قطاع البتروكيميائيات من أهم القطاعات في السوق السعودية على مدى سنوات سابقة وكان الداعم الأبرز لربحية السوق، ولكن خلال العام الماضي والنصف الأول من هذا العام تعرض القطاع لضغوط شديدة أثرت على مستويات الربحية بل حقق القطاع خسائر لثلاثة أرباع متتالية بدءاً من الربع الرابع 2019 وحتى الربع الثاني من العام الحالي، وبنظرة شمولية للقطاع نجد أن هنالك عدة أسباب ساهمت في انخفاض الأرباح وصولاً إلى تحقيق خسائر، لعل أهمها هو: ضعف الطلب على المنتجات البتروكيميائية وخصوصاً مع انتشار فيروس كورونا الذي ضرب في البداية الصين وتسبب في إغلاقات شاملة في بعض المقاطعات الصينية ومنها مقاطعة هوبي وعاصمتها مدينة ووهان التي تعتبر مركزاً رئيساً للصناعة والاقتصاد في وسط الصين، وهذا الإغلاق بلا شك تسبب في تراجع تصدير منتجات الشركات البتروكيميائية السعودية إلى الصين وفقد أهم سوق لها، وبعد انتشار الفيروس في العالم تحول المرض إلى جائحة نتج عنها أزمة اقتصادية عالمية وانكماش في الناتج المحلي الإجمالي لمعظم الدول وخصوصاً الدول الصناعية الكبرى المستهلك الأكبر للمنتجات البتروكيميائية، أما السبب الثاني في تراجع أرباح الشركات هو: قوة المنافسة في هذا القطاع عالمياً وتراجع الأسعار ولذلك أثرت بشكل واضح على ربحية الشركات، السبب الثالث في تراجع أرباح الشركات هو: ارتفاع كلفة التمويل مع الزيادة التي تمت على أسعار الفائدة خلال العام 2018، وبسبب حجم التمويل العالي لدى الشركات فقد أثر رفع سعر الفائدة على زيادة مصاريف التمويل.
في الربع الثالث من العام الحالي 2020 عادت الشركات إلى تحقيق أرباح وإن كانت الأرباح أقل بكثير من الأعوام السابقة إلا أنها تؤشر إلى بداية تعافي القطاع، ولعل أهم الأسباب التي ساهمت في تحقيق الأرباح هي انخفاض كلفة التمويل بنسبة 54 % مقارنة مع نفس الفترة من العام السابق، ويعود السبب إلى خفض أسعار الفائدة لتحفيز الاقتصاد بعد أزمة كورونا الاقتصادية، بالإضافة إلى عكس سابك مخصص انخفاض في قيمة بعض الأصول المالية بالصافي بمبلغ 690 مليون ريال سعودي، وأيضاً تعافي الطلب جزئياً خلال الربع الثالث مع زيادة في أسعار اللقيم فقد ارتفعت أســعار النافثا اليابانية والأوروبية بأكثر من45 % في الربع الحالي على أســاس ربع الســنوي، فيما ارتفعت أســعار البروبان والبيوتان اليابانية بنحو 12% في الربع الثالث مقارنة بالربع الثاني.
النظرة المستقبلية للقطاع جيدة في ظل ظهور مؤشرات جيدة لزيادة الطلب على المنتجات البتروكيميائية مع قرب إنتاج لقاح خلال الشهرين القادمين، وخصوصاً لقاحي شركة فايزر ومودرنا اللذين أثبتتا فاعليتهما بنسبة 95 %، وقبل ذلك تعافٍ شبه كامل للاقتصاد الصيني أهم مستورد للمنتجات البتروكيميائية، كما أن أرقام الاقتصاد الياباني تشير إلى عودة نمو النشاط الاقتصادي، وكذلك كوريا، والهند، وهذه الدول الأربع من أهم الدول المستوردة للنفط السعودي والمنتجات البتروكيميائية، والمملكة استثمرت في هذه الدول مليارات الدولارات من خزن استراتيجي للنفط إلى مصافٍ ومصانع بتروكيميائية من أجل الوصول إلى هذه الأسواق وخفض الكلفة وزيادة فرص المنافسة، ومازال هنالك المزيد من الاستثمارات السعودية في هذا المجال خلال السنوات القادمة لزيادة الدخل وتنويع المصادر، وهذه الاقتصادات متوقع أن تحقق قفزات هائلة خلال السنوات القادمة، والشراكات الاستراتيجية التي عملت عليها حكومة المملكة مع هذه الدول تعزز الاستدامة المالية للدولة.
أعتقد أن الشركات البتروكيميائية السعودية تحتاج إلى تغيير استراتيجياتها المستقبلية لمواجهة التحديات والمنافسة الشرسة في هذا المجال، والحقيقة أن هنالك تحرك خلال العامين الماضيين وقد نشهد تحركات أكثر خلال الأعوام القادمة، ودخلت شركة أرامكو كلاعب أساسي في الصناعة البتروكيميائية من خلال شراكاتها مع أهم المنتجين سواء مع الشركات العالمية مثل داو كيميكال من خلال شركة صدارة أو مع شركة سوميتومو كيميكال من خلال شركة بترو رابغ أو مع شركة توتال الفرنسية، وداخلياً من خلال استحواذ أرامكو على حصة 70 % من شركة سابك وهذه الصفقة سوف تعزز قدرة قطاع البتروكيميائيات السعودي على المنافسة عالمياً، كما أنه مهم لشركة أرامكو التي ستتحول إلى أكبر الشركات العالمية التي تستثمر في المنبع والمصب معاً، أخيراً تم الانتهاء من إجراءات استحواذ شركة سافكو على شركة سابك للمغذيات الزراعية وهذا مهم جداً من أجل تطوير صناعة الأسمدة في السعودية وقدرتها على منافسة الشركات العالمية.