في خضم الثورة التحولية الهائلة للاقتصاد الدائري منخفض الكربون الذي تخوض غماره حالياً المملكة ويقود زمامها شخصياً وزير الطاقة صاحب السمو الملكي الأمير عبدالعزيز بن سلمان الذي تعهد بعزم وحزم وبكل ثقة بنجاح هذا التحول المنتظر الذي تقدمه المملكة لصناعة الطاقة في العالم، إذ أُخذ بمحمل الجد والإقدام من كافة الدول المنتجة والمصنعة والهيئات الدولية المحذرة من التغير المناخي بسبب انبعاثات الصناعة وارتفاع درجة حرارة كوكب الأرض بنحو 1,5 درجة عما كانت عليه قبل النهضة الصناعية العالمية.
ويضع الأمير عبدالعزيز بن سلمان هذا الملف الإصلاحي لمخرجات منظومة الطاقة العالمية الذي تتبناه المملكة للتحاور والتباحث اليوم الخميس في المنتدى الاقتصادي العالمي، الذي تستضيفه مدينة دافوس السويسرية، في جلسة “الأولويات الاستراتيجية لرئاسة المملكة العربية السعودية لمجموعة العشرين 2020”. وحول هذا المفهوم كشف وزير الطاقة أن الكثير من الناس يتحدثون عن المصادر المتجددة باعتبارها مصدراً للطاقة فحسب ولكنها أيضاً مصدر لتنويع الاقتصاد، “ولذلك فإن تطلعاتنا فيما يتعلق بمصادر الطاقة المتجددة سواء كانت الطاقة الشمسية أو طاقة الرياح لا تنحصر فقط في تلبية الطلب المحلي الخاص بنا في المملكة ولكنها تتضمن أيضاً السعي للتصنيع والتصدير بكميات كبيرة إذا تمكنا من ذلك، إضافة إلى تطوير شركاتنا المحلية لكي نتأكد من أنها قادرة على المنافسة بنفس درجة مثيلاتها.
وعلى هامش المنتدى قال وزير الطاقة: إن هناك شكوكاً بشأن قدرة النفط الصخري الأميركي على إضافة مليون ب/ي هذا العام، مشيراً إلى أن أسواق النفط تفاعلت على نحو محدود مع أحداث مثل ليبيا بسبب الاستقرار الذي تضمنه أوبك+.
وتستعد المملكة بصفتها أكبر منتج ومصدر مستقل للنفط الخام في العالم للتحول نحو مزيج الطاقة، وأوضح سموه أن أول جزء من هذا الاستعداد هو التحول من مسمى وزارة البترول إلى وزارة الطاقة، وتمتع وزيرها بالسيطرة التامة على منظومة الطاقة بأكملها وما يتطلبه هذا من وضع استراتيجية للطاقة وتنفيذها، مضيفاً: “بصفتي وزيراً للطاقة لا عذر لعدم وضع استراتيجية للطاقة وتنفيذها مع كل الوسائل والممكنات التي يمكن لوزير الطاقة أن يمتلكها، وبالنسبة إلى الطريقة التي نتعامل بها مع استراتيجية الطاقة المستدامة ومنظومة الطاقة هو التأكد أيضاً من استعدادنا للتواصل مع العالم”. مشيراً إلى أن ما تمتلكه المملكة من هبات يختلف عما تمتلكه بعض الدول الأخرى، مشدداً: “يجب أن يكون المعنى الشامل لمصطلح أسواق الطاقة ماثلاً أمامنا على الدوام، وأن تكون لدينا فكرة واضحة عن الوجهة التي ينبغي أن نقصدها فيما يتعلق بمزيج الطاقة واستراتيجية الطاقة الخاصة بنا”.
ولكي تحقق هذه المنظومة بأكملها النجاح يتطلب تنفيذها بشكل شمولي، وقال سموه: تمتلك المملكة برنامجاً فعالاً لكفاءة الطاقة واتباع معاييرها، حيث يتعين على المملكة كمنتجة أن تكون نموذجاً يحتذى به لكيفية إنتاج الطاقة بطريقة تتسم بالكفاءة وبطريقة آمنة وملائمة من الناحية البيئية، كما يتعين عليها أيضاً أن تتسم بالكفاءة في استهلاك الطاقة مما تطلب ذلك إصلاحاً لأسعار الطاقة. وقال: “ولكننا ماضون تقدماً باتجاه تحقيق المزيد من كفاءة السيارات في المملكة وبحلول العام 2025 سنحقق نفس مستوى كفاءة السيارات مثلما هو موجود في الولايات المتحدة تقريباً”، مشيراً إلى أن المملكة قد غيرت جميع المعايير الخاصة بها بما يتضمن قوانين البناء للتأكد من تحقيق كفاءة المباني وجميع المرافق يتم تطويرها الآن لكي تتحول إلى منشآت ذات كفاءة أكبر.
وبين سموه: “كما نقوم بتطبيق الإصلاحات على جميع المصنعين لكي يكونوا أكثر كفاءة بل وحتى جميع أجهزة تكييف الهواء بالمملكة وجميع الثلاجات وجميع السيارات يتم تحسين كفاءتها، ونحن نمضي في هذا الاتجاه، والأكثر أهمية من هذا هو أننا نتحدث عن تطوير مزيج الطاقة الخاص بنا، حيث نستخدم المزيد من الغاز والمزيد من مصادر الطاقة المتجددة، ونحن نريد أن نكون جزءاً من الحل ليس هذا فحسب، بل بالمضي قدماً لإثبات فكرة أنه بصرف النظر عن نوع الطاقة التي تستخدمها فطالما أننا نقوم بتخفيف تأثيراتها، ونقوم بالتخلص من الانبعاثات الخاصة بنا والغازات المنبعثة منها سواء ثاني أكسيد الكربون أو الميثان أو أياً من مصادر الغازات المختلفة الأخرى التي يمكن أن تتسبب في التغير المناخي”.
وتقدم المملكة مفهوم الاقتصاد الدائري منخفض الانبعاثات الكربونية، وهو نظام الحلقة المغلقة الذي يشبه إلى حد كبير ما يحدث في الطبيعة، والذي سيكون عوناً على استعادة توازن دورة الكربون بالتزامن مع هذه الرؤية الجديدة الجريئة للتصدي لتغير المناخ، ولقد أتيحت للمملكة فرصة لتغيير النقاش حول المناخ سواء كجزء من توليها مهام رئاسة مجموعة العشرين على مدى العام الجاري 2020، أو في المجتمع الدولي على نطاق أوسع واتباع المملكة نهجاً يتضمن ويشجع بنحو صريح كافة الخيارات الممكنة للتخفيف من تأثيرات تغير المناخ، والتي أكدتها دراسات مدينة الملك عبدالله للدراسات والبحوث البترولية.
وعلى الرغم من أهمية مصادر الطاقة المتجددة وبقدر ما حققته من تقدم في السنوات الأخيرة، إلا أن قلة من المحللين يعتقدون أنه يمكن للعالم تحقيق هدف اتفاق باريس المتمثل في تحقيق توازن بين المصادر والمصارف بحلول العام 2050 من خلال مصادر الطاقة المتجددة وحدها، ولا محالة أن المسار العالمي الهادف لتحقيق توازن في الانبعاثات الكربونية سيتضمن الوقود الأحفوري وضرورة إدارة انبعاثاته الكربونية. ويعد مفهوم الاقتصاد الدائري منخفض الانبعاثات الكربونية إطاراً مفيداً لفهم الكيفية التي يمكن بها ربط جميع خيارات تخفيف الانبعاثات الكربونية معاً في نظامٍ يحقق الأهداف المناخية المنصوص عليها في اتفاقية باريس.
وعلى صعيد المنصة الاقتصادية الشتوية (دافوس) أكد رئيس المنتدى الاقتصادي العالمي، بورجه برنده، على أهمية استمرار انعقاد المنتدى في ظل التحديات العالمية، وعلى رأسها التوتر العسكري في الشرق الأوسط، والكوارث البيئية، وشبح الحروب التجارية.
وأوضح: “هذه التحديات، سواء كانت بيئية أو جيوسياسية أو متعلقة بالتصعيد في الشرق الأوسط هي تحديات شائعة، لكن التحدي الحقيقي الذي نواجهه اليوم، هو أننا نعالجها بشكل مجزأ للغاية. وفي دافوس، نجمع اللاعبين الأساسيين، ليس على المستوى الحكومي فحسب، وإنما من مجتمع الأعمال والمجتمع المدني، وذلك لتشجيعهم على التعاون أكثر. أعتقد أن هناك القليل من الحوار، والكثير من المواجهة في عالمنا اليوم”.
وعما إذا كان يتوقع أن يؤدي ازدهار السياسات القومية والانكفائية حول العالم إلى تهميش المنتدى، أجاب: “أعتقد أن دافوس سيصبح أكثر أهمية مع تراجع الحوار وارتفاع المواجهة، لأن المنتدى سيبقى منصة محايدة حيث يجتمع اللاعبون الدوليون. وحتى إذا اعتمدت الدول سياسات انكفائية وقومية، فإنها ستعتمد في الوقت ذاته على دول أخرى في الصادرات والواردات وغيرها”.
وأضاف: “في عصر العولمة، مشكلات الغير هي مشكلاتي، كيف يمكننا أن نتجاوز هذه المشكلات دون التعاون. تلوث المحيطات مثال جيد على ذلك، إذ إن البلاستيك الموجود في محيط إحدى الدول، سينتقل إلى الدول المحاذية، ثم إلى المحيط بأكمله… فالتلوث لا يحمل جواز سفر!”.
وحول المنتدى الاقتصادي العالمي لمنطقة الشرق الأوسط، الذي ستستضيفه المملكة للمرة الأولى بعد أشهر. قال: “نحن متحمسون جداً للتوجه إلى الرياض، للمرة الأولى منذ تأسيس المنتدى الاقتصادي العالمي قبل 50 عاماً، لعقد المنتدى الاقتصادي العالمي لمنطقة الشرق الأوسط في شهر أبريل، وسنبحث خلال المنتدى كيفية تطبيق تقنيات الثورة الصناعية الرابعة في الشرق الأوسط”.
واعتبر أن “أحد أوجه التناقض التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط اليوم، يكمن في وجود واقعين مختلفين: الأول هو واقع حروب ونزاعات، كتلك التي نشهدها في العراق وسورية واليمن. وواقع آخر غني بروح ريادة الأعمال، والنمو، والإصلاحات”.