مضارب التكلف في اتجاهات شتى تخرجها عن سيطرة العقل والمنطق، إمّا هروباً من تعيير، وإمّا طلباً للمباهاة وإما شداً لانتباه الآخرين، فثمة تكلف في الكرم وتكلف في الأفراح بل وتكلف في أحزان العزاء، وكم من عادات أوقعت أصحابها في ديون وحقوق وفرقت بين أسر ومحقت بها بركة في النفس والمال والولد.
وأكد على أن التكلف الممقوت هو التكلف في الاعتقاد بما يحيد بالمرء عن جادة الصواب إمّا في جفائه وانصرافه عن عقيدة سلف الأمة الصالح المفضي به الإلحاد واللعب بدين الله، وإمّا في غلوه وتنطعه، وهذا أشد ضروب التكلف خطراً؛ لتعلقه بمسائل الاعتقاد، وذلك بابتداع ما لم يأذن به الله، وقد اكتسب هذا الضرب ذلك الخطر لوصف مواقعيه بالهلاك في قول النبي صلى الله عليه وسلم :»هلك المتنطعون». وأشار إلى أن من أخطر ضروب الغلو والتنطع هو الغلو المفضي بصاحبه إلى سلوك مسالك التكفير واستحلال أمن الناس ودمائهم؛ لهتكه إحدى الضرورات الخمس التي أجمعت عليها الملل قاطبة وهي ضرورة حفظ الدماء؛ لأن المغالين المتنطعين يقودهم غلوهم إلى التكفير جزافاً فيستحلون بسببه دماء المعصومين، فيرهبون ويهلكون ويفسدون والله لا يحب الفساد، أفلا يعلم هؤلاء وأمثالهم أنهم أول واقع فيما يحفرونه من حفر، لا يخرج منهم فئة إلاّ محقها الله، يمقتهم الصغير والكبير والأعمى والبصير، فقد نقضوا بعد غزل وقطعوا بعد فتل، فنعوذ بالله من الضلالة بعد الهدى ومن الحور بعد الكور.