ابعاد الخفجى-محليات:
تصاعدت حدة الازمات في المشهد الثقافي والادبي في المنطقة الشرقية، وفي حاضرة الدمام تحديداً التي باتت تشكو ركوداً ثقافيا أفقد المنطقة جمالها ووجهها الثقافي والادبي وجعلها تعيش حالة تراخ ثقافي منذرة بالخطر، الامر الذي أجبر الأدباء والشعراء والمثقفين، على الاتجاه إلى الصحافة، يكتبون فيها الأعمدة الصحافية، ويتركون النتاج الأدبي. واتفق المثقفون على أن المشهد الثقافي في المنطقة يترنح بين حالة الهدوء تارة، وعودة التراخي وسخونة الاجواء في المنطقة تارة أخرى.. وفي هذا الاستطلاع نسلط الضوء على المشهد الثقافي في المنطقة الشرقية وما له وما عليه..
وقال صالح العمري المدير التنفيذي لنادي ذوق الأدبي: «في اعتقادي أن المشهد الثقافي في الشرقية عامر بالمناشط المتميزة والمواهب الواعدة ولكن ينقصه التغطية الإعلامية المنصفة التي تستوعب الأحداث وتنقله لحيز التركيز، حضورا للمناشط واحتفاء بالعطاءات. وعن الأسباب التي أدت إلى انقسام مثقفي وأدباء الشرقية إلى تيارات متعارضة وأثر قضية النادي الأدبي في هذا الانقسام قال العمري: «كانت اللحمة الأدبية في الشرقية أكثر تناسقا وانسيابية قبل تدخل الوزارة والتلاعب في نتائج الانتخابات معتمدة على التصنيفات الإقصائية التي نتج عنها انقلاب على العملية الانتخابية واستبعاد عدد من الأعضاء بغير حق، ومخالفة اللوائح التي وضعتها الوزارة نفسها، ثم بعد أن فصل القضاء في الشأن الأدبي لا تزال الوزارة تصر على عدم تنفيذه .. وهذا ما عطل أنشطة أدبي الشرقية وشتت جهود الأدباء».
وأضاف العمري : «لا أحد ينكر ما نراه من صراعات غير مبررة ولا رشيدة، ولكن لا أحب التصنيفات، والذي نشاهده ليس تطبيقا لمبادئ الليبرالية لأنه أميل إلى الشللية والانطوائية وضيق الأفق أمام نتائج الانتخابات الطبيعية، وتحجير الواسع.. والليبرالية الغربية تقوم على التعددية وفسح المجال للجميع والديمقراطية».
وعلق العمري على وصول هذه الصراعات إلى المنابر الثقافية وعن أثر ذلك على الإنتاج الأدبي قائلاً: «أرد ذلك إلى سوء إدارة الوزارة للشأن الأدبي وعدم استيعابه للشأن الثقافي بأطيافه وتعدديته مما حدا بالمثقفين لطرق السبل الأخرى، وإلا لماذا نجحت الكثير من الانتخابات الأخرى كالبلدية والإعلامية وغيرها والتي كانت أكثر حساسية وأعلى عددا مع أنها كانت تتعامل مع المواطن العادي، وليس مع مثقفي وأدباء المجتمع، السبب هو أن الوزارة لم تحظ بثقة كل المثقفين ولم تحقق مبدأ النزاهة بشهادة أحكام القضاء المتعددة التي قيدت ضد تصرفات الوزارة مع الأعضاء ومع الجمعية العمومية، أما تأثيرها على الشأن الأدبي فقد بددت الجهود وشقت الصفوف وعطلت الحركة الأدبية في بعض المناطق مع بالغ الأسف، وأصبحنا نبكي على عصور التعيينات السابقة وهذا ما توقعه الدكتور عبدالله الغذامي».
ميدان فسيح
وذكر العمري بعض الأفكار والطرق التي يعتقد أنها ستساعد في انتعاش الحراك الثقافي في المنطقة وقال: «لابد أن يعاد للمثقف احترامه وللأندية الأدبية قدرها كمؤسسات ذات شخصية اعتبارية مستقلة تديرها جمعياتها العمومية بعيدا عن تدخلات الوزارة وهو ما ضمنته لها اللوائح التي أقرتها الوزارة، وكانت أول من انتهكها.. فمثقفو المناطق يعلمون جيدا كيف يديرون شأنهم الأدبي بعيدا عن الوصاية المائلة والانتقائية الضارة. إن ميدان الأدب والثقافة ميدان فسيح واسع يحتمل كل الأطياف لتتشكل فسيفساء جميلة ثرة، فلماذا تضيقها الوزارة بالتحزبات وتخنقها بالغموض والأجندة الخفية !!
لابد أن يعاد للمثقف احترامه وللأندية الأدبية قدرها كمؤسسات ذات شخصية اعتبارية مستقلة تديرها جمعياتها العمومية بعيدا عن تدخلات الوزارة
الرعيل الأول
وفي نفس السياق قال عماد العمران عضو النادي الأدبي بالمنطقة الشرقية: ان «المنطقة تزخر بالمثقفين الحقيقيين الذين لهم باع طويل وتاريخ في الثقافة، ولكن المشكلة تكمن في إحباط المثقفين والأدباء في المنطقة على كافة الأصعدة بسبب غياب مؤسسة تحتضنهم، وإن وجدت هذه المؤسسة فهي تظهر بشكل صوري، كما أن انشغال المثقفين في المنطقة بأمورهم الخاصة كان له دور في قلة الظهور. كما أن تنحي المثقفين وانزواءهم عن الممارسة الثقافية، واختفاء الرعيل الأول جيل الثمانينات والتسعينات تسبب في خمول النشاط الثقافي بالمنطقة الشرقية، خصوصًا أنه لم يأتي أحد ليواصل مسيرة هؤلاء الأدباء والمثقفين المليئة بالعطاء والمتميزة بالنبوغ الثقافي المستمر».
وأضاف العمران: «الانقسام الحاصل حاليًا بين مثقفي المنطقة الشرقية تحكمه المصالح الشخصية بشكل كبير من قِبل المثقفين أنفسهم، وتمنيت لو كان هذا الاختلاف فكريا لأن الاختلاف الفكري ظاهرة جيدة تساهم في زيادة الإنتاج الأدبي، ولكن للأسف أن الخلافات الموجودة بين مثقفي وأدباء المنطقة الشرقية فيما بينهم يغلب عليها الطابع الشخصي. والاختلاف الفكري يساعد على انتعاش الحوار الثقافي، ومع ذلك فإنه لا يوجد في أطراف الصراع من تسيد الثقافة في المنطقة، والمصيبة في الأمر هي شخصنة الاختلاف، مع أن الاختلاف ظاهرة جيدة، ولكن عندما يكون انشغال المثقف بالأشخاص ساهم في انخفاض مستوى النشاط في المنطقة، وأنا أجزم أن كل من يشارك في هذه الصراعات مهزوم».
تحزبات ثقافية
وعن التحزبات قال: «أعتقد أن هناك حرية تصرف واتخاذ توجه معين سواء كان ليبراليا أو سلفيا، وكل شخص يستطيع أن يختار الاتجاه الذي يناسب ثقافته وبالتالي لا يوجد هناك تحزبات تسعى للسيطرة على المشهد الثقافي في المنطقة ومنابر التعبير عن الذات مفتوحة للجميع»، مضيفاً «لا أعتقد أن هذه الصراعات ستؤثر على الإنتاج الثقافي في المنطقة، بل يوجد لدي تحفظ على كثرة الإصدارات والتي أفرزت لنا ناتجا ثقافيا غير سليم».
وتابع: «المثقفون لديهم هواجس كثيرة ومنها احتضان المثقف من قِبل المؤسسات سواء كانت ثقافية أو تجارية، لأن من أهم هموم المثقف كيف يصل إنتاجه لقرائه وذلك عند إصداره كتاب، فالدعم المادي والمعنوي مكملان لبعضهما. كما أن تفعيل حلقات التواصل بين الجيل القديم والجيل الحديث يعد من الطرق والحلول التي من شأنها تساهم في استمرارية الثقافة الأصيلة، أيضاً تفعيل التواصل بين المؤسسات الحكومية مثل وزارة التربية والتعليم ووزارة الثقافة والإعلام وجميع الوزارات بالمملكة تساهم بشكل كبير في إبراز المثقفين والأدباء وإظهار إنتاجهم، لأن جميع تلك الوزارات تعد منظومة ثقافية، وهي جزء من تثقيف الأجيال، كما أنه يفترض لدور النشر أن تكون منارًا لدفء الثقافة في المنطقة الشرقية بدلاً من أن يكون همها الربح المادي فقط، فالواجب عليها أن تخلق فرصا حقيقية للمثقفين والأدباء».
المثقفون: أدبي الشرقية يعيش فترات القلق..والحراك الثقافي ينطلق من الصالونات
و بالرغم من احتضان المنطقة الشرقية لعدد كبير من الأدباء والشعراء والمثقفين المتميزين، إلا أنها تعيش في الوقت الراهن حالة خمول ثقافية مميتة قد تكون هي لحظات الاحتضار الثقافي والتي ستقضي على الإنتاج الأدبي بسبب الخلافات وتعارض التيارات الأدبية التي تعيش في الوقت الحالي صراعاً قاسياً فيما بينها حتى أفقدت المشهد الثقافي توهجه الذي كان يتميز به في السابق، وأنعشت ما يسمى بشخصنة الخلافات.
المشهد الثقافي
ويقول محمد صليم عضو مجلس ذوق الادبي «في رأيي الشخصي ان المشهد الثقافي في المنطقة الشرقية ومدينة الدمام بشكل خاص مشهد مختطف ومسروق، تسلق جدرانه فئة لا تمثل إلا نفسها وتتجاوز قيم المجتمع وثقافته مقارنة ببقية المناطق، وهذا يفسر السبب في تراجع نشاط المؤسسات الثقافية وتأخرها عن القيام بدورها في المحافظة على الارث الادبي والثقافي، مما أدى الى غياب التغطية الاعلامية عن المحيط الثقافي الاصيل وضعف وتكاتف التواصل بين المثقفين».
واستطرد صليم «ما حدث في الساحة الثقافية أدى إلى ابعاد الرموز الثقافية الجادة من الواجهة في الوقت الذي كان لها دور بارز في المنطقة، الامر الذي ادى الى تصدير وتقديم العبث للمنابر الثقافية وبالتالي للاسف الشديد اخذ المثقف بجهده الذاتي ليبدع ويغرد خارج المراكز الثقافية واحيانا خارج البلاد».
تراجع المثقفين
وأضاف صليم «صحيح أن هناك تراجعا في انتاج المثقفين في المنطقة من حيث الكم والكيف وتراجع في المحتوى، ويرجع السبب إلى غياب البيئة المحفزة والعدالة الثقافية، ايضا وجود فئوية نخبوية جوفاء مبنية على المعرفة الشخصانية لا المعرفة التراثية والادبية والثقافية»، مضيفاً «في الواقع أدبي الشرقية خلال سبع سنوات عجاف مارس دور الشرطي لا دور الاستاذ، ودور المطبل لا دور الشاعر، ودور الفوضى الخلاقة، لا دور النظام، وبالتالي لو استمر على هذا الحال بالتأكيد سيعيش خارج التاريخ».