اي و ربي !!
إنها قسوة عظيمة، لا تُشبِهُهَا قسوة !
تخيّل معي كلّ قسوة من الأشياء المرئية المحسوسة، لن تصل إلى شيءٍ أقسى من الجبال !
لكني سأُخبرك بشيءٍ (لا يُرى) ومع ذلك هو أكثر قساوةً من الجبالِ الصمّاء .
لعلّك فهمتَ مقصودي، وعرفت مُرادي !
نعم ، أقصدُ تلك المُضغةَ الصغيرة، التي بين جنبيك !
إنه " القلب " !!!!
قد تقول لي : كيف عرفتَ أن القلبَ أقسى من الحجارة وهو شيءٌ لا يُرى ؟!
فأقول لك : أخبرنا الله تعالى بذلك كما في سورة البقرة حيث قال:
(ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً ) [البقرة 74]
أخي الكريم / إن من أعظم الأمراض التي يبتلي الله بها عبدَهُ مرض قسوة القلب!
لأن الإنسان إذا قسا قلبُه فلن يقبل الحق مهما ظهر له، ولن يخشع مع كلام الله مهما قُرِئَ عليه ؛ لذلك : كان لِزامًا على كُلِّ مُسلمٍ عاقلٍ أن يهتمّ بهذا الأمر الخطير !
و لعلّك تسأل : ما العلاج لهذا الداء الذي لا يكاد ينجو منه أحد ؟!!
فأقول لك : تعال معي ، وخُذ هذا العلاج ، الذي لا يُماثلُه علاج !
العلاج الوحيد لهذا الدّاء هو " القرآن العظيم " !
أخي : إن من عجائب هذا القرآن ، أنه لا يذكر داءً إلا ويذكر الدواء، إما في ثنايا السورة الواحدة، أو في سورٍ أخرى.
قال تعالى في سورة الزّمر : (أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ أُولَئِكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ ) [الزمر 22]
فالدّاءُ هو ( قسوة القلب ) ، و العلاج في الآية التي تليها مباشرة، فقال تعالى: (اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ) الآية [الزمر 23 ].
فالقرآن هو العلاج لقسوة القلب .
خذ آيةً أخرى :
قال تعالى: (لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ ) الآية [ الحشر 21 ] ، تأمّل معي أن الذي يُدكدِكُ الجبل ويصدعه هو القرآن ، و اربطها مع قوله تعالى : (ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً ) ، يتبينُ لك أن الذي صدع هذه الجبال هو القادر على إذابة قسوة القلب !
أختم بأمرٍ مهم .
بعض الناس إذا نصحتهم و أنكرت عليهم منكرًا ولْيكُن : شرب الدخان، أو حلق اللحية وغيرهما من المنكرات الظاهرة ، إذا جئت تناصحه قال لك :
" التقوى ها هنا " ويقصد أنها في القلب ! لكن أودّ تنبيهك على أمر :
روى مسلمٌ في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه و سلم قال :
( إن الله لا ينظر إلى صوركم و أموالكم ، ولكن ينظر إلى قلوبكم و أعمالكم ( .
أمعنوا النظر فيما تحته خط !!
في هذا الحديث العظيم بيان أن محل نظر الله سبحانه من العبد " القلب و العمل معاً " .
فليس النظر إلى القلب وحده ، ولا إلى العمل وحده ، بل النظر إلى مجموع هذين الأمرين . 1/ القلب 2/ العمل .
فالتقوى مؤلفة من :
1/ قلبٍ نقيٍّ طاهر .
2/ عملٍ صالحٍ ظاهر .
و بهذا نرد على من قال أن ( أهم شي اللي في القلب ) ، نقول : لا ! لابدّ من الأمرين ..
و يكون التطهر لهما جميعاً ، وهو المراد في هذا الحديث ، و ينتج عن هذا أمران :
الأول : طهارة القلب بلا عمل = كذبٌ و شِقاق.
الثاني : عملٌ بلا طهارة قلب = نفاق .
أسأل الله أن يغفر ذنوبنا التي قست بها قلوبنا ، و أن يجعل القرآن ربيع قلوبنا .
بدر فاضل .
التعليقات 11
11 pings
إنتقل إلى نموذج التعليقات ↓
مواطن صريح
09/15/2013 في 9:10 م[3] رابط التعليق
جزاك الله خير وبارك الله فيك , لكن اعتقد ان ما كتبته يصلح ان يكون خطبة جمعة تقليدية , ونحن نتطلع ان يكون ما يكتب في هذه الصفحات إبداعي وغير تقليدي الكتابة المباشرة لم تعد تروق للمتلقي حتى في الجوانب الشرعية , المتلقي الان اصبح مثقفاً شرعياً وعلمياً ويريد من الكاتب ان يظهر له مهارات تفوق ما لدية هو كقارئ , المتلقي يريد معلومات جديدة غير مكروره , نعم الآيات والاحاديث لا تتغير لكن يجب تغيير اسلوب الخطاب وزوايا التلقي لكي نخرج بشيء جديد لم يتم التطرق له من قبل ولكي نحوز على اهتمام القارئ ونلفت انتباهه .
بدر فاضل
09/15/2013 في 11:36 م[3] رابط التعليق
جزاك الله خيراً أيها المواطن الصريح ..
هي أشبه ماتكون بخاطرة أحببت البوح بها ،،
و المقصد من الكتابة ليس إظهار المهارات و إظهار إمكانيات الكاتب، ولكن المقصد التذكير، إنطلاقاً من قولِهِ تعالى: ( و ذكّر فإن الذكرى تنفع المؤمنين ) ، فإذا انطلقنا من هذه الآية فليس لنا التذكير إلا بما جاء في الوحيين، فهما الهدى الذي من تمسّك بهِ أفلح، ومن أعرض عنهما خاب وخسر.
و أسأل الله أن يبارك فيما نكتب ونقرأ ، إنه على كل شيءٍ قدير,,
و جزاك ربي كل خير ..
أبو مالك
09/16/2013 في 12:47 ص[3] رابط التعليق
السلام عليكم
جزاك الله خير ياشيخ بدر ووالله لو بيدي الوزارة لكنت وضعتك في أحد منابر جوامع الخفجي ..كلام يدخل القلب .. اثر فيني حيل ..ثبتك الله على الحق وزادك من فضله .. وإلى الامام
اخوك ابو مالك
بدر فاضل
09/16/2013 في 8:51 ص[3] رابط التعليق
رفع الله قدرك أخي أبا مالك، هذا من حسن ظنك، أسأل الله أن يجعلنا من أنصار دينه، ومن المتمسكين بكتابه وسنة نبيّه صلى الله عليه وسلم،،
وجزاكم الله خيرًا ..
مواطن صريح
09/16/2013 في 1:05 م[3] رابط التعليق
نعم التذكير واجب شرعي و قول الله تعالى في الآية الكريمة ( وذكر فأن الذكرى تنفع المؤمنين ) لا تنفصل عن قولة تعالى ( ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة ) وآمل من كل من يمسك قلماً او منبراً او وسيلة لمخاطبة الناس ان يحسن الخطاب وان يجدد قدر ما يستطيع وان يترك التقليد الممل فنحن نسمع عشرات الخطب كل سنة ولا ينطبع في قلوبنا وعقولنا ويؤثر فينا الا القليل منها فقط لأنه اتى من زاوية جديدة ففتح في عقولنا نافذه استبصار رغم ان هذا الموضوع قد تم تناوله عشرات المرات سابقاً دون ان نلتفت ليه !!, الخطيب او الكاتب مصدر للمعلومات وهذه المعلومة تحتاج لوسيلة ناجحة لكي تصل للمتلقي وهذه الوسيلة هي التي اسميها التميز والابداع التي يجب ان يتسلح بها من يخاطب الناس اما من يعتبر نفسة كساعي البريد الذي تنتهي مهمته برمي الرسالة في صندوق البريد الخارجي فهذا لم يعد مقبولاً الان , الرسالة يجب ان تتعدى الصندوق الخارجي وتتعدى باب المنزل و تصل الى القلب ان اردنا ان نحدث اثراً لدى الناس التغيير والتحديث وبذل الجهد في مضمون الرسالة وفي طريقة إيصالها هو من سيوصلنا لهذا وشكراً
بدر فاضل
09/17/2013 في 2:05 م[3] رابط التعليق
أشكرك أخي الكريم .. لكلٍّ طريقته .. أما قبول الناس لها و ردّها، وهل وصلت القلب أم لم تصل؟! فأعتقد جازمًا أن هذا مردّه إلى توفيق الله تعالى للكاتب أولًا ، وصدق الكاتب فيما يعبّر عنه أو ينقله.
فلو اخترعنا ألف وسيلة جديدةٍ مُبتكرة في الدعوة إلى الله ولم يُرد الله لها القبول فوالله لن يقبلوها .. و إن أرادَ الله بموضوعٍ خيرًا سيدخل قلوب الناس ولو كان سطرًا واحدًا فقط..
أشكرك على إبدائك لرأيك، وتقبل تحياتي
مواطن صريح
09/17/2013 في 9:33 م[3] رابط التعليق
شكرا لك , وانا أنصح أخواني الدعاة إن لم يكن لديهم من الأسلوب ألمميز والبراعة الادبية وقوة الكلمة ما يستطيعون به ان يشدو الناس إليهم فعليهم الا يكتبوا في مجال الدعوة وليبحثوا لهم عن مجال أخر غير الدعوة , لأن الدعوة شأنها عظيم و تحتاج لتميز وإتقان وبراعة وموهبة ومجال الدعوة ليس اقل من غيرة من المجالات التي يطلب فيها من الكفاءات اعلاها , والمجالات الخيرة كثيرة ولا يعدم الانسان ان يضرب بسهم في غير الدعوة ان لم يكن يملك مقوماتها , والله الموفق .
بدر فاضل
09/20/2013 في 1:47 ص[3] رابط التعليق
كأنك وضعت الأصل هو لفت الانتباه !!
أمرنا الله تعالى بالصدقِ وكذلك نبيُّهُ صلى الله عليه و سلم، و لم يأمرنا بابتكار فنون الدعوة ولا في طرق نشر الخير، فهذه فتوحات من الله عز و جل، يهبُها لمن يشاء من عباده، وقلت لك سابقاً:
أن الأصل في الدعوة إلى الله الإخلاص و المتابعة، هذا هو الأصل، ومن أراد التذكير فليخلص لله عمله، و ليتابع فعل النبي صلى الله عليه وسلم، فإذا تخلّف شرطٌ من هذين الشرطين فالعمل مردودٌ على صاحبه، لأن من لم يخلص فقد أشرك، ومن لم يتّبع فقد ابتدع، أما ماجعلته أصلاً في الدعوة ومن استطاع فعله فليفعل ومن لم يستطع فلا يدعُ إلى الله هذه بدعةٌ ما أنزل الله بها من سلطان، و إن كان كلامي خاطئًا فأرجو الردّ بدليل من الكتاب والسنة، وإلا فلا حاجة للخوض أكثر في أمرٍ لم نُؤمر به!
و أرجو أن تتقبل كلامي بصدرٍ رحب .
بدر فاضل
09/20/2013 في 1:52 ص[3] رابط التعليق
ولا يخفاك قصص كثيرٍ ممن بارك الله في دعوتهم، واهتدى على يدهم ملايين من البشر، وآخر العهد بالذكر الشيخ عبدالرحمن السميط رحمه الله، أين الابتكار الذي فعله ؟! و أين الأدب العربي الذي يملكه ؟! ملَكَ الصّدق و وُفّق إليه نحسبه والله حسبيه ولا نزكي على الله أحدًا، وغيره الكثير ممن لا يعرف التحدث باللغة العربية، بل كان ينشر المطويات، واهتدى على يديه بعد فضل الله الكثير من البشر!! و القصص كثيرة من أرادها وجدها .
و السلام عليكم .
مواطن صريح
09/24/2013 في 4:48 م[3] رابط التعليق
ومن قال لك ان لفت الانتباه ليس من اساليب الدعوة ؟!! والادلة كثيرة في هذا الباب فلقد كانت امانة رسول الله صلى الله علية وسلم وسلوكه لافتاً لانتباه الناس الية اليس كذلك ؟ , الم تلفت أمانته وصدقة انتباه امنا خديجة الية ؟؟؟ الم تلفت أخلاقه وسلوكه انتباه مجتمعة الية ؟؟ إن كنت تجهل ذلك فتلك مصيبة !!, لفت الانتباه بشكل إيجابي وسيلة جيدة كي يتقبل الناس ما تدعوا اليه اين كان وإن فقدت هذه الوسيلة فلن تكون داعيةً ناجح بل ستكون وبالاً على الدين منفراً منة صارفاً لمن ارد الدخول فيه او الالتزام به , ثم اخي الكريم على الداعية ان كنت تعد نفسك منهم ان تتسلح بالعلوم الحديثة التي هي بمثابة سلاحك في الدعوة ومنها العلوم الانسانية علم النفس والاجتماع وعلوم الاعلام وطرق الاتصال وكيفية مخاطبة الجماهير والتأثير فيهم كما يجب عليك ان تتحلى بشخصية ذات ” كاريزما ” < ( شخصية قوية جذابة ومؤثرة ) كي تستطيع ان تكون عاملاً إيجابياً في الدعوة بشتى مجالاتها الميداني والنفسي منها والسلوكي , وما ذكرته انت عن الشيخ " السميط " هو لب ما ادعو الية ! فالسميط رحمة الله كان ذو شخصية جذابة محببة قريبة للناس ومؤثر فيهم بسلوكه واخلاقه وهذه ميزة يمنحها الله لمن يشاء من عبادة ولا يتمتع بها الجميع فسبحان من يفضل بعضنا على البعض الاخر!! , اطلاق الحية وتقصير الذوب مع احترامنا لها كسنة نبوية كريمة سلوك له علاقة بمدى التزام الشخص ذاته ومدى علاقته بربة لكن ليس له علاقة مباشرة بحب الناس لك او تقبلهم لك او تأثيرك فيهم , انما يوثر فيهم أخلاقياتك وسلوكك العملي , ويؤسفني حقيقة ان ينكر شخص مثلك تبدو علية سمات المتعلمين ما توصل اليه العلم الشرعي والسلوكي في عصرنا الحاضر عن مدى ضرورة ان يتسلح من ارد خوض غمار الدعوة بالعلوم المتخصصة كي يكون ناجحاً وفعالاً لخدمة دينة بل وينكر على ذلك اشد الانكار !!! ولا ازل اقول لمن لا يملك حصيلة علمية متخصصة في مجال الدعوة وكذلك لا يملك افاقاً نفسية رحبة وصبراً وحكمةً الا يقترب من مجال الدعوة وعلية ان يصرف جهدة في إصلاح نفسة والارتقاء بها , وان يترك مجال الدعوة لأصحاب الشخصيات المؤثرة والجاذبة ولقد كانت هذه سياسة رسول الله صلى الله علية وسلم حيث كان يستعمل الصحابة رضوان الله عليهم حسب طاقتهم وامكانياتهم ومواهبهم و الشواهد كثيرة في السنة والمأثور ولا يحتاج طالب علم لتأصيل ذلك , ام كيف ترى ذلك ؟؟؟
بدر فاضل
10/08/2013 في 12:35 م[3] رابط التعليق
سبحان الله
يا أخي الكريم لا أُنكر ذلك كما قلت لك، ولكن أن نجعلها أصلًا، فهذا ما أُنكرُه وبشدّة، لأن الله عز وجل لم يجعل الأصلَ الجذب و لفت الانتباه مع مافيها من الأهمية، وإنما قال: ( يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين ) ( ادع إلى سبيل ربك بالحكمة و الموعظة الحسنة )، أريد نصّ شرعي أثابك الله على أن الأصل ماذكرت !!
أشعر كأن الأمر طال عن حدّه و أخذ أكبر من حجمه.
موفق.