ابعاد الخفجى-محليات:اتفق اقتصاديون على أن بعض التجار ينظرون لشهر رمضان على أنه فرصة من ذهب، لترويج سلعهم الفاسدة والبائرة، والتخلص منها في زحمة الشراء العشوائي الذي يقبل عليها الكثير من المواطنين في هذا الشهر، محذرين من أن الكثير من التجار ينتظر قدوم الشهر الفضيل بفارغ الصبر، لطرح سلعه الفاسدة، بأسعار مغرية، حتى يمكنهم التخلص منها، وشدد الاقتصاديون على أن المواطن ينبغي أن يلعب دور الرقيب عند شراء احتياجاته الرمضانية، ولا ينتظر دعما من الجهات الرقابية.
وتوقع الاكاديمي والمستشار الاقتصادي الدكتور عبدالله خالد بن ربيعان ان يكون هناك تلاعب من التجار في رمضان لترويج وتسويق سلعهم الفاسدة والبائرة والمنتهية الصلاحية، مستغلين مناسبة الشهر الفضيل، وذلك نتيجة وجود ما يزيد عن 30 جنسية تبيع وتشتري في سوقنا، وكثير منهم ليس لديهم رادع من أخلاق أو دين، يمنعهم من ارتكاب المخالفات. ولأن شهر رمضان ينظر له من قبلهم على أنه موسم تصريف جميع السلع، وزيادة الأرباح نتيجة ارتفاع حجم الإقبال والشراء في هذا الشهر الكريم فإن التلاعب والغش متوقع ومحتمل. وليت الأمر يتوقف على رفع الاسعار فقط، ولكنه قد يتعداه إلى الغش التجاري في البضائع المعروضة، وبعضها قد تشكل خطرا على صحة المستهلك وسلامته، وهذا يتطلب «وعيا من المستهلك، وحذرا من الوقوع في الغش والتدليس»، بحسب تجار مواد غذائية.
المستهلك الرقيب
وأكد الدكتور ابن ربيعان ان وزارة التجارة، وخصوصا بعد تسلم الدكتور توفيق الربيعة لقيادتها تبذل مع أمانات المدن جهودا كبيرة للقضاء على الغش والتلاعب، ولكن لا يمكن للوزارة وضع مراقب على باب كل محل أو مركز لبيع المواد الغذائية، مشيرا الى انه ينبغي أن يلعب المواطن والمستهلك دور الرقيب، فلو أن كل مستهلك أبلغ الوزارة عن الغش والتلاعب لما تجرأ التجار والعمالة الوافدة في أسواقنا على ممارسة الغش والتلاعب. ولذا أرى أن دور المواطن المستهلك مهم للغاية للتصدي لظاهرة الغش والتلاعب في أسواقنا والتي تستفحل وتزيد عاما بعد آخر.
الجهات المعنية
وعن دور الجهات المعنية في مراقبة السلع اوضح الدكتور ابن ربيعان أن «الحملات التي قامت بها أمانة الرياض مؤخرا كشفت الكثير من المآسي وعمليات الغش الحاصل في أسواقنا، بل أن كثيرا من المطاعم العالمية الشهيرة كانت مارست هذا الغش، رغم أن هذه المطاعم في بلدان أخرى، لا تجرؤ على فعل ذلك، ولكنها لدينا تسرح وتمرح وتغش بلا رقيب أو حسيب، ولهذا انكشفت هذه الأسماء بعد أن انتبهت الأمانة لذلك، وبدأت فعليا في ممارسة دورها المطلوب والمأمول منها».
وأضاف ابن ربيعان «أما جمعية المستهلك، فهي دخلت مشكلات قانونية ومالية لم تخرج منها إلى اليوم، ولا يعول عليها أن تقدم شيئا بوضعها الحالي، معولا على دور المواطن بأن يكون هو الرقيب وخط الدفاع الأول لحماية صحته وأمواله ووطنه من ظاهرة الغش والتلاعب، وبيع السلع المقلدة والمنتهية الصلاحية، والتي قد تكلفه لا سمح الله حياته أو حياة أحد افراد أسرته».
تثبيت الأسعار
وتابع ابن ربيعان «اقتصاديا، التسعير غير محبذ وغير مقبول في الخضار والفواكه ، فالتسعير يفرز عادة ظاهرة البيع في السوق السوداء. ولو تم تفعيل نظام التسعير لما عرض في السوق سلع، وبالتالي ينتشر البيع خارج السوق، وفي الأزقة والممرات البعيدة عن عيون الرقيب. ولهذا فإن ترك الأسعار لقوى العرض والطلب هو الصحيح، ولا يجوز التدخل لإفساد عمل السوق بالتسعير أو غيره. وكل ما نحتاجه هو توعية المواطن للعب دوره الصحيح، وقيام الجهات الرقابية في أمانات المدن، ووزارة التجارة بدورها المطلوب».
فئات خاصة
وحول البطاقات التموينية قال ابن ربيعان: «هي طريقة جيدة لتوصيل الدعم إلى الفئات أو الطبقات منخفضة الدخل في المجتمع، فالدعم بحسب السلعة المطبق عندنا حاليا يستفيد منه الأغنياء أضعاف ما يستفيد منه الفقراء الموجه لهم هذا الدعم في الأساس. ولهذا فإن الدعم عن طريق البطاقة التموينية سيوفر كثيرا على ميزانية الحكومة».
ويتابع ابن ربيعان «هناك عيوب للبطاقة التموينية، ومنها انها ستعطى للمواطن حسب الراتب، ولو كانت ستعطى مثلا لمن يقل راتبه عن 3 آلاف ريال، فإن من يزيد راتبه قليلا عن 3 آلاف ريال سينزلق سريعا للأسفل لأنه لن يحصل على البطاقة وسيفقد الدعم الحالي، كما أن الدعم بحسب البطاقة التموينية سيكون مأساة إذا لم تصل البطاقة ولم توزع على مستحقيها من الفقراء وذهبت لشرائح أخرى بسبب الواسطة والمحسوبية، وسوء الإدارة، عندئذ سيتضرر الفقير فعلا. وخلاصة ما أود أن أقوله هو أن نظام البطاقة التموينية جيد إذا تمت إدارة توزيعها على الفقراء بكفاءة، وما عدا ذلك فلن تكون ذا فائدة».
احد المتسوقين يقارن بين اسعار البضائع
حيل وتلاعب
اضاف الكاتب الاقتصادي فضل البوعينين أن «التجار يستغلون المواسم لهدفين رئيسيين؛ الأول هو رفع الأسعار؛ والثاني تسويق البضائع التي شارف تاريخ صلاحيتها على الانتهاء؛ أو البضائع المتكدسة وغير المرغوب فيها؛ وذلك من خلال العروض التجارية التي لا تخلو من الحيل والتلاعب؛ إلا من رحم ربي». وقال: «المواسم فرصة لتسويق البضائع وزيادة حجم المبيعات من خلال الترويج لها؛ وإغراء المستهلكين بالشراء بطرق مختلفة، ومنها الإعلانات التجارية؛ والعروض؛ وأسلوب عرض البضائع؛ والمسابقات وغيرها من طرق الجذب».
منظومة رقابية
وأكد البوعينين ان «وزارة التجارة لم تستطع حتى الآن؛ وبرغم نشاطها في الآونة الأخيرة؛ السيطرة على الأسواق وذلك يعود للإمكانات البشرية المتاحة؛ فنحن نتحدث عن أسواق كثيرة وفي مناطق ومدن على مساحة مترامية الأطراف. لا يمكن لوزارة التجارة وحدها أن تحقق هدفها الرقابي وأن تنجح في ضبط الأسواق مهما اجتهدت. لذا يجب أن نتحدث عن منظومة رقابية تتبع لأكثر من جهة؛ فوزارة الشؤون البلدية مسؤولة من خلال الأمانات والبلديات؛ وجمعية حماية المستهلك مسؤولة أيضا عن متابعة الأسواق حماية للمستهلكين؛ إضافة إلى دور إمارات المناطق والمحافظات والمجالس البلدية المغيب في هذا الجانب. فلو اكتملت المنظومة الرقابية وقامت بعملها الرقابي والإشرافي لما تجرأت قطاعات التجزئة؛ وخاصة المواد الغذائية؛ على التلاعب بالأسعار واستغلال المواسم بأساليب مضرة بالمستهلكين».
وزارة التجارة تبذل مع أمانات المدن جهودا كبيرة للقضاء على الغش والتلاعب، ولكن لا يمكنها وضع مراقب على باب كل محل أو مركز لبيع المواد الغذائية، وينبغي أن يلعب المستهلك دور الرقيب، فلو أن كل مستهلك أبلغ الوزارة عن الغش والتلاعب لما تجرأ التجار على ممارسة الغش والتلاعب.
مراقبة السلع
واضاف البوعينين أن «الدور الرقابي على السلع ما زال محدودا للغاية في أسواقنا، وهو غير ظاهر تماما في المدن والقرى النائية؛ فلا وجود لنشاط وزارة التجارة؛ ولا البلديات ولا حماية المستهلك؛ ومعظم الزخم الإعلامي الذي نشهده حيال الرقابة لا يمثل الحقيقة المرة التي تعيشها المدن والقرى النائية التي يمكن أن تكون بيئة خصبة لتسويق المنتجات الفاسدة أو التي قارب تاريخها على الانتهاء؛ فإنعدام الرقابة يؤدي إلى تمادي التجار في تسويق بضائعهم الرديئة والمغشوشة والتلاعب في الأسعار». وقال البوعينين ان «جمعية حماية المستهلك للاسف الشديد لم تقم بالدور المأمول منها؛ وهي ولدت ضعيفة وانشغلت بنفسها أكثر من انشغالها بما يهم المستهلكين، لا نعول حقيقة على دورها، فهي أضعف من أن تسهم في تحقيق الرقابة على السلع أو أن تحمي المستهلكين. لذا يجب أن تكون خارج المعادلة الرقابية حتى تعود إلى الحياة من جديد. أما المستهلك فهو واقع بين سندان وزارة التجارة ومطرقة التجار؛ لا يعلم ماذا يفعل؛ فهو مضطر لإشباع حاجاته الاستهلاكية بغض النظر عما يفعله التجار على أساس أنه لن يجد الحماية وإن بحث عنها. نحن لا نتحدث عن المدن الرئيسة التي يمكن أن يكون دور وزارة التجارة فاعلا فيها؛ بل عن المدن النائية والبعيدة عن إشراف الوزارة؛ فمن يحمي المستهلك إن اشتكى من ظلم التجار؟».
بطاقات تموينية
وعن البطاقات التموينية رأى البوعينين أنها بديل مناسب عن الدعم الحكومي الذي يستفيد منه السعودي وغير السعودي؛ ويستفيد منه الغني والفقير. ويفترض أن يكون هناك توجيه للدعم الحكومي بأن يستفيد منه من يحتاجه ويمنع عن الآخرين؛ ومن هنا تكون البطاقة التموينية الوسيلة المناسبة لتحقيق ذلك الهدف، وإيصال الدعم لمستحقيه. أعتقد أن الجمعيات التعاونية هي القادرة على السيطرة على الأسعار إذا ما تم تنفيذها بكفاءة؛ وكم أتمنى أن يتدخل بعض التجار من أهل الخير والصلاح لدعم إنشاء الجمعيات التعاونية كل في مدينته وحيه؛ فانتشارها يساعد على تحقيق هدفي الربحية المعقولة للمساهمين؛ وضبط أسعار السلع؛ كما يمكن أن تكون مركزا لإيصال الدعم الحكومي لمستحقيه المسجلين في الأحياء أو المدن. وطالب البوعينين أن تهتم الحكومة بنشر الجمعيات التعاونية. وقال: يجب على الأمانات توفير أراض مناسبة لها كجزء من الدعم الحكومي وبما يحقق هدف التكافل الاستثماري الذي يجمع بين الاستثمار من جهة وبين مراعاة حاجة المشترين للحصول على سلعهم بأسعار مقبولة وغير مبالغ فيها من جهة أخرى.