لا أجد نفسي في مزاج للكتابة، لكن الكلمات تصر على أن تكتبني، فلم تعد مجرد كلمات، بل تحولت الى نبض قلب مُتعب وآهات تملأ صدري لم أستطع أن أخفيها.
أحيانا أجد نفسي مليء بالكلمات التي تحتاج الى مساحات شاسعة في العقول، ولا أجد لها مكانا في تلك العقول، وأحيانا أجد نفسي مليء بالصمت والهدوء الذي يشبه النعاس، فقد أدركت أن الكلمات لا تغير شيء في إرادة من لا يعشق الحياة ويريد النهوض والمضي قدما بعزم تدفعه الثقة بالنفس والأمل في تحقيق مستقبل أفضل لنفسه ووطنه وأمته.
أفقت يوما على قراءة قصة حياتي، إكتشفت أنني لم أُنجز الكثير لنفسي، بل جل ما أنجزته يصب في مصلحة غيري، ليس جهلا مني ولا غباء بل لأنني آثرتهم على نفسي، ولست وحدي في هذه الحالة فهذه سنة الحياة، بل غيري الكثير ممن أفنوا زهرة شبابهم من أجل غيرهم.
ما نمر به في حياتنا من أحزان وهموم وأمراض وجحود الآخرين خصوصا الأقربين يقول لنا أن الدنيا تافهة لا تستحق كل هذا الشقاء والمشاحنات من أجلها، إكتشفنا ذلك متأخرين بعد تجربة وعناء لأننا لم نعي قوله صلى الله عليه وسلم لا تسوى عند الله جناح بعوضة، إلا أن ذلك لا يعني أن لا نعمل بجد، فهكذا نحن خلقنا لنكدح ونكابد مشاق حياتنا الدنيا لنكتشف تميز الحياة الآخرة.
تمنيت لو كان المجتمع أكثر عدالة ويفسح المجال لتُفضِي ما بنفسك مما ثقل عليك كتمانه لعلك ترتاح من همه دون أن تتعرض للاستهزاء والاستغراب مما تقول، مع أن التمني وراء الكثير من التجني، فكم جنينا على غيرنا في سبيل تحقيق ما نتمنى، وكم فشلنا في تحقيق تلك الأمنيات التي من أجلها جنينا على الآخرين.
أحيانا يكون لديك الكثير مما تريد الإفضاء به الى شخص تثق به، لكنك تبحث من حولك فلا تجد ذلك الشخص وتستمر بك الأيام تكتم في صدرك الى أن يضيق صدرك بما كتم وينتهي بك المطاف الى أحد أمرين أما العزلة والانطواء أو الإنفجار والتحرر من تلك القيود التي قيدك بها هذا المجتمع الذي تعيش فيه، بتصرف قد يخرجك عن المعهود وتتجاوز به كل الحدود والعادات والتقاليد والعرف، وبهذا سيصفك ذلك المجتمع بالسفه أوالجنون، مع أن الجنون أحيانا يكون أجمل ما فينا فهو يجعلنا في حالة من التحرر تشبه السكر نقول ما في أنفسنا ونتصرف بلا قيود.
قد يكون الحل أحيانا في أن يفضي المرء ما بنفسه لنفسه، فقد يجدي الحديث مع النفس في الترويح عن النفس، ففي النفس للنفس الكثير فالنفس بالنفس أفهم.
أثناء دراستي في أمريكا إكتشفت أنها العالم الذي أنتمى اليه وأتمناه من حيث النظام والرقي والإنضباط واحترام الإنسان، لكن كل ذلك لم يستأصل مني عقيدتي وثقافتي وعاداتي وتقاليدي، فما زلت ذلك الشرقي الغيور على دينه ووطنه وعرضه والمتمسك بقيمه.
لقد أدركت أن ما هم فيه من تطور ورقي واحترام للقوانين ليس لكونهم أفضل منا بل لأن الحقوق أصبحت واضحة بحيث لا يستطيع احد إستغفالك أو بخسك شيء من حقك.
الا أنني تعلمت من رحلتي الإعتماد على النفس والإنضباط واحترام النظام والإلتزام وقيمة الوقت، وأهم من ذلك كله تعلمت كيف أكون كبيرا كفاية لأفهم الدنيا وصغيرا بما يكفي لأستمتع بها.
لم أعد أبالي كثيرا بكلام الناس، فنحن نعيش في عالم ينتقد كل شيء ويفعله، وبيئة عودتنا على أن القيادة أفضل منها الانقياد.
أحيانا ينتابني الشك في صحة دفاترنا القديمة لأنه لا أثر لمخطوطاتها في دفاترنا الحديثة، أخشى أن تكون من نسج الخيال، لست مقتنعا بكل ما قرأته عن شجاعة العرب وتاريخ نضالهم، فالدليل واضح أمامي، نحن أجبن الشعوب القتل فينا كقتل الجراد ولا نحرك ساكنا، عن أي شجاعة نتحدث لقد أصبحنا نخجل من كوننا عربا مما نرى من ذل للعرب.
ما أراه من تصرفات المسلمين حينما تكون لهم الغلبة خصوصا على بعضهم، يظهر أن ما كان يردعهم عن الظلم والبطش ليس خوفهم من خالقهم بل خوفهم من السلطان.
سامحيني أيتها الأمة العربية، حاولت أن اكون عربيا فلم أستطع فقد أصروا على تسميتنا بأسماء مختلفة ليزرعوا بيننا الفرقة، وسامحني أيها الوطن فقد حاولت أن اكون رجلا صالحا فلم أستطع، لأنني سأصبح وحيدا محاربا من الجميع فلا وجود للرجل الصالح في هذا الزمن الطالح.
حينما نكون بشرا فإن مشاعرنا تتحكم بنا وتسيرنا، لكننا لم نعد ذلك الإنسان ذو المشاعر، فقد صنعت منا الحياة بقسوتها وحوشا بلا مشاعر، فتعالي يا حروفي اشكي اليك ظروفي وانثري دمعك في كفوفي فقد نجد لغة للحوار بيننا حيث لا يفهمنا أحد فمشاعرنا غير موجودة في مجتمع يقيم الناس بما في جيوبهم لا ما في قلوبهم.
بقلم - سعود العتيبي
التعليقات 9
9 pings
إنتقل إلى نموذج التعليقات ↓
زائر
09/13/2021 في 6:26 ص[3] رابط التعليق
سلمة اناملك كاتبنا المميز
زائر
09/13/2021 في 6:26 ص[3] رابط التعليق
كتابة التعليق
زائر
09/13/2021 في 8:48 ص[3] رابط التعليق
لا هنت ولا عدمناك يا أبو طلال
زائر
09/13/2021 في 9:28 ص[3] رابط التعليق
هذا هو الواقع المشهود
زائر
09/13/2021 في 12:53 م[3] رابط التعليق
ما شاء الله تبارك الله. كلام نابع من القلب . بالتوفيق ان شاء الله. ولانتظار ابداعات قلمك المعتاده
عبدالله العتيبي
09/13/2021 في 1:14 م[3] رابط التعليق
نعيش في عالم ينتقد كل شيء ويفعله، وبيئة عودتنا على أن القيادة أفضل منها الانقياد.
وصف تشخيصي مميز
شكرا يابو طلال
ايناس ايناس
09/13/2021 في 6:27 م[3] رابط التعليق
كلام معطر برائحه المسك
يسعدك ربي
زائر
09/13/2021 في 10:15 م[3] رابط التعليق
العالم جميل ان اكتفيت بذاتك لست بحاجه الى من يستمع اليك فانت من صنعت يومك وبيدك ان تقوده للافضل استمتع بالحياه فهي قصيره
زائر
11/04/2021 في 12:27 م[3] رابط التعليق
ليتك اختصرت لنقراء مقالك قل ودل