عكس الأسبوع المنصرم حالة من الاستقرار والهدوء التي غلبت على تداولات النفط، عقب حالات الاضطراب التي مرت بها أسعار النفط منذ الـ25 من أبريل المنصرم بفارق سعري بلغ 14 دولاراً لخام الإشارة برنت ما بين الـ74 دولاراً وقاع الـ60 دولاراً، فيما استحوذت الدهشة على غالبية تحليلات أوساط الصناعة النفطية التي لم تستطع تفسير حالة التراجع في أسعار النفط، رغم دلالة المؤشرات على حدوث شحّ في الإمدادات النفطية القادمة من إيران وفنزويلا بالإضافة إلى إرهاصات التوتّر السياسي الموجود في ليبيا، التي تنبئ عن حودث تراجع في الإمدادات النفطية للبلاد، وذلك بالتزامن وأحداث التصعيد التي وقعت في الـ12 من شهر مايو الماضي عبر الهجوم على أربع ناقلات للنفط في الخليج العربي وإحداث تلفيات كبيرة فيها من قبل الميليشيات الإرهابية الإيرانية، تبعها عقب يومين الهجوم الإرهابي الآخر على محطتي ضخ للنفط بالمملكة (أنابيب شرق غرب)، وقد كانت تلك الأحداث مجتمعة عاملاً أساسياً في ذهاب التوقعات نحو القول بصعود أسعار النفط، بل ذهبت بعض تحليلات الصناعة بتوقعاتها إلى القول أن أسعار النفط ستلامس سقف الـ90 دولاراً، إلا أن اتجاه أسواق النفط خلال الـ26 يوماً الماضية كانت عكس جميع توقعات الصناعة ومعطيات الأسواق التي تم البناء عليها بحكم القراءة الغير آنية مما دفع التوقعات إلى القول بدخول أسواق النفط لحالة التشديد في الإمدادات النفطية خلال الفترة المقبلة، بيدَ أن ما شهدته الأسواق ومستويات الأسعار خلال الفترة الماضية تسبب في الدهشة ورفع حالة عدم اليقين والترقّب لمعرفة مسار الأسواق التي لم تعكس المؤشرات الأولية لها.
وأسهمت حالة عدم اليقين التي زادت حدّة آثارها على أسواق النفط منذ شهر مايو المنصرم إلى الآن في تعاظم المخاوف بداخل أوساط الصناعة النفطية؛ للضبابية العالية في المسار المستقبلي للأسواق وحالة الترقّب العالية الوتيرة لمستجدات الأسواق من جهة، وقرارات منظمة OPEC بشأن اتفاق OPEC+ ومصيره في النصف الثاني من العام الجاري، إلا أن أعضاء اتفاق OPEC+ بقيادة السعودية لن يكونوا في عجلة من أمرهم بشأن صياغة سياسة نفطية جديدة للنصف الثاني من العام لعدّة أسباب يمكن استنباطها من أساسيات الأسواق بعيداً عن اضطرابات العوامل الجيوسياسية وتأثيرها على أسواق النفط، وقبلها صراع الملف التجاري صاحب أقوى تأثير على الأسواق النفطية حالياً، وهي أن مخاوف حدوث الشحّ في إمدادات الأسواق مبكرّة ولا تعكس واقع السوق النفطية حالياً، فالأسواق العالمية لا زالت تحوي الفوائض النفطية مع وجود فرضية قوّية لاستمرار البناء فيها وليس التشديد حال استمرار تأثير الملف التجاري، لذلك فمنظمة OPEC تدرك تماماً أن الوضع الحالي لأسواق النفط ليس محلاً لقرارات جديدة أو بناء سياسات نفطية جديدة، وأن المعطيات الحالية غير كافية لاستيضاح الصورة الكاملة لأسواق النفط، فهي في الوقت الحالي مهيأة للتفاعل مع تأثيرات النزاع التجاري بين الولايات المتحدة الأميركية والصين -حال استمرارها- الذي سينعكس على عامل الطلب العالمي تجاه النفط بالتراجع، والمساهمة في بناء الفوائض النفطية في الأسواق العالمية، لذلك فإن تماشي أعضاء OPEC+ مع المنادين بتخفيف قيود الإنتاج ستكون مخاطرة غير مضمونة النتائج، يعزز من تأصيل استمرارية تأثيرها على الاقتصاد العالمي تشعّب النزاع وانتقاله من الحكومات إلى الشركات في البلدين، كذلك التوجّه برفع التعريفات الجمركية بينهما.
ما تحتاجه أسواق النفط حالياً هو استمرار OPEC في اتبّاع سياسة التريثّ والمتابعة المستمرة لمستجدات الأسواق، وهو الأمر الذي عكسته تصريحات مسؤولي OPEC+ خلال اليومين الماضيين التي أوضحت أن الأسواق العالمية تحظى بالإمدادات الكافية، فيما عكست تلك التصريحات الاستعداد التام للتعامل مع أية ظروف قد تطرأ على الأسواق، وأن الغالبية من أعضاء اتفاق الخفض النفطي OPEC+ أبدوا تأييدهم لاستمرار العمل باتفاق الخفض لنهاية العام الجاري 2019م، بفرضية استمرار عوامل التأثير الحالية وأهمها النزاع التجاري بين أمريكا والصين الذي ألقى بظلاله على عامل الطلب في الأسواق النفطية بالتراجع، ما يعني قابلية الأسواق لبناء الفوائض وهو -أي الاتفاق- ما سيخفف وطأة تلك الظروف، فمنذ بداية العام الجاري أثبت اتفاق الخفض النفطي فاعليته في الحفاظ على اتزّان الأسواق، فعلى الرغم من كثرة العوامل المؤثرة في أسواق النفط إلا أنه كان العامل الأقرب في دفع الأسواق نحو الحفاظ على اتزانها إلى الآن، أما مستقبل الأسواق النفطية في المديين القصير والمتوسط فستظل معدلات نمو الاقتصاد العالمي السمة الأكثر تأثيراً على أسواق النفط ومعدلات الطلب عليه في ظل البيانات التي تظهر تراجعاً للنمو الاقتصادي في مناطق مختلفة من العالم لا سيمّا الصين والقارة الأوروبية، فالأوساط الاقتصادية العالمية قلقة من مستقبل الاقتصاد العالمي وما سيؤول إليه في ظل تصاعد الحرب التجارية واستمرارها بين قطبي تجارة العالم.