ابعاد الخفجى-سياسة:
تبدأ المحكمة الدولية الخاصة بلبنان -التي تنظر في ملابسات اغتيال رئيس الوزراء اللبناني السابق رفيق الحريري- غدًا الخميس المحاكمة الغيابية لأربعة عناصر منتمين لحزب الله اللبناني ومتهمين باغتيال الحريري في 2005، فيما قال أمين تيار المستقبل، احمد الحريري: إن “هذا القطار متى سار لا يمكن لاحد ايقافه. سنصل الى العدالة. بداية المحاكمات هي اول الطريق”.
وأعلنت المحكمة الدولية الخاصة بلبنان، أن غرفة الدرجة الأولى تعقد جلسة تمهيدية غدًا للاستماع إلى الطلبات الأولية المقدمة من الادعاء ومحامي الدفاع عن حسن حبيب مرعي، بشأن احتمال ضم القضية المقدمة ضد مرعي إلى قضية عياش وآخرين.
وأوضحت المحكمة أن “القضيتين ترتبطان باعتداء 14 شباط 2005 الذي أدى إلى مقتل 22 شخصًا بمن فيهم رئيس الوزراء اللبناني السابق رفيق الحريري وإصابة 226 شخصا آخر بجروح، وأن الجلسة التي ستعالج مسائل إجرائية تبدأ في الساعة 11.30 (بتوقيت وسط أوروبا)، وستكون علنية، غير أن القضاة قد يقررون تحويلها إلى جلسة سرية إذا دعت الحاجة إلى مناقشة مسائل تتسم بطابع السرية”.
وسيبدأ الادعاء بتقديم عناصر الاتهام بعد تسع سنوات على التفجير الذي أدى إلى انسحاب القوات السورية في لبنان بعد وصاية استمرت حوالي ثلاثين عامًا على هذا البلد، وثلاث سنوات على بدء النزاع في سوريا.
ويوضح نص الاتهام أن مصطفى بدر الدين (52 عامًا) وسليم عياش (50 عاما) -وهما مسؤولان عسكريان في حزب الله- دبرا ونفذا الخطة التي أدت إلى مقتل رئيس الوزراء الأسبق مع 22 شخصًا آخرين، بينهم منفذ الاعتداء في 14 فبراير/ شباط 2005 في بيروت، حيث أصيب في التفجير أيضًا 226 شخصًا.
أما المتهمان الآخران فهما العنصران الأمنيان حسين عنيسي (39 عامًا) وأسد صبرا (37 عامًا)، حيث وجهت لهما تهمة تسجيل شريط فيديو مزيف تضمن تبني الجريمة باسم مجموعة وهمية أطلقت على نفسها “جماعة النصر والجهاد في بلاد الشام”، كما ان الادعاء الذي يعتزم استدعاء ثمانية شهود -بعد بيانه الافتتاحي صباح غد الخميس وبعد غد الجمعة- يريد التمكن من إثبات جرم المتهمين عبر الاتصالات بين عدة هواتف نقالة تخصهم.
كما أعلن الادعاء توجيه التهم إلى شخص خامس هو حسن مرعي في 10 أكتوبر الماضي.
والمحكمة -التي بدأت عملها في مارس 2009 في ضواحي لاهاي- شكلت على الدوام موضع خلاف في لبنان.
وقد شكلت المحكمة الخاصة باغتيال الحريري بناءً على طلب من الحكومة اللبنانية تقدمت به إلى الأمم المتحدة في 13 ديسمبر 2005، لمحاكمة المسؤولين المفترضين عن الهجوم الذي أدى إلى اغتيال رفيق الحريري و22 آخرين.
ويتيح بدء المحاكمات في اغتيال رئيس الحكومة السابق رفيق الحريري فرصة لتحقيق العدالة للمرة الأولى في تاريخ لبنان حيث بقيت سلسلة طويلة من الاغتيالات السياسية خلال اربعة عقود من دون عقاب، مع استبعاد أي تأثير فوري لهذا الحدث على البلد الذي يتمحور الانقسام فيه حول سوريا.
يتابع أحمد الحريري”كنا نعرف ان هذه الطريق طويلة ومعبدة بالشوك والالغام ومزيد من الاغتيالات… مع بداية المحاكمات وتحقيق العدالة، سنزيل عنصرًا رئيسيًا رافق الحياة السياسية في لبنان، وهو الاغتيال السياسي”
الحد من الإرهاب
ويقول الاستاذ في القانون الدولي في الجامعة اللبنانية سامي سلهب لوكالة فرانس برس: “للمرة الاولى، ثمة محاولة للوصول الى الحقيقة. في تاريخ لبنان بقيت غالبية الاغتيالات(…) من دون نتيجة” في التحقيقات. وهو يرجح أن “تمتد القضية سنوات اضافية”، الا انه شدد على ان “الفائدة من المحكمة هي الحد من العمليات الارهابية التي تحصل في لبنان، ومنها الاغتيالات”.
الحريري: طريق طويلة
ويقول احمد الحريري، الامين العام لتيار المستقبل الذي يترأسه سعد الحريري، نجل رفيق الحريري، “المسار الذي اخترناه وتمثل بتمسكنا بالعدالة(….) سيزهر”.
ويضيف “ما زال لدينا طريق طويلة لبلوغ الحقيقة، لنصل الى مرة اولى في لبنان تتخذ فيها جريمة سياسية مسارًا قضائيًا”.
ويتابع “كنا نعرف ان هذه الطريق طويلة ومعبدة بالشوك والالغام ومزيد من الاغتيالات… مع بداية المحاكمات وتحقيق العدالة، سنزيل عنصرًا رئيسيًا رافق الحياة السياسية في لبنان، وهو الاغتيال السياسي”.
ثمانية اغتيالات
وبعد اغتيال الحريري في 2005، قتلت ثماني شخصيات سياسية واعلامية مناهضة لدمشق في عمليات تفجير واطلاق نار طال آخرها السياسي القريب من سعد الحريري محمد شطح في 27 ديسمبر. كما قتلت ثلاث شخصيات امنية وعسكرية. ووجه خصوم دمشق اصابع الاتهام في كل هذه العمليات الى النظام السوري وحزب الله. الا ان التحقيقات القضائية فيها لم تنته الى اي خلاصات واضحة.
كما شهد لبنان خلال الحرب الاهلية (1975-1990) اغتيالات استهدفت سياسيين ورجال دين. ودخل الجيش السوري الى لبنان في 1976 وانسحب في نيسان/ أبريل 2005 اثر ضغوط دولية وشعبية تلت اغتيال الحريري. وحظيت دمشق خلال هذه الفترة بنفوذ واسع في الحياة السياسية اللبنانية. ورغم انسحاب جيشها، احتفظت بتأثير في لبنان من خلال حلفائها وعلى رأسهم حزب الله.
ومنذ ذلك الحين، يشكل الموقف من دمشق محور انقسام حاد في البلد الصغير ذي التركيبة السياسية والطائفية الهشة تسبب خلال العقد الماضي بأزمات سياسية متلاحقة، كانت المحكمة الدولية في صلب بعضها.
ويقول استاذ العلوم السياسية في الجامعة اللبنانية غسان العزي: إن “النزاع السوري طغى على المحكمة الدولية من الناحية الاعلامية، لم يعد لديها الوهج القديم(…). لم تعد المحكمة رهانًا كما كانت في الاعوام الماضية”.
ويضيف “الاحداث في سوريا تشكل خطرًا كبيرًا جدًا على لبنان والمنطقة، اضافة الى التفجيرات التي وضعت لبنان في أتون الحرب السورية، وبات مصيره مرهونًا بحرب لا افق لنهايتها”.
ويوضح “للأسف غرقت المحكمة تحت هذا الكم الكبير من الاحداث والهواجس التي أضعفت أهميتها”.
لا مفاجات متوقعة
ويرى العزي ان اهتمامات اللبنانيين “باتت في سوريا وجنيف2 (المؤتمر الدولي حول سوريا)(…). نحن نعيش في وضع أمني مضطرب جدًا. تشكيل الحكومة والأمن بالنسبة إليهم اكثر اهمية اليوم من المحكمة”.
ويتزامن بدء المحاكمات مع فراغ حكومي قائم منذ استقالة رئيس الوزراء نجيب ميقاتي في مارس. وحال الانقسام السياسي دون تشكيل حكومة جديدة حتى الآن.
رغم ذلك، يرجح المحللون ألا يترك انطلاق المحاكمات تأثيرًا كبيرًا على الوضع الداخلي على المدى القصير.
ويقول العزي: “لا مفاجآت متوقعة من المحكمة. الاتهام واضح لعناصر من حزب الله(…)، لم يعد منتظرًا من المحكمة ان تغير مجرى الاحداث او تؤدي الى صدمة”.
الا انه يستدرك أن “التأثير سيكون كبيرًا على الوضع الهش جدًا في لبنان”، اذا ثبت ضلوع الحزب، احد ابرز الاطراف السياسيين والذي يمتلك ترسانة عسكرية ضخمة.
ويرى الحريري من جهته ان حزب الله “في مسار انحداري منذ دخوله إلى سوريا”.
سعد الحريري إلى لاهاي
وفي السياق، يشارك سعد الحريري رئيس الحكومة اللبنانية السابق على رأس وفد موسع في قوى «14 آذار»، في الجلسة الافتتاحية للمحكمة الدولية الخاصة بلبنان ،الى جانب شخصيات سياسية أجنبية ووفد إعلامي كبير.
وفي سياق متصل، زار وفد من نقابتي المحامين في بيروت وطرابلس برئاسة النقيبين جورج جريج وميشال خوري الرئيس أمين الجميّل الذي اعتبر ان العدالة هي المدخل الطبيعي الى الاستقرار والسلام والوحدة الوطنية والشراكة الوطنية.
وإذ رأى أن المسار القضائي في لاهاي سيفضي الى تعزيز الاستقرار بعد صدور الحكم، آمل أن تنسحب المحاكمة بعد لفظ الحكم وفصل المتهم عن بيئته، إيجابًا على الوحدة الوطنية والمؤسسات الدستوري.