ابعاد الخفجى-سياسة:
بعد أن تماثل الطفل محمد أبو كَلُّوب (7 أعوام)، للشفاء، إثر إصابته بشظايا صاروخ صهيوني، في مختلف أنحاء جسده، أقرّ الطبيب المشرف على حالته الصحية، أنه لا داعي لتواجده داخل المستشفى لفترة أطول.
وبالفعل، غادر الطفل المُصاب مستشفى “شهداء الأقصى”، في مدينة دير البلح، وسط قطاع غزة، بعد أن لاحظ الأطباء التئام جروحه، على أمل أن يتحسن وضعه الصحيّ، بإشراف طبيّ “منزلي”، كما قالت خالته، صابرين الأشقر.
وبعد مرور أسبوع من مكوث الطفل كلوب داخل منزله خاضعاً لـ”العلاج”، لاحظ الممرض المشرف أن قدمه “اليسرى” التي أصيبت بشظايا الصاروخ، وتمت معالجتها، قد تعرضت أنسجتها الجلدية والعضلية لـ”تهتكٍ” كامل.
وتابعت الأشقر: “بينما كان الممرض يغيّر جروح قدمه، فوجئ بتعرض الأنسجة لتهتك وتآكل بشكل كامل، مما اضطررنا للعودة إلى نفس المستشفى لاستكمال العلاج”، وفقًا لـ”الأناضول”.
وبيّنت أن الوضع الصحي للطفل “كلوب” كان قد شهد تحسناً، إلا أن تآكل العظام والأنسجة جاء بشكل متأخر، وأشارت إلى أن الأطباء أخبروها أن ذلك التآكل المتأخر يرجع إلى “نوعية الأسلحة والمواد المتفجرة التي استخدمتها قوات الاحتلال في الحرب”.
وفي قصة مشابهة، عانت الطفلة ندى العصّار، (8 أشهر)، التي أصيبت بشظايا صاروخ صهيوني، استهدف منزلاً قريباً من منزلها، من ذات المشكلة، فبعد أن أخبر الأطباء والدتها بتحسّن وضعها الصحيّ، لاحظت “ارتخاء” المنطقة التي تعرضت لشظايا الصاروخ في “القدم”.
وأضافت والدتها (لمياء): “خرجنا من المستشفى بناء على معلومات طبية أن الطفلة ستتماثل للشفاء، وهي بحاجة إلى رعاية منزلية، مع إشراف طبي دوري، وليس يوميًّا”.
وأكملت: “فوجئنا بأن الأنسجة العظمية بالقدم تآكلت في وقت لاحقٍ، وليس في بداية الإصابة”.
ولتفسير هذه الظاهرة، أكدت الطبيبة صُبحية السرّاج، رئيس قسم الجراحة بمستشفى “شهداء الأقصى”، صحة حديث أهالي الجرحى، مرجعة السبب إلى أنواع الأسلحة والمواد المتفجرة التي استخدمها جيش الاحتلال في حربه على قطاع غزة.
وقالت: “الحالات التي وصلت المستشفى كانت متفاوتة، لكن أغلبها كانت كسوراً في العظام، وتهتكاً في الأنسجة الخارجية للجلد، والعضلات، والأربطة العضلية، وفي بعض الحالات وصل هذا التهتّك للعظام ذاتها”.
وأوضحت أن معظم تلك الحالات شهدت تحسّنا في بداية علاجها، مع أخذ المضادات الحيوية، والعقاقير الطبية اللازمة، وذكرت أنه مع مرور الوقت لاحظ الأطباء تغيّراً في لون الأنسجة التي أصيب بشظايا الصواريخ، ومن ثم حدوث تآكل وتهتّك لها.
وتابعت: “مع الأسف الحالات ازداد وضعُها الصحيّ سوءاً، رغم خضوعها للعلاج والإشراف الطبي، فبعد أسابيع من العناية الطبية، تبدأ الأنسجة الجلدية والعضلية والعظمية بالتآكل والتهتّك”.
وأشارت إلى أن المواد المتفجرة التي استخدمها الجيش الصهيوني، قد تترك المصابين في حالة عدم الشفاء حتّى أشهر وسنوات.
من جانبه، يقول رامي عبده، مدير المرصد الأورمتوسطي (منظمة حقوقية مركزها جنيف)، إنّ الاحتلال استخدم في حربه على قطاع غزة، سلاحاً خطيراً، يتسبّب في “تهتك” أجساد المصابين.
وأضاف: إن طواقم البحث التابعة للمرصد في قطاع غزة، نقلت عن مجموعة من الأطباء في غزة، قولهم إنّهم لاحظوا جروحاً “خطيرة بشكل غير طبيعي”، وأفادوا بأنهم تعاملوا مع العديد من الجرحى الذين وصلوا بسيقان مقطوعة وقد بدت عليها علامات الحرارة الشديدة عند نقطة البتر، ولكن دون وجود آثار شظايا.
وأفاد الأطباء أنهم لاحظوا آثار حروق عميقة وصلت في بعض الحالات إلى العظم؛ فضلاً عن تهتك الأنسجة؛ مما يتسبب في حدوث نزف دموي كبير في العضو المصاب.
وأضاف عبده: ” يُعتقد أن السلاح الذي يؤدي إلى هكذا جروح هو السلاح المعروف باسم (الدايم – المتفجرات المعدنية الثقيلة الخاملة) (DIME; Dense Inert Metal Explosives)، وهي قنابل ما زالت تحت التجربة وتتكون من غلاف من ألياف الكربون محشو بخليط من المواد المتفجرة (HMX أو RDX) ومسحوق مكثف من خليط من معدن “التنغستون” الثقيل (HMTA) والمكون من التنغستون (وهو يسبب السرطان)، والنيكل، والكوبالت، والكربون، والحديد.
وبانفجار هذا الخليط السام تحدث موجة حرارة قاتلة في منطقة القصف مباشرة”.
غير أن عبده شدد على أن هذا السلاح بحسب ما يقول أطباء مختصون ومهندسون كيميائيون يتوفر على أجسام معدنية دقيقة جداً (أقرب ما تكون إلى البودرة وبقطر 1 مليمتر)، ومع قوة الانفجار تدخل هذه الأجسام من خلال أنسجة الجلد دون أن تترك آثاراً أو جروحاً، وتنفجر داخل أنسجة الجسم وتحدث نزيفاً داخلياً كبيراً يؤدي إلى الوفاة.
ويؤكد الأطباء أن هذه الجسيمات لا يمكن اكتشافها بأشعة إكس (x-ray)، وهو ما يجعلها محرمة -بحسب المرصد الأورومتوسطي- بموجب البروتوكول الأول لاتفاقية الأسلحة التقليدية، والمعروف باسم البروتوكول المتعلق بالشظايا التي لا يمكن الكشف عنها (لعام1980)، والذي وقّع عليه كيان الاحتلال؛ وبالتالي فهو ملزم له.