أوصى فضيلة إمام وخطيب المسجد الحرام الشيخ الدكتور بندر بليلة المسلمين بتقوى الله جل شأنه.
وقال في خطبة الجمعة اليوم بالمسجد الحرام: إنه لا خَلاصَ إلا لأهل الإخلاصِ، ومن لم يُخلِصْ ذهبَ عملُه هَباءً، وضاعَ سعيُه جُفاءً.. فأخلِصْ-عبدَ اللهِ- تُخلَصْ.. واحفظِ اللهَ يحفظْكَ، احفظِ اللهَ تجدْه تُجاهَك.. تعرَّفْ إلى اللهِ في الرَّخاءِ يعرفْك في الشِّدَّة.. وإذا سألتَ فاسألِ الله، وإذا استعنتَ فاستعنْ بالله.. واعلمْ أنَّ الأمة لو اجتمعتْ على أن ينفعوك بشيء؛ لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، وإن اجتمعوا على أن يضرُّوك بشيءٍ؛ لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك.. رُفِعَتِ الأقلامُ وجفَّتِ الصُّحُفُ.
وأكد الشيخ بندر بليله أنه ليسَ للآدميِّ شرفٌ يعدِلُ معرفةَ اللهِ تبارك وتعالى ومحبَّتَه وتوحيدَه، فهو بغير إلهه وربِّه لم يكن شيئًا مذكورًا، وبفضله وإنعامه خلقه من العدَم، وعلَّمه بالقلَم، علَّم الإنسانَ ما لم يعلَمْ.. فلمَّا أوجده سبحانه وعلَّمه وفهَّمَه، وخلق كلَّ شيءٍ له، ونصب له دلائلَ معرفته، وشواهدَ وَحْدانيَّته، أمرَه أن يُخلِصَ له التَّوحيدَ، ويفردَهُ بالعِبادَةِ، وينقادَ له بالذُّلِّ والطَّاعةِ، فكانَ أوَّلُ واجبٍ افترضه عليه أن يكون هو سبحانه معبودَه وإلَـهَه كما كان هو ربَّه وخالقَه ومصوِّرَه ومُبدعَه.
وبين أنه قد كانَ من شأنِ البشريَّة مع هذا المطلَب العظيمِ -بعد أنْ جبلهم ربُّهم عليه وأمرهم به، وأنزل أباهم آدمَ إلى الأرض على صريح التَّوحيدِ- أنْ ظَلَّتْ تَرِدُ من هذا الشِّربِ الرَّويِّ، والمنهلِ العذبِ الهَنيِّ قرونَ عددًا، لا تعرِفُ غيرَ ربِّها إلهًا، ولا تَذِلُّ أعناقُها لسواهُ معبودًا، حتَّى اجتالتْهم الشياطينُ وزيَّنتْ لهم الشِّرك واتِّخاذَ الأندادِ مع اللهِ، كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم عن ربِّه: «إنِّي خلقتُ عبادي حُنفاءَ كلَّهم، وإنَّهم أتتْهم الشياطين فاجتالتْهم عن دينهم، وحرَّمتْ عليهم ما أحللتُ لهم، وأمَرَتْهم أن يشرِكوا بي ما لم أُنَزِّلْ به سلطانًا»، فكان الخلقُ مجتمعِينَ على صَفاءِ هذا التوحيد حتى انحرفتْ فِطَرُهم، فبعث اللهُ الرسل إليهم ليعودوا بفِطَرهم سِيرتَها الأولى، فيخلصوا لله الدِّينَ، ويجرِّدوا له التوحيد، فدارتْ رحى الشَّرائع من بعدُ على هذا التَّوحيدِ، الذي هو لُبابُ الرِّسالاتِ السماويَّة، وخلاصةُ الملَّة الحنيفيَّة، وغايةُ بعثة الرُّسل، وإنزال الكتب.
وأوضح أن الله قد أبطل الانتسابَ إلى غير ملَّته, وأنه لمَّا كان الخلقُ متفاوتين في تحقيق التوحيد.. علمًا وعملا وحالا، كان أكملَهم توحيدًا الأنبياء والمرسلون، وأكملُهم أولو العزمِ من الرُّسل، وأكمل أولو العزمِ الخليلانِ: إبراهيم ومحمد عليهما الصلاة والسلام؛ فإنهما قاما من التوحيد بما لم يقُم به غيرهما علمًا وعملا وحالا، ودعوةً للخلق وجهادًا، ولهذا أمر الله نبيَّه محمدًا أن يتَّبعَ ملَّة إبراهيم عليه السلام، وكان صلى الله عليه وسلم يعلِّمُ أصحابَه إذا أصبحوا أن يقولوا: «أصبحنا على فطرة الإسلام، وكلمة الإخلاص، ودين نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، وملة أبينا إبراهيم حنيفا مسلما وما كان من المشركين».
وأضاف: فمِلَّةُ إبراهيم: التَّوحيدُ. ودينُ محمَّدٍ.. ما جاء به من عند الله قولا وعملا واعتقادا، وكلمة الإخلاصِ شهادة أنْ لا إلهَ إلا اللهُ. وفِطرة الإسلامِ ما فطر الله عليه عبادَه من محبته وعبادته وحده لا شريكَ له، والاستسلام له عبوديَّةً وذُلًّا، وانقيادًا وإنابةً.
وأشار إلى أن القرآنُ العظيمُ مملوءٌ من ذكر التوحيد والدعوة إليه، وهما توحيدانِ.. توحيد المعرفة والإثبات، وتوحيد القصد والطلب.. فأما الأول فهو إثباتُ تفرُّدِ الرب تبارك وتعالى بنعوت الجلال والكمال في الذات والأسماء والصفات والأفعال, والثاني هو تجريدُه تبارك وتعالى بخالصِ العبادة التي هي غاية الذلِّ مع غاية الحبِّ في سائر الأحوال.
وأشار إلى قول الإمام ابن القيم رحمه الله.. «غالبُ سور القرآن – بل كل سورة في القرآن – فهي متضمنة لنوعي التوحيد، بل إنَّ كلَّ آيةٍ في القرآنِ هي متضمِّنةٌ للتوحيد، شاهدةٌ به، داعيةٌ إليه، وذلك؛ أنَّ القرآنَ: إما خبر عن الله وأسمائه وصفاته وأفعاله، فهذا هو التوحيدُ العِلميُّ الخبريُّ، وإمَّا دعوةٌ إلى عبادته وحده لا شريك له، وخَلعِ كلِّ ما يُعبَدُ من دونه، فهو التوحيدُ الإراديُّ الطَّلبيُّ، وإمَّا إلزامٌ بطاعته وأمره ونهيه، فهذه حقوق التوحيد ومكمِّلاتُه، وإمَّا خبرٌ عن إكرامه لأهل توحيده وطاعته، وما فعل بهم في الدنيا، وما يكرمهم به في الآخرة، فهذا هو جزاء توحيده، وإمَّا خبرٌ عن أهل الشرك وما فعل بهم في الدنيا من النَّكال، وما يحِلُّ بهم في العُقبى من العذاب، فهذا هو جزاء من خرج عن حكم التوحيد.
وشدد فضيلته على أن القرآنُ كلُّه في.. التوحيدِ، وحقوقه، وجزائه، وفي الشرك، وأهله، وجزائهم، توحيدٌ متضمنٌ سؤالَ الهداية إلى طريقة أهل التوحيد الذين أنعم الله عليهم.
وقال: “شهد الله عزَّ وجلَّ لنفسه بهذا التوحيد، وشهدت له به ملائكته وأنبياؤه ورسله، فكانت أجلَّ شهادة وأعظمها وأعدلها وأصدقها، من أجلِّ شاهدٍ، بأجلِّ مشهودٍ به… وذلك لأنَّها شهادة جامعةٌ للتوحيد والعدل، فهو سبحانه قائمٌ بالعدل في توحيده، وقائم بالوحدانية في عدله، وبالعدل والتوحيد يلتئم الكمالُ, فإنَّ التوحيد يتضمَّنُ تفرَّدَهُ تعالى بالكمال والجلال والمجد والتعظيم الذي لا ينبغي لأحدٍ سواه. والعدل يتضمن وقوعَ أفعاله تبارك وتعالى على السداد والصواب وموافقة الحكمة, فهذه الشهادةُ أعظم شهادة على الإطلاق، وإنكارها وجحودها أظلم الظلم على الإطلاق. فلا أعدلَ من التوحيدِ، ولا أظلمَ من الشِّرك.
وأوضح الشيخ بندر بليلة أنَّ حقيقةَ التوحيد إخلاص الدين لله وهو لا يقوم إلا على الجمع بين طرفي الإثبات والنفي, فأما الإثبات، فهو أن تقرَّ لله تعالى بإلهيَّته والنفي.. أن تنفي إلهيَّة ما سواه وبذلك تعبده تاركًا لعبادة غيره، وتحبُّه معرضًا عن محبَّة غيره، وتخشاه مُبعَدًا عن خشية من سواه، وكذلك لا تستعين إلا به، ولا تتوكل إلا عليه، ولا تتحاكم إلا إليه، ولا تدعو إلا إياه، ولا ترغب فيما سواه، وكمال هذا التوحيدِ: ألا يبقى في القلبِ شيءٌ لغير الله أصلا، بل يبقى العبدُ مواليًا لربِّه في كل شيءٍ، يحبُّ ما أحبَّ، ويُبغض ما أبغض، ويوالي من يواليه، ويعادي من يعاديه، ويأمر بأمره، وينهى عن نهيه, فهذا هو أول الدين وآخره، وظاهره وباطنه، وذروة سنامه وقطب رحاه.
وفي المدينة المنورة أوصى فضيلة إمام وخطيب المسجد النبوي الشيخ أحمد بن طالب المسلمين بتقوى الله تعالى، مبيناً أن منشور الولاية يستخرج من معدن الرسالة فمن وعى الوحي استغنى به عن غيره ومن فاته الوحي لم يغن عنه غيره، قال جل من قائل: ((أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ )).
وأوضح فضيلته أن من علامات إعراض الله عن العبد اشتغال العبد بما لا يعنيه، وقال: “آية ما لا يعنيك أنْ لو أمسكت عنه لم تأثم ولم تَضرَّرْ في حال ولا مآل ولا يَعْنيك إلا ما أعانك في دنياك أو أخراك، ففي الحديث قال صلى الله عليه وسلم ( من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه).
وتابع يقول: “إن من ذهبت ساعة من عمره في غير ما خلق له لجدير أن تطول حسرته على نفسه، مشيراً إلى أن العلم المجرد لا يأخذ باليد، فالتعرض لرحمة الله لا يكون إلا بالعمل، ولو حمل العبد في قلبه من العلم ما حمل فإذا طاحت العبارات، وفنيت الإشارات، لم ينفع الإنسان إلا الركعات التي يركعها لله ووجب الإعراض عمن تولى عن ذكر الله قال تعالى: (( فَأَعْرِضْ عَن مَّن تَوَلَّى عَن ذِكْرِنَا وَلَمْ يُرِدْ إِلَّا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا ))، وفي الحديث قال صلى الله عليه وسلم ( إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له ).
وأشار فضيلته إلى أن الإسلام مبني على الشهادتين ، والصلاة والزكاة والصيام، وحج بيت الله الحرام، فمن وطد الأركان شيّد البنيان ومن رق منه العمل أقام على وجل ومن وهت عمدانه هوت حيطانه.