عبدالله مهدي الشمري
إنَّ كثيرا من الدعايات الإعلانية تسوق للوهم، وتعلي من شأنه بوسائل مختلفة، وهي ذات تأثير كبير وقوي على نفسية المستهلك – رغم ما رسخ في الذهنية الجمعية بأن السلع الجيدة لا تحتاج إلى دعاية – لكن ذلك المستهلك المسكين يقع فريسة لتلك الدعاية والإعلانات – في كل مرة – ويصاب بالغبن وخيبة الأمل عندما يكتشف خسارته بسبب تدني جودة ما اشتراه بعد أن يتبدد تأثير الدعاية الذي سيطر عليه لمدة من الوقت.
يوصي الخبراء بالإقبال على السلعة الأفضل مطلقا، وبوجوب الانتظار لمن لم تكن لديه الإمكانية المالية حتى يتوفر لديه المال الذي يستطيع به شراء السلعة الأجود، وأنه يجب شراء أفضل ما يمكن شراؤه؛ لأن شراء السلع القيّمة متقنة الصنع ذات الجودة العالية تدوم طويلا، وهي أكثر قوة ومتانة، وتحقق لمقتنيها عدم استبدالها، وتوفر له المال، وكفاءة الأداء، ولذلك يجب الحرص على اقتناء كل ما هو قَيم بعيدا عن الافتخار والمباهاة بشراء السلع ذات السعر الغالي، وتخطي الشخص لمستوى إمكانياته المادية التي تكبله بأعباء كبيرة تفوق قدراته، ويمكن القول أن البحث عن الجودة يعد تقديرا للأشياء الراقية، ومعرفة لقيمتها.
الأصل أن السلعة ذات الجودة العالية تكون أغلى ثمنا من الأخرى – وهذا أمر مفهوم – حيث تكون تكلفة المواد والإنتاج هي المحدد لفرق السعر بين السلعتين، وتوجد علاقة وطيدة ودائمة بين جودة السلعة وسعرها، ولكن المتسوق بوجه عام يسعى للحصول على سعر أقل لما يشتريه – وهو أمر مشروع له – حيث يشعر بالرضا عندما يوفر المال.
يتملك بعض المستهلكين شعور قويٌ وطاغِ بالشراء في الحال عندما يرى سلعة رخيصة، وتلح عليه رغباته إلحاحا طفوليا جارفا باقتنائها – وكأن تلك السلعة نادرة أو توشك على النفاد – فيشتريها رغم أنها أقل جودة مما كان بوسعه الحصول عليه لو أنه تريث قليلا، وقام بالاطلاع على مواصفاتها، ومعرفة مزاياها، ومقارنتها بغيرها، لكن سلوكه الاستهلاكي الخاطئ الذي اعتاد عليه في الشراء قاده إلى التسرع والتصرف دون ترو أو معرفة بمواصفات السلعة التي بين يديه، فكانت خسارته كبيرة، وخيبة أمله قوية!
يُعرِّفُون الوعي بأنه الحالة النفسية والسلوكية الإيجابية للإنسان، وأن وظيفته تقديم صورة حقيقية عن الواقع والذات، ويقابل الوعي حالة أخرى يسميها النفسيون بحالة اللاوعي، ويضيفون أن الإيديولوجيا عملية فكرية عامة تعمل بواسطتها التمثلات الخيالية على تزييف وتشويه الواقع.
يتأثر كثير من الناس بما يراه من الإعلانات الدعائية المتنوعة للسلع عبر وسائل الإعلام المختلفة، فيبادرون بالشراء متأثرين بها، ومنقادين لإغراءاتها، التي يَعمدُ القائمون عليها إلى أساليب مبتكرة للتأثير على المستهلكين الذين توجه إليهم وفق دراسات منهجية علمية ونفسية وثقافية واجتماعية – وهي غالبا ما تكون إعلانات غير صادقة – لترويج السلع بأنواعها المختلفة في منطقتنا حيث ما تزال أجهزة الرقابة والمحاسبة غير فاعلة في هذا الجانب حتى وصل الأمر إلى الترويج للعقاقير التي لم تثبت فاعليتها أو ثبت ضررها، ولم يتم تسجيلها في أي مؤسسة علمية محترمة، ولم تنل الترخيص بتداولها، بينما لا يستطيعون فعل ذلك في أماكن أخرى من العالم؛ لوجود الأنظمة الصارمة والوعي المجتمعي العالي.
إن عملية تعلم اقتناء السلعة الأجود تحتاج إلى تدريب حقيقي، وجهد مضنٍ، ووقتٍ طويلٍ – وهي دون شك عملية شاقة ومجهدة – لكنها غير مستحيلة، فكما قيل: « إنما العلم بالتعلم، والحلم بالتحلم»، لكن الأهم هو تعلم البحث عن السلعة الأجود؛ للحصول عليها بأقل الأسعار.
يدرك الدهاة الذين يقفون وراء البرامج الإعلانية والدعائية بأنهم قادرون على بيع الوهم للمستهلكين من خلال ابتكار أساليب متنوعة؛ للتأثير في نفسياتهم والاحتيال عليهم، وإيهامهم بمزايا ومواصفات غير حقيقية للسلع، ويعرفون أن فنون الدعاية التي يقومون بها على أسس من الدراسات النفسية المتعددة والمتجددة فيها دغدغة كبيرة لمشاعر المستهلكين، ولعب بعواطفهم، واستدراج لهم!
لقد أصبحت بعض هذه الأساليب محل شك كبير من بعض المستهلكين أو أنها باتت معروفة ومكشوفة وفقدت المصداقية، ولكن ذلك لم يسهم في إيقاف نهم هؤلاء المحتالين الذين ما زالوا يحاولون ابتكار أساليب جديدة بل إن بعضهم يعمد إلى تكرار الأساليب القديمة التي تم استهلاكها لاقتناص ضحاياه الذين يتساقطون عليه كما يتساقط الفراش على الضوء معتمدا على ضعف وقصر الذاكرة الزمنية للمستهلك.
وقفة: إن الغياب الواضح لأجهزة الرقابة الرسمية الفاعلة في حماية المستهلك ساهم في ضعف وعيه الاستهلاكي، وزاد من جهله بحقوقه، فأصبح الميدان خاليا لدهاقنة الدعاية والإعلان؛ ليشوهوه بما يضر الجميع!
التعليقات 1
1 pings
حقيقه
10/19/2013 في 1:53 م[3] رابط التعليق
يعطيك العافيه يابو أسامه
مقالاتك دايم تحاكي واقعنا
وانا من اشد المعجبين بمقالاتك ومتابع
نشكرك وإلى الأمام