في جملة من التحرّكات الأميركية الأخيرة، حاولت واشنطن ارسال رسائل تحذيرية تتصاعد حدّتها الى تركيا التي تتحوّل بزعامة رئيسها رجب أردوغان الى عامل مزعزع للاستقرار الإقليمي.
ويفسّر ديفيد بولوك، كبير الباحثين في معهد واشنطن الأميركي، زيارة بومبيو الاخيرة لليونان، وتحذيرات الكونغرس من الدور التركي في الصراع بين ارمينيا وأذربيجان، والتهديد بمعاقبة تركيا لشراء صواريخ (اس – 400) على أنها خطوة الى الأمام باتّجاه تغيير محور العلاقة الأميركية مع تركيا، على الرغم من مطالبات الدول المتضررة من السلوك التركي الأخير بأن تكون واشنطن أكثر حزماً مع تركيا وعبثها في المنطقة.
ويضيف بولوك، العرض الرمزي الذي قام به بومبيو والبحرية الأميركية إلى جانب اليونان، أوضح دعم أميركا لليونان التي يقف القانون الدولي أيضاً الى جانبها، ما دفع أردوغان إلى التراجع وسحب سفنه والإعلان عن استعداده للتفاوض، إلا أن الأمر لم ينته هنا فتركيا عادت للانشغال بجبهة جديدة ليعكس أردوغان التوجه القومي الجديد لتركيا الذي بات يعتمد على الخطاب الشعبوي والقومي المقامر بفتح جبهات لا نهاية لها.
ويرى بولوك، أن الولايات المتحدة تمتلك من الأدوات ما يكفي لوقف السلوك التركي المزعزع للاستقرار، فالقرار الأميركي بالتواجد العسكري في قاعدة عسكرية مع اليونان تبعد 600 ميل فقط من السواحل التركية هو رسالة شديدة اللهجة تحذّر تركيا، ورأينا أن تركيا تراجعت أمام التلويح بالقوة الأميركية وهو ما يعكس الوضع المأزوم للزعيم التركي الذي بات كلامه خطابات وشعارات لا تنبع من قوة حقيقية.
وكانت الولايات المتحدة قد أرسلت السفينة Hershel “Woody” Williams الى خليج “سودا” الذي كان قد اقترح أعضاء في الكونغرس الأميركي أن تكون بديلأً عن قاعدة “انجرليك” المتواجدة في تركيا وهي بالقرب من منطقة أرسلت تركيا إليها سفن كانت مهمتها إجراء مسح عام للمنطقة للتنقيب عن الغاز.
ويقول الكاتب “جيرمي كليف” المختص بالشؤون الدولية، أن غرق تركيا في عدد من الصراعات والجبهات هو الوصفة الممتازة لدفن حلم أردوغان بتحويل تركيا إلى قوة اقليمية، فلطالما كرر أردوغان رغبته بجعل تركيا واحدة من أكبر عشر قوى عالمية عبر زيادة نفوذ بلاده في عدد من الملفات الدولية، إلا أن هذا الطموح لا يتحقق من خلال فتح صراعات غير منتهية في سورية وليبيا وبحر ايجة بالاضافة الى الاطماع بالتنقيب عن الغاز والنفط بشكل غير قانوني رغماً عن الجيران، واتهام الإمارات بخيانة فلسطين في ادعاء تركي يدعو للسخرية في ظل العلاقات التركية الاسرائيلية القديمة والمتجذّرة.
ويضيف كليف، طموحات أردوغان تذكّرنا بكل القادة عبر التاريخ الذين قادوا بلدانهم الى الانهيار، فكل صراع دخلت فيه تركيا يشكّل خطراً حقيقياً يهدد الأمن القومي لتركيا، ويهدّد الاقتصاد والتنمية التركية، فالحرب الأذربيجانية – الأرمينية والدور التركي الخطير فيها يجلب المزيد من زعزعة الاستقرار الى منطقة القوقاز الأمر الذي سينعكس سلباً على تركيا.
ويرى كليف، أن الجبهات التركية المفتوحة لا تعزز طموح أردوغان بتحويل تركيا الى قوة عالمية مؤثرة، بل تقوّض هذه الرغبة وتقوّض عوامل إيجابية أخرى كانت تملكها تركيا الاقتصاد التركي الذي نراه اليوم يتعرض لهزة تلو الأخرى سيكون من المستحيل الخروج منها على الرغم من الدعم القطري السخي لتركيا والليرة التركية.
ويضيف، أحد أهم عوامل قوة الدول المؤثرة هي علاقاتها السياسية والعسكرية والاقتصادية، وما نشهده اليوم من أزمات تحيط بالعلاقة التركية مع عدد غير محدود من الدول يقود تركيا إلى عكس ما تصبو إليه، فإقامة قاعدة عسكرية في الصومال واقامة علاقة واسعة مع قطر لن يغطّي على فشل وخسارة أردوغان لعلاقته مع السودان بعد تغيّر الحكم فيها، وتأزم علاقته مع الدول الخليجية عدا عن أزماته مع أرمينيا وفرنسا واليونان.
ويقول كليف، تركيا لم تتمكن من الموازنة بين العلاقتين الروسية والأميركية بل خاطرت بخسارة أميركا والغرب من خلال شرائها صواريخ اس – 400، وهي اليوم مهددة بتطبيق عقوبات أميركية قاسية ضدّها خاصة اذا ما وصل جو بايدن الى الرئاسة والذي كرر تحذيراته للزعيم التركي ووصفه بالديكتاتور وصرّح بأنه لم يعد صديق أو حليف ويجب اعادة تقييم العلاقة مع تركيا بسبب سلوك أردوغان.
قام عدد من أعضاء الكونغرس الأميركي الأسبوع الماضي بوقفة تضامنية مع ما تتعرض له أرمينيا، مندّدين بالدور التركي التخريبي الذي بات يستخدم الارهابيين من المقاتلين السوريين كأداة للتدخل زعزعة الاستقرار في الدول.
ودعا عضو مجلس الشيوخ الأميركي، برب مينانديز الى تطبيق أقصى العقوبات على تركيا بسبب سلوكها الخطير المصدّر للإرهاب.
وقال عضو الكونغرس، باول كريكوريان، أنه كممثل للأميركيين وأرمني الأصل يشعر بما تشعر به الأكثرية الأرمنية البالغة نسبتها 95 بالمئة من سكّان أرتساخ، حيث ترزح تحت عدوان أذربيجان وتدخّل تركيا الخبيث المصعّد للصراع عبر ارسال الارهابيين لاستهداف المدنيين.
مضيفاً، رجب أردوغان بات مسؤولاً عن مقتل الآلاف من الأبرياء والمدنيين في الشرق الأوسط والقوقاز، وعلينا أن نتوحّد مع الحكومة الأميركية لوقف التحريض التركي الخطير للحروب والنزاعات والعنف وتحميل أردوغان مسؤولية الجرائم التي لم يعد لها نهاية، وباتت تبريرها والتغاضي عنها أمر غير مقبول.
وأضاف، هناك ابادات تحدث اليوم وتتكرر كما حدثت في الماضي بدفع من تركيا وبدور مباشر من رئيسها أردوغان.
وشارك محافظ لوس انجلوس في الوقفة التضامنية مع أرمينيا، معرباً عن معارضة كل ما يصبو اليه أردوغان للقيم الأميركية، ومشيراً إلى السلوك التركي الأخير الذي يعيد إلى الأذهان الابادات التي حدثت في الماضي.
وقال عضو الكونغرس آدم شيف؛ الرئيس الأذربيجاني وهو سياسي فاسد، ويواجه قضايا فساد تتراجع شعبيته في الداخل، اختار تأجيج المشاعر القومية وهرب من الاصلاح الداخلي الى شن الحروب وفتح الجبهات بمعونة رجل آخر غارق سياسياً وهو أردوغان.
مضيفاً، نحن اليوم نجتمع هنا كأعضاء من الحزبين الجمهوري والديموقراطي للتحرك لمواجهة المسار التركي الجديد الذي يعتمد على تجنيد الارهابيين وارسالهم من سورية الى دول في المنطقة.
وقال شيف، تركيا لا تتصرف كعضو في الناتو، وتستعين بالإرهاب لمواجهة الدول الأخرى، فأي نوع من الحلفاء هي تركيا اليوم؟
وطلب شيف من الإدارة الأميركية أن تكف عن مخاطبة جميع أطراف الصراع على حدّ سواء، مؤكداً على ضرورة مواجهة الدور التركي السلبي في أذربيجان والشرق الأوسط.
وقال ارام هامبيريان، ممثل المجلس الأرمني الأميركي لجريدة الرياض أن العدوان التركي يتوسّع، وكل ضحايا العدوان التركي في المنطقة اليوم يحشدون الجهود لمواجهة العدوان التركي ودعوة الولايات المتحدة لمعاقبة تركيا والعمل بشكل جدي على أجندة جديدة تجاه تركيا في وقت تتحوّل فيه الى عامل خطير ومعادي للاستقرار في العالم.