أوصى فضيلة إمام وخطيب المسجد الحرام الشيخ الدكتور سعود الشريم المسلمين بتقوى الله عز وجل في السر والعلن ابتغاء مرضاته سبحانه وتعالى والبعد عن سخطه.
وقال فضيلته في خطبة الجمعة اليوم : لقد خلق الحكيم الخبير الرجل والمرأة، وجبلهما على غرائز تخص كلا منهما وغرائز يشتركان فيها من ميل أحدهما إلى الآخر، وحد لذلك الميل حدودًا محكمة محاطة بسياج منيع يحفظ به عرض كل واحد منهما باعتباره حقًا لا يجوز اعتراضه ولا سلبه، وجعل الله هذا العرض إحدى الضرورات الخمس التي أجمعت الملل على حفظها وفي مقدمتها ملة الإسلام.
وأضاف فضيلته: إن من المقرر بداهة أن الأخلاق عماد الأمم، وركيزة من ركائز ازدهارها وحضارتها، وهي حلقة وصل بين تراثها العريق ومخرجاتها الحديثة، وإنه متى تسلل إلى مجموعها ما يثلم تلكم الأخلاق أو يكدر الصفو فإنها بذلكم تؤخر يوم الرقي ولا تقدمه، وتفرقه ولا تجمعه؛ إذ لا قيمة لرقي مادي يكون خلوا من مناعة روحية ومدافعة أخلاقية، لا سيما إذا كانت ذات صلة بأعراض الناس وشرفهم، وإن الرامق ببصره في واقع المجتمعات اليوم إبان تزاحم خانق لنوازل الحياة والمتطلبات الاجتماعية، ليجد ظاهرة ضاربة بأوتادها في أوساطهم بين مقل منها ومكثر، إنها ظاهرة منغصة، وآفة مفسدة شغلت أذهان ذوي العلم والتربية والحقوق، واستنفرت همم أهل الاختصاص الأمني والعدلي، وأشعلت وسائل التواصل الاجتماعية والإعلامية في كثير من المجتمعات بين شجبها وتسبيبها وطرح الحلول لها، إنها ظاهرة جديرة بالعناية الجادة، والاهتمام العميق للسيطرة عليها والزم عن الوقوع في أتونها وسوء مغبتها، إنها ظاهرة التحرش بالأعراض.
وبين إمام وخطيب المسجد الحرام أن التحرش الذي هو الاعتداء على الطرف الآخر رجلاً كان أو امرأة بالإشارة أو الإيماء بغمز أو نظرة فاحصة لجسم المتحرش به، أو ملامسته أو التلفظ عليه صراحة أو كناية بما يدل على الرغبة في ارتكاب ما يهتك عرضه وشرفه بإشباع المعتدي عواطفه وغرائزه تجاه المتحرش به والتحرش بهذا المفهوم: جريمة خبيثة وظاهرة عالمية ماثلة يوليها كل مجتمع اهتمامًا بالغًا ودراسة فاحصة لإيجاد العلاج الناجع لها والنظام الرادع؛ نظراً لتسارع شيوعها في أماكن المجتمعات العامة والخاصة، حتى إنها لتمتد مخالبها في بعض المجتمعات إلى أن تطال محارم المتحرش نفسه أعاذنا الله وإياكم من ذلك.
وأكد الدكتور الشريم أن التحرش ليس مختصًا بالمرأة وحسب وإن كان هو الغالب في الواقع، بل إنه يكون بالرجال أيضًا، وربما تجاوزهما ليصل إلى الصبيان والأطفال فهو نبتة مغروسة لدى بعض الأفراد ذكورًا وإناثًا ممن أفئدتهم هواء، ولم يعمرها وازع ديني ولا سمت عرفي ولا خلق فطري ذوق عام، حتى يستحكم عليهم مفهوم خداج لا خطام له ولا زمام، يؤزهم على أن يفعلوا ما شاؤوا ومتى شاؤوا وكيف شاؤوا، إبان التياث مبدأ العفة والاحترام لديهم بسبب الجهل أو الانهماك في المغالطات، وإبان تلاشي أثر رعاة الأسر من الآباء والأمهات، وقلة التوعية والإرشاء تجاه مخاطر تلكم الآفة من ذوي الاختصاص بشتى أنواعهم وتخصصاتهم، فتكون النتيجة المترتبة على ذلكم عدم اقتصار أضرارها الحسية والمعنوية على الفرد وحسب، وإنما تعم أسرته التي هي جزء من المجتمع، ومن ثم يتسلل أثره لواذًا ليجتاز نطاق الأسرة إلى المجتمع برمته.
ومضى فضيلته قائلاً: إن التحرش رقية الزنا، وهو صيال غريزي وتخمة شهوانية في المتحرش ناتجة عن خطأ الجنسين كليهما حين يكون أحدهما في الأماكن العامة لا يبالي بحقوق الآخرين، وربما كان بهيئة خارجة عن حدود الاعتدال الأخلاقي تأخذ بلب الطرف الآخر فتجره إليه بخطام الفتنة بعد أن كان يسير وشأنه لا يلوي على شيء من ذلكم، وتلكم الهيئة: تعد دون ريب نوع تحرش وإن لم ينطق به لسان المتحرش أو لسان المتحرشة، ثم إن التحرش على ما ذكر ليس بمعف المتحرش به عن المسؤولية، إن كان قد بدر منه ما يستجلب تحرش الآخرين به، كما أنه في الوقت نفسه ليس مبررًا للمتحرش غلطته التي قام بها، فإن لكل من الاثنين ما اكتسب من الغلط، والتبعة الكبرى في ذلكم تكون على المتسبب منهمًا.
وأشار إلى أنه يجب التصدي للتحرش ودفعه قبل أن يقع، من خلال إذكاء حرمة العرض وأثر العفاف على دين المسلم ودنياه وسلامة مجتمعه لئلا يبغي أحد على أحد، وكذلكم رفعه بعد حدوثه بإنزال العقوبة الرادعة على مرتكبه، ولا يستخف بإيماءات التحرش أو يستهونها من استحضر حرمة عرضه وعرض غيره، والتحرش لا يلزم أن يكون داعيه غرض غريزي أو رغبة في الشهوات، فقد يحل بلاء وافتتانًا يصاب به من استوحش قلبه ألا إن من المقرر شرعًا وعقلاً وواقعًا: أنّ حكم شريعة الإسلام ثابت تجاه التحرش لا يتغير ولا يتبدل بمرور الزمن، ولا بتغير المكان؛ إذ إن نظرتها لهذا السلوك المشين صلبة لا تنثني فهي تعده اعتداء صارخًا على عرض الغير، فرتبت عليه عقوبات خلدتها دواوين الفقه والعقوبات، وبينت دور السلطان وأثره في تهيئة ما يحمي به ضرورة العرض المجمع عليها في جميع الملل، وإن المرء ليسر حين يرى حرص من ولاهم الله أمر المسلمين بمتابعة مواقعي التحرش وسن ما من شأنه كبح جماحهم وأطرهم على عدم المساس بأعراض الناس أطرًا، فإن من عظمة الشريعة الغراء رعايتها حقوق العباد والارتقاء بها إلى درجة الواجبات المحاطة بالوسائل التي تحفظها، وجعلتها مقدمة على حقوق الله المحضة؛ لأنها مبنية على التسامح والعفو، بخلاف حقوق العباد المبنية على المشاحة والتنازع التي لا تبرأ فيها الذمة إلا بعفو صاحبها أو أداء الحق إليه؛ لذا جاءت في شرعنا المطهر الأوامر والنواهي لحفظ العرض، فكان منها ما يتعلق بالفرد كقول الله تعالى (وَلا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ)،وكان منها ما يتعلق بالمجموع كقول الرسول صلى الله عليه وسلم لأصحابه يوم النحر: ” إن دماءكم، وأموالكم، وأعراضكم، وأبشاركم، عليكم حرام، كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا ” رواه البخاري ومسلم.
وأكد إمام وخطيب المسجد الحرام أن من تكامل شريعة الإسلام عدم معارضتها عقلاً صحيحًا، بل إنها تلجأ إلى المحاورة العقلية إذا لزم الأمر، وكان الإقناع من خلالها أمضى من مجرد إملاء النص على المتلقي دون استيعاب حكمه ودلالته.
وبين فضيلته أن العفة خلق منشود، حض عليه رب العباد في محكم تنزيله فقال (وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّى? يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ)، أي: ليطلب العفة عن الحرام حتى يغنيه الله والعفة خلق رفيع ينبغي أن يتحلى به كل من أراد أن يخطم شهواته ورغباته عن أن تخبط خبط العشراء حتى لا يقع المرء فيما لا تحمد عقباه، فإن العفة خير كلها حتى للزاهد في الشهوات والغرائز كما قال تعالى(وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاءِ اللَّاتِي لا يَرْجُونَ نِكَاحًا فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَنْ يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ وَأَنْ يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَهُنَّ) ألا فليتأمل كل من تنساق نفسه إلى زوابع التحرش لو أن ملك الموت أتاه ليقبض روحه أكان يسره أنه قضى حاجته من التحرش؟ ولو أدخل قبره فأجلس للمساءلة أكان يسره أنه قضى تلك الحاجة؟ ولو أن الناس أعطوا كتبهم فلا يدري أيأخذ كتابه بيمينه أم بشماله، أكان يسره أنه قضى حاجته تلك؟ ولو أراد المرور على الصراط فلا يدري أينجو أم لا، أكان يسره أنه قضى تلك الحاجة؟ ولو جيء بالموازين وجيء به لا يدري يخف ميزانه أم يثقل، أيسره أنه قضى تلكم الحاجة ولو وقف بين يدي الله تعالى للمساءلة، أكان يسره أنه قضى حاجته تلك ألا فليتق الله كل مسلم ومسلمة وليستحضروا في نفوسهم حدود الله لئلا يعتدوها.
واختتم الدكتور الشريم خطبته بالتاكيد أن على كل مسلم ومسلمة أن يعظما عرض كل واحد منهما، وأن يحترما الذوق العام ومشاعر الآخرين المبنية على الانضباط في مجامع الناس التي تشترك في الحقوق العامة والخاصة // وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها //.
وفي المدينة المنورة أوصى فضيلة إمام وخطيب المسجد النبوي الشيخ الدكتور عبدالباري بن عواض الثبيتي في خطبة الجمعة اليوم، المصلين بتقوى الله، قال الله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ)، دعاء قرآني عظيم جامع كامل بكلمات معدودة ومعان شاملة جمع الدعاء كل خير في الدنيا وأبلغ مطلوب في الآخرة وصرف كل شر ورد في كتاب الله ( وَمِنْهُم مَّن يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ)، يقول أنس بن مالك رضي الله عنه قال: كان أكثر دعاء النبي – صلى الله عليه وسلم – “اللهم ربنا آتنا في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار”.
وأوضح الشيخ الثبيتي أنه حين نتأمل هذا الدعاء وما حواه من فصاحة وبلاغة تتجلى لك علاقة التكامل بين الدنيا والآخرة في منظور الإسلام وأنه لا تعارض بينهما فالدنيا طريق والآخرة الغاية الدنيا غرس وبناء وتنمية والآخرة حصاد وجني للثمار اليانعة الدنيا محطة الاستزادة وبذل الإحسان والآخرة الجزاء ونيل الإحسان الدنيا دار ممر وعبور والآخرة سرور وحبور والتوازن بينهما منهج العقلاء وطوق النجاة، مبيناً أن السائر إلى ربه يعرف قدر الدنيا والآخرة وينزلهما في قلبه منزلتهما اللائقة بهما فهو يسأل ربه حسنة الدنيا أحسن ما فيها لكن قلبه ممتلئ باستحضار الآخرة التي هي مقصده ومآله وموجه أفعاله وأقواله وفيها الفوز العظيم قال تعالى: ( قُلْ يَا عِبَادِ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا رَبَّكُمْ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ).
وأضاف إمام وخطيب المسجد النبوي : أما من تضاءل استحضار الآخرة في قلبه وغفل عن ماله ومصيره فإنه يجعل زينة الدنيا الفانية منتهي رغباته وأسمى تطلعاته في همه وهمته ودعائه قال الله تعالى ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ ، أَرَضِيتُم بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الْآخِرَةِ ، فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ )، مؤكداً فضيلته أن على المسلم العاقل يؤمن رحلته من الدنيا إلى الآخرة بالجمع بين الرجاء والخوف قال تعالى ( إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا ? وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِين ).