ابعاد الخفجى-محليات:صدر مؤخرًا عدة قرارات مهمة تعد الأقوى منذ أن نشأت أزمة السكن في المملكة، والتي نصت على تسليم جميع الأراضي الحكومية المعدة للسكن إلى وزارة الإسكان وإعطاء وزارة الإسكان الصلاحية الكاملة لاعتماد المخططات لمشاريعها وتكليف وزارة المالية باعتماد مبالغ لتنفيذ مشاريع البنى التحتية وذلك لتوفير أراض مطورة وقروض للبناء عليها.. ولكن الواقع المرير لوزارة الإسكان لم يشفع لها بإعادة ثقتها لدى المواطنين بعد تعثرها في العديد من البرامج والمشاريع التي تتسم بالغموض والضبابية، لذا فإن شريحة من المواطنين والمختصين اعتبرت منح وزارة الإسكان جميع الصلاحيات يحملها العبء الذي ربما يصيبها بالشلل الكامل في ظل إمكانياتها المتواضعة.
اهتزاز الثقة
وقال المواطن نمر ال مجمل إن «قرار خادم الحرمين أعاد لنا الأمل بتحقيق حلم الملايين من المواطنين وهو امتلاك مسكن»، وأضاف «لا شك أن هذه القرارات الأخيرة جاءت في الوقت الذي يئس فيه الكثير من المواطنين في حل مشكلة امتلاك المسكن، ونحن متفائلون بهذه القرارات رغم اهتزاز ثقتنا في وزارة الإسكان التي لم نر منها سوى التصاريح في الصحف لمشاريعها وبرامجها التي لم تر النور بعد، وكل ما نتمنى من هذه الوزارة هو ايضاح الرؤية للمواطنين عن مشاريعها وبرامجها، وأقرب مثال لغموض وزارة الإسكان هو برنامج القرض بدون امتلاك الأرض الذي لا يزال المسؤولون صامتين عنه حتى الساعة».
تخوف
ورغم تفاؤل الكثير من المواطنين إلا أن المواطن ناصر الكزيم متخوف من تأخر البدء في تنفيذ القرارات، وقال: «أبرز ما يشغل المواطن في أي بلد من البلدان هو تأمين مسكن له ولعائلته حتى يستوطن ويحس بانتمائه لوطنه ناهيك عن المستلزمات الحياتية الأخرى التي تشعره بالاطمئنان في وطنه، ونحن ولله الحمد نعيش في هذا البلد بطفرة حقيقية نشهدها في ظل الميزانية المباركة والمتوسعة عاماً تلو الآخر، ولكن للأسف أصبحت مشكلة الانتظار في طوابير وزارة الإسكان طويلة الأمد وهذا ما يجعلنا متخوفين من فشل وزارة الإسكان في سرعة تنفيذ القرارات الملكية الأخيرة الخاصة بتوفير الأراضي والمساكن للمواطنين».
غياب الآليات مثل الجدول الزمني لتنفيذ هذه القرارات، وكذلك معايير الاستحقاق التي وردت في بعض القرارات تجعل عمل وزارة الإسكان عملا يتسم بالضبابية
حلقة مفرغة
ويرى المواطن صالح الغامدي أن «الخلل مشترك بين وزارة الإسكان وبعض الوزارات. ويقول: «صدور مثل هذه القرارات والتشديد على تسليم جميع الأراضي الحكومية المعدة للسكن إلى وزارة الإسكان يدل على وجود حلقة مفرغة بين الوزارات في حل مشكلة الإسكان في المملكة، كما أن أصحاب الأراضي البيضاء شركاء في تعطيل تنمية البلد ومتسببون في نشوب الأزمة، ويفترض إجراء قرارات صارمة لفك احتكار الأراضي أمام مشاريع إسكان المواطنين».
أزمة السكن
وقال الاقتصادي مقبل السلمي إن «هذا القرار يعد الأقوى والأفضل منذ أن بدأت تنشأ أزمة السكن في المملكة، ولكن هناك بعض الإشكاليات تقف أمام هذه القرارات». وأضاف «الإشكالية الأولى تكمن في أن الأراضي التي يمكن تسليمها من وزارة الشؤون البلدية إلى وزارة الإسكان في الفترة الحالية محدودة مقارنة بحجم الطلب، لأن معظم الأراضي الموجودة داخل إطار المدن قليلة جدًا ولأن معظم الأراضي مملوكة لأشخاص. والإشكالية الثانية أن وزارة الإسكان لم تستطع إنجاز أول مهمة لها وهي إنشاء 500 ألف وحدة سكنية، والتي أمر بها خادم الحرمين الشريفين قبل ثلاثة أعوام، مع أن هذا المشروع يعد صغيرا مقارنة بما يجب أن تقوم به الوزارة حيث إن عدد المواطنين الذين لا يملكون مساكن يقدر بالملايين، وبالتالي إضافة مهمة جديدة لها ستتسبب في البطء من عملها خصوصًا أن وزارة الإسكان لم تقدم ما يبث روح التفاؤل».
غياب الآليات
وانتقد السلمي الضبابية التي يتسم بها عمل وزارة الإسكان حيال هذه القرارات وقال: «بشكل عام فإن غياب الآليات مثل الجدول الزمني لتنفيذ هذه القرارات، وكذلك معايير الاستحقاق التي وردت في بعض القرارات يجعل من عمل وزارة الإسكان عملا يتسم بالضبابية». وأضاف «من حيث أثر هذه القرارات على سوق العقار، فالأصل أنه سيساهم بشكل كبير في انخفاض الأسعار خصوصًا أسعار الأراضي، إلا أنه وللأسباب آنفة الذكر المتعلقة بعدم وضوح الآليات فإن الأثر على الأسعار لن يظهر على المدى المنظور». وتساءل السلمي عن الامتياز الذي يوجد في وزارة الإسكان وغير متوافر في وزارة الشؤون البلدية وقال: «الأصل أن تكون المنح مطورة ومجهزة، ووزارة الشؤون البلدية لديها الامكانات والخبرة التي تستطيع من خلالها تطوير الأراضي السكنية، ولكن أعتقد أن سحب المنح للإسكان مجرد عمل تنظيمي».
الواقع المرير
من جانبه قال رئيس قسم التخطيط الحضري والإقليمي سابقا بكلية العمارة والتخطيط. جامعة الدمام الدكتور محمد العيسى إن «قرارات خادم الحرمين الشريفين في شأن الأراضي السكنية ووزارة الإسكان وتوفير السكن للمواطنين جاءت لتضع النقاط على الحروف لمبادرة حازمة وجازمة طال انتظارها والترقب لها وهي في الحقيقة استكمال لمبادرة خادم الحرمين الشريفين حفظه الله في إنشاء وزارة الإسكان المكلفة بتوفير السكن الكريم لكل مواطن سعودي». وأضاف العيسى: «لعل العقبات التي وقفت أمام وزارة الإسكان كشفت أن الوزارة اصطدمت بالواقع المرير لسوق العقار، الذي استمرأ احتكار الأراضي السكنية كأداة لإدارة السوق خلال العقود السابقة وإلى الآن حتى وصلت الحال إلى ما وصلنا إليه من ارتفاع لأسعار الأراضي إلى حدود غير مبررة تفوق إمكانات معظم المواطنين، هذا بالإضافة إلى أن سوق العقار الخاص استحوذ وسيطر على الأراضي السكنية الصالحة للسكن داخل النسيج الحضري وحول المدن فيما عدا المخططات السكنية لذوي الدخل المحدود والتي تفتقر في معظمها للمعايير التخطيطية النموذجية وللبنية التحتية اللازمة مما شكل عقبة كؤد أمام طموحات وزارة الإسكان للحصول على اراضي سكنية مناسبة لمشاريع الإسكان وهذا الأمر اضطر وزارة الإسكان أن تقبل بأراض معزولة خارج النسيج الحضري وعلى أطراف المدن الذي ربما نتج عنه إنشاء مشاريع سكنية معزولة تساهم على المدى البعيد في تكريس العزل الاجتماعي الذي يتنافى مع التنمية الاجتماعية السليمة. وهكذا اصطدمت طموحات وزارة الإسكان وتطلعات وآمال المواطنين بالواقع المرير حتى كادت تخبو شعلة الأمل لدى الكثير في الحصول على سكن كريم لهم ولأسرهم. وقد جاءت قرارات خادم الحرمين الشريفين لتوقد شعلة الأمل من جديد».
على المحك
وذكر العيسى أن من أهم ما تضمنته هذه القرارات «تسليم جميع الأراضي الحكومية المعدة للسكن إلى وزارة الإسكان وإعطاء وزارة الإسكان الصلاحية الكاملة لاعتماد المخططات لمشاريعها وتكليف وزارة المالية باعتماد مبالغ لتنفيذ مشاريع البنى التحتية وذلك لتوفير اراض مطورة وقروض للبناء عليها»، مضيفا «هذه القرارات الحازمة الجازمة مكنت وزارة الإسكان بالمال والأرض والصلاحيات التنظيمية مما يضع الوزارة على المحك وفي موقع المسؤولية والمساءلة لإنجاز المهمة المطلوبة من القيادة وتحقيق طموحات المواطنين في الحصول على السكن الكريم».
التطوير العمراني
وفي إطار هذه المبادرة الحازمة والجازمة من خادم الحرمين الشريفين اقترح العيسى «توسيع دائرة اختصاص وزارة الإسكان». وقال: «في ضوء الصلاحيات الجديدة الممنوحة لوزارة الإسكان لتخطيط وتطوير الأراضي السكنية ومشاريع الإسكان عليها، فإني أقترح توسيع دائرة اختصاص الوزارة لتؤول إليها مسؤولية المناطق السكنية المحددة في المخططات العامة للمدن والبلدات والقرى بل ومشاركة البلديات في تخطيط المدن والأقاليم لضمان توفير الأراضي السكنية المستقبلية وكذلك تطوير المناطق السكنية الجديدة المحددة في الخطط العمرانية والإقليمية وللتأكيد على هذا الدور التطويري أقترح أن يطلق على وزارة الإسكان وزارة الإسكان والتطوير العمراني. ولدعم الوزارة لأداء مهمتها ومسؤولياتها الجديدة، أقترح تمكينها نظاما بحصر حقوق تطوير الأراضي والمناطق السكنية على وزارة الإسكان فقط بحيث تؤول إليها مسؤولية تخطيط وتطوير المناطق السكنية وإقامة مشاريع الإسكان العام عليها وهذا سيؤدي إلى توفير الأراضي اللازمة لمشاريع الإسكان المطروحة حاليا ومشاريع الإسكان القادمة بإذن الله، كما أن ذلك سوف يضعها في موقع تفاوضي أقوى للدخول في شراكات مع مالكي الاراضي وشركات التطوير العقاري الجادة، وبالتالي بالاستفادة من الأراضي المملوكة غير المطورة والمخططات العالقة والقريبة من النسيج الحضري القائم بدلا من أن تكون مشاريعها في مواقع نائية أو معزولة وكآلية انتقالية أقترح البدء بتحديد النطاق العمراني للحواضر والمدن من قبل الأمانات والبلديات بمشاركة وزارة الإسكان لتحديد جميع الاراضي المخططة وغير المطورة والأراضي الصالحة للسكن كمناطق سكنية مستقبلية على أن تتولى وزارة الإسكان مسؤولية تطويرها حسب أوضاعها، فالأراضي غير المملوكة والصالحة للسكن تتولى وزارة الإسكان تخطيطها وتطويرها لإقامة مشاريع الإسكان عليها وأما المخططات القائمة وغير المطورة فتقوم الوزارة من خلال صيغ مناسبة من الشراكة مع مالكي تلك الأراضي والمخططات بإعادة تخطيطها بمعايير الوزارة وتطويرها وإقامة مشاريع إسكانية عليها. كما أقترح أيضا تمكينها نظاماً بحصر حقوق تخطيط وتطوير الأراضي البور الجديدة للأغراض السكنية على وزارة الإسكان فقط وهذا سيساهم في تطوير حواضر سكنية حول المدن الآهلة والكبيرة وكذلك تطوير مستوطنات سكنية جديدة في مواقع تحددها الخطط الإقليمية».
آمال المواطنين
وأردف العيسى حديثه قائلاً: «لا ينبغي أن ننسى أن المجتمع والمواطن لن يرضى من وزارة الإسكان إلا بمشاريع سكنية حضارية تليق بمبادرة خادم الحرمين الشريفين وآمال المواطنين وعليه لابد من تنفيذ المشاريع الإسكانية وبنيتها التحتية على أرقى المعايير التخطيطية والهندسية والبيئية والاجتماعية للمساهمة في بناء الإنسان والأسرة والمجتمع والوطن ولا ننسى كذلك أن نطالب الوزارة بأن تبادر إلى تطوير وتأهيل إمكانياتها الإدارية والتنظيمية والفنية وكوادرها البشرية لتكون في موقع المسؤولية والمساءلة عن أمر الإسكان في المملكة العربية السعودية وليكون منتجها النهائي لائقا بالمواطن السعودي الكريم».