مفهوم روح القانون يعني أنه بمثابة تنازل جزئي ومؤقت عن القانون أو النظام أو الحكم الشرعي نتيجة موانع أو دوافع إنسانية صرفة ومراعاة لظروف متعددة شريطة أن لايؤثر ذلك على سير الحياة العملية
فالقاضي عند سماع الأقوال والإفادات وقراءة المحاضر وتأمل الشهادات مع إنزال النصوص والأحكام على الواقعة، ناهيك عما له من سلطة تقديرية في التخفيف والتشديد طبقاً لظروف القضية أو تلمساً للأعذار المعفية من العقاب أو المخففة له، فتظهر وتتضح للقاضي روح القانون وذلك عند تفسيره للنص المطبق على الواقعة المعنية.
إن من نافلة القول أن الغاية التي شرعت من أجلها العقوبات إنما هي لتأديب من ارتكب العقوبة وحمايةً للمجتمع وحفظاً لحقوقه وليس للتشفي أو التنكيل أو الإنتقام ممن ارتكب الجرم، مما يعني أن العقوبات هي وسيلة لغاية نبيلة ألا وهي تصحيح الخطأ والمنع من تكراره، ولذلك قال الله عز وجل (ولكم في القصاص حياة ياأولي الالباب لعلكم تتقون)، البقرة ١٧٩
مما لا يخفى على الجميع أن القصاص في جرائم القتل هو إزهاق للروح في حقيقته والحياة ضد إزهاق الروح فكيف يكون في القصاص حياة؟
المقصود باعتبار مايؤول إليه الأمر، إذ أن القاتل إذا علم بالعقوبة سيرتدع وسيمتنع عن القتل وبذلك يحمي نفسه وغيره من إزهاق الروح، اذاً كما بينت فالعقوبات ليست مقصودة لذاتها وإنما القصد والهدف لتشريعها وسنها هو لحفظ الضروريات الخمس ( الدين والعرض والنفس والعقل والمال ) وهذا يقتضي بالضرورة أن العقوبات مصدر للأمن والطمأنينة
إذا تقرر ذلك فإنه ليس كل جريمة مستحقة للعقوبة بل قد يتم التخفيف فضلاً عن الإعفاء منها، وقد قال صلى الله عليه وسلم ( إدرؤا الحدود بالشبهات )
ومن الأمثلة على ذلك قصة المرأة التي أتت النبي صلى الله عليه وسلم معترفة بجريمة الزنا، وكيف تعامل معها عليه الصلاة والسلام ؟
أول ما يتبادر للذهن لأول وهلة أنه سيقيم عليها حد الرجم لأنها زانية محصٌنة جاءت بمحض إرادتها معترفة بذلك دون إكراه، غير أنه عليه الصلاة والسلام حوّل وجهه عنها كأنه لم يسمع شيئاً، ولما أخبرته بأنها حامل قال لها ( إذهبي حتى تضعيه ) نلاحظ هنا أنه لم يسأل عن إسمها أو عنوانها أو يطلب كفالتها من أحد ليضمن رجوعها إليه !.
ثم بعد ولادتها عادت للنبي صلى الله عليه وسلم فقال لها ( إرجعي وأرضعيه ) ثم مالبثت أن عادت حاملة طفلها وبيده قطعة خبزه، عند ذلك ولما رأى عليه الصلاة والسلام إصرارها العجيب على إقامة الحد بقولها ( طهرني يارسول الله ) أخذ عليه الصلاة والسلام طفلها وقال ( من يكفل هذا وهو رفيقي في الجنة كهاتين ) ثم أقيم عليها الحد.
نظراً لأهمية هذا الموضوع سأواصل الكتابة عنه في المقال القادم ، والحمدلله أولاً وآخر
سطام قادم الشمري
مستشار شرعي وقانوني
التعليقات 11
11 pings
إنتقل إلى نموذج التعليقات ↓
ابو احمد
10/30/2019 في 10:32 ص[3] رابط التعليق
ممتاز بارك الله لك بما انتفعت وبارك لك بما نفعت اشكرك على موضوع البناء
زائر
10/31/2019 في 3:49 م[3] رابط التعليق
جزاك الله خير
زائر
11/05/2019 في 8:12 ص[3] رابط التعليق
جزاك الله خير
زائر
10/30/2019 في 8:15 م[3] رابط التعليق
ما شاء الله مقال مميز في موضوعه وسلاسة طرحة
مثل تلك الموضوعات مهمة للطرح في وقتنا الراهن
بارك الله في علمك ونفع بك بإنتظار المقال القادم
زائر
11/02/2019 في 10:08 ص[3] رابط التعليق
جزاك الله خير
زائر
10/31/2019 في 7:14 ص[3] رابط التعليق
بارك الله بك ونفع بك وجزاك الله خير
كيف التواصل معك لدي عدة استشارات اخي الفاضل
ابو مالك
10/31/2019 في 9:46 ص[3] رابط التعليق
بارك الله فيك اخوي سطام
مقال رائع ومفيد للجميع
شكرا لك
زائر
10/31/2019 في 5:21 م[3] رابط التعليق
جزاك الله خير
زائر
11/07/2019 في 4:15 م[3] رابط التعليق
شكرا من الاعماق للمستشار القانونى ويليت تكون زوايه قانونيه او سوال وجواب للفائده
زائر
11/08/2019 في 4:48 م[3] رابط التعليق
الله يجزاك خير على الكلام الطيب .. الله يطرح بك البركه
أبو سامر
11/16/2019 في 1:48 ص[3] رابط التعليق
كلام رائع جدا ..
تقبل مروري المتواضع أبا تركي
وشكراً من الأعماق على كل ما تقدمه
من مواضيع مهمة ورائعه ..