ابعاد الخفجى-سياسة:
ثمن غال يدفعه أطفال سورية، الذين تيتموا بسبب عناد الرئيس بشار الأسد وتعنته وصمه لأذنيه عن كل صيحات العقل ودعوات المخلصين، وإصراره على رهن بلاده وحاضرها ومستقبلها لنظام طهران وأجندته الطائفية التي عفا عليها الزمن، وتجاوزتها الدول التي ترغب في اللحاق بركب الحضارة الإنسانية، وتحقيق التطور الذي لا يقوم إلا على أساس مساواة الإنسان واحترام كرامته الآدمية، بغض النظر عن قناعاته وأفكاره، ما دام يسير في إطار القانون، ويلتزم بالأنظمة واللوائح والموجهات العامة.
منذ أن اندلعت الأزمة التي تصطلي بنارها بلاد الشام قبل قرابة 4 سنوات، ظل الأطفال هم الخاسر الأكبر، والفئة التي تدفع غالبية الفاتورة الجهنمية لتلك الحرب التي تدور بين أبناء الوطن الواحد. لم يرحم النظام ضعفهم، ولم يراع حداثة سنهم، ولم يبال بضياع مستقبلهم، بل سعى للاستفادة من مأساتهم، عبر توظيفهم في كتائب شبيحته تارة، واستغلالهم كورقة للضغط على آبائهم وإخوانهم من الثوار كي يسلموا أنفسهم ويدخلوا معتقلاته. بل إن التقارير الأممية تثبت أن غالبية ضحايا جريمة استخدام الأسلحة الكيماوية في غوطة دمشق الشهرية التي وقعت في أغسطس من العام الماضي كانوا من الأطفال، الذين ما ارتكبوا جرماً، غير أنهم حلموا بوطن جديد متسامح تعلو فيه كرامة الإنسان فوق أي اعتبارات وهمية يضعها في أذهانهم من لا زالوا يعيشون في جاهلية الصراعات المذهبية والطائفية البغيضة.
ونظرة سريعة إلى مخيمات النازحين، قرب الحدود التركية، تكشف حجم المعاناة التي يعيشها آلاف الأطفال، فقد فر معظمهم من القصف والدمار، وقسم كبير منهم فقدوا آباءهم وأمهاتهم بعد أن انهارت منازلهم فوق رؤوسهم بفعل طائرات الأسد وبراميل الموت التي تقذفها عليهم ليل نهار.
في قرية أطمة على الحدود السورية التركية، يعيش قرابة 3 آلاف طفل سوري، في ظروف صعبة للغاية، في منطقة لا تتوفر فيها الكهرباء والماء والمواد الغذائية، ويشهد الأطفال المأساة الإنسانية عن كثب في المنطقة، التي ينتشر فيها حوالي ألفا خيمة. يعيش غالبية هؤلاء إلى جوار أسر لا يعرفونها، بعد أن اصطحبتهم هذه الأخيرة معها إلى مناطق أكثر أمنًا، ويمكن للمشاهد أن يقرأ بكل وضوح آثار المعاناة على وجوههم البريئة.
لم تمر عليهم هذه المأساة ببساطة، ولم تسلم دواخلهم ونفسياتهم من التأثر بها، كيف لا وهي مآس لم يستطع الكبار أنفسهم تحمل مشقتها وأهوالها، فكثير من هؤلاء الأطفال يعانون من مشاكل نفسية، والبعض منهم تختل تصرفاته، فيما يفقد الآخرون القدرة على الكلام. واضطر كثيرون للانخراط في سوق العمل في الدول التي تستضيفهم، مثل الأردن وتركيا ولبنان.
ورغم المشقة التي يعاني منها هؤلاء، ومع أن مصيرهم لا يزال مجهولاً، إلا أنهم ربما كانوا أكثر حظاً من غيرهم الذين فقدوا أطرافهم، أو أصيبوا بعاهات دائمة. فقد أكدت تقارير صادرة عن المرصد السوري لحقوق الإنسان والائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية إلى وجود أكثر من 70 ألف حالة إعاقة دائمة بين الأطفال السوريين منذ انطلاق الثورة في مارس 2011م، وسط مخاوف من ارتفاع هذا العدد بعد تصاعد العنف واشتداد المعارك، حيث تنوعت هذه الإعاقات بين بتر الأطراف بأنواعها والتشوهات الخطيرة والشلل، إلى تعطل الوظائف الحيوية والإصابات الدماغية.
أما الآخرين، الذين قادهم سوء حظهم إلى الوقوع في براثن متشددي تنظيم الدولة “داعش”، فقد بات طريق معسكرات التدريب هو الوحيد أمامهم، حيث يقوم المتشددون بإدخال الأيتام في هذه المعسكرات، وإخضاعهم لعمليات غسيل عقول مكثفة، في إطار ما يسمى زوراً بـ”الدورات الشرعية”، وبعد أشهر قليلة يتم تحويلهم للتدريب على استخدام الأسلحة، بعد أن تكون عقولهم البريئة قد تلوثت بأفكار الضلال والغلو. حتى الأطفال الذين يعيشون بين والديهم في المناطق التي يسيطر عليها المتشددون، لم يسلموا من ذات المصير، حيث يجبر أتباع داعش الأسر على الدفع بأبنائها لمعسكرات التدريب، ومن يرفض تتم مضايقته في أساليب عيشه ووسائل رزقه، وقد يصل به الحال إلى الطرد من منزله ومحاكمته، فاضطر كثيرون للرضوخ.
مأساة مستمرة، أصم ما يسمى بـ”العالم الحر” أذنيه عنها، ورضي بالجلوس على مقاعد المتفرجين، دون أن يطرف له جفن. حتى الاستجابة القليلة التي تحدث بين فترة وأخرى، لم تتجاوز حدود إرسال مواد غذائية وإعانات، لا تغني ولا تسمن من جوع، مع أنه يتحرك إذا تمت الإساءة إلى أي طفل في الغرب، وكأن أطفال سورية أقل درجة في الإنسانية من نظرائهم الغربيين.
12/08/2014 10:06 ص
أطفال سورية.. مصير مظلم بين نيران “الأسد” ومعسكرات “الدواعش”
وصلة دائمة لهذا المحتوى : https://www.alkhafji.news/2014/12/08/161206.html