أبعاد الخفجى-محليات:
العلاقات السعودية الأميريكية علاقات متميزة ضاربة الجذور وراسخة في التاريخ، بدأت هذه العلاقة منذ 1931م، حينما منح الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود – تغمده الله بواسع رحمته – حق التنقيب عن النفط في المملكة لشركة أميركية، تبعها توقيع اتفاقية تعاون بين البلدين عام 1933م، عزّزها لقاء الملك عبدالعزيز بالرئيس الأمريكي فرانكلين روزفلت عام 1945م، لتتطور عبر السنين لتحالف استراتيجي دعم متانة العلاقات بين البلدين في مختلف المجالات.
ومن بين هذه المجالات المهمة تبرز العلاقة الثقافية ذات البعد الحضاري والإنساني كأهم القواسم المشتركة بين البلدين. فالمملكة العربية السعودية رغم تميزها في أبعاد ثلاثة شكّلت شخصيتها أمام العالم وهي البعد الديني والسياسي والاقتصادي إلا أنّ هناك بعداً لا يقل أهمية أو تميزاً ويتمثّل في البعد الحضاري والذي سعت المملكة إلى تجسيده واقعاً عبر معارض ثقافية وحضارية تم نقلها إلى الولايات المتحدة الأمريكية، وهي معارض تنطلق من رؤية برعاية كريمة من لدن خادم الحرمين الشريفين بهدف إبراز ما تتميز به المملكة من بعد حضاري وثقافي، وقد استطاعت تلك المعارض المختلفة عبر محطاتها العديدة في أميركا وغيرها إلى تأكيد حقيقة هامة وهي أنّ المملكة وريثة لسلسلة حضارات عظيمة توجها الإسلام وهذبها، ونوّه بهذه المكانة السامقة في مناسبات عديدة صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن سلمان بن عبدالعزيز رئيس الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني الذي أكد على أن المملكة دولة وحضارة ليست طارئة على التاريخ، بل إن المكانة التي تتبوؤها اليوم وما تقوم به قيادتها الراسخة هي امتداد لإرث حضاري عريق، حيث تقاطعت فوق أرضها حضارات كان لها دور أصيل في رسم معالم الخريطة الحضارية الإنسانية. ولعلّ معرض “روائع آثار المملكة العربية السعودية عبر العصور” في أحد محطاته في الولايات المتحدة الأمريكية والذي استضافه متحف “سميثسونيان” قبل سنوات واستمرت فعالياته لمدة ثلاثة أشهر وسط حضور إعلامي أمريكي وعالمي كبير قدم صورة رائعة وحقيقية عن بلادنا للتعريف بها وإبرازها أمام العالم، لتحتل المكانة التي تستحقها تاريخياً وحضارياً وثقافياً.
وقد جسّد معرض “روائع آثار المملكة العربية السعودية عبر العصور” الدور الذي تضطلع به المملكة على الصعيد الديني والسياسي والاقتصادي والحضاري ليؤكد أن هذه المكانة والدور لم يأتيا من فراغ، بل انعكاس لدور أصيل ناتج عن مكانة المملكة الطبيعية.
وقد لقي تنقل هذه المعارض بما تحويه من تحف ومقتنيات تاريخية نادرة بين عدد من المتاحف الشهيرة والمرموقة في أمريكا أصداء إيجابية لفتت أنظار المواطنين الأميركيين الى مكانة المملكة العربية السعودية وإرثها الزاخر بالحضارة والتاريخ والعمق التراثي مبينة مكانة المملكة التاريخية، ومسهمة في تعريف العالم بالبعد الحضاري لوطن عريق، وما تمثله الآثار السعودية من أهمية خاصة في اكتمال فهم التسلسل الحضاري كما أكد المعرض في جولاته المختلفة أن الوجه الحضاري للمملكة لا يقل أهمية عن أوجهها الثلاثة المعروفة لدى العالم، الاقتصادية والسياسية والدينية، وأنها لم تكن طارئة على التاريخ بل دولة عريقة ذات جذور حضارية راسخة، ولها دور أصيل في التواصل الإنساني وترسيخ الأمن والسلام الدوليين لكونها سليلة حضارات عظيمة، توجت بحضارة الإسلام الخالدة.
الجدير بالذكر أن المعرض حوى (320) قطعة أثرية من التحف المعروضة في المتحف الوطني بالرياض، ومتحف جامعة الملك سعود، ومكتبة الملك فهد الوطنية، ومركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية، ومكتبة الملك عبدالعزيز بالمدينة المنورة، والرئاسة العامة لشؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي، إضافة إلى قطع عثر عليها في التنقيبات الأثرية الحديثة، وتغطي هذه القطع الفترة التي تمتد من العصر الحجري القديم (مليون سنة قبل الميلاد) وحتى عصر الدولة السعودية. ومن الأصداء التفاعلية الجميلة على هذا المعرض ما أدلى به السفير الأمريكي لدى المملكة وقتها “جيمس سميث”: الذي قال: “المعرض حدث مهم جداً، وأن الكنوز المعروضة فيه أتاحت للأمريكيين التعرف على حضارات المملكة”. فيما أشار البروفيسور “جوليان ريبي” رئيس متحف سميثسونيان بواشنطن قائلاً: “معرض روائع الآثار السعودية أماط اللثام وفي الوقت المناسب عن طبقات الماضي الثرية في شبه الجزيرة العربية”. أما حاكم ولاية بنسلفانيا الأمريكية السيد توم كوربت، فلفت إلى أن افتتاح المعرض يضعنا في صورة التاريخ العريق للمملكة العربية السعودية، مبيناً أن كل قطعة معروضة في المعرض تنطق بحضارة ممتدة في عمق التاريخ وحتى 9 آلاف عام. فيما أوضح رئيس جامعة روبرت موريس السيد غريغوري: معرض روائع الآثار السعودية في متحف “كارنقي” يشكل فرصة كبيرة للتعريف بالثقافة والحضارة السعودية ومدى ما تمتاز به من عمق تاريخي.
كما أشار الملحق الإعلامي بالسفارة الأمريكية في المملكة السيد مفيد الديك قائلاً: “المعرض سفير متنقل للمملكة لاطلاع العالم الخارجي على تاريخ المملكة العربية السعودية وحضارتها. وهو ما اتفق معه فيه الإعلامي الأمريكي السيد فلانقن الذي عدّ هذا المعرض من روائع الآثار التي استضافتها مدينة بيتسبرغ يحكي تاريخ المملكة العربية السعودية، والمدهش أنه يضم منحوتات تشمل قطعاً أثرية يعود تاريخها إلى 9000 عام قبل الميلاد”.
في المقابل حظيت المملكة العربية السعودية باهتمام كبير من الولايات المتحدة الأمريكية في ملامسة حضارة المملكة عن قرب وذلك عبر زيارات عديدة وفي مناسبات مختلفة لعدد من المناسبات الثقافية، وكذلك الأماكن التراثية والثقافية والمعالم السياحية التي تزخر بها بلادنا الحبيبة منها مهرجان الثقافة والتراث بالجنادرية الذي يحرص الأميركيون على حضوره، وقد كان لحرم السفير الأمريكي السيدة أنيتا أوبروتير اهتمام كبير بالمهرجان في إحدى فعالياته قائلة: إن الجنادرية رائعة، وأنا أعلم أن هذه لغتكم ولغة الحفل رائعة وقد سبق لي العام الماضي زيارة الجنادرية وهذا العام الزيارة الثانية وكانت رائعة وممتعة فقد رأيت الحرفيات وأركاناً كثيرة فقد تجولت بالقرية وجميع الأركان وكنت سعيدة جداً بتعلمي تراثكم لأنه جزء من عالمنا.
فيما أوضح السفير الأمريكي خلال أحد زياراته لمنطقة عسير بأن هذه المتنزهات والتراث والمباني القديمة تعد نادرة في العالم، وكان السفير قد أطلع خلال زيارته للقرية على محتوياتها التي تشتهر بها مثل الحرف اليدوية والمقتنيات التراثية والعملات القديمة والأكلات الشعبية وأساليب البناء التي كان يتبعها أبناء عسير قديماً في تشييد بيوتهم ومساجدهم وحصونهم وقلاعهم المعتمد بناؤها على الطين والحجر والخشب إلى جانب إعجابه بالأدوات التي كانت تستخدم في الطهي قديماً وذلك من خلال زيارته لقصر الضيافة حيث قدمت له بعض الوجبات الشعبية التي تشتهر بها المنطقة، ومن ثم شاهد وقتها الحفل الشعبي لفرقة أحد رفيدة وفرقة السروات الشعبية التي تقدم عروضها على مسرح القرية التراثية بالجنادرية وكان قد تجول في القرية وهو يرتدي الثوب العسيري و”الجنبية” بالإضافة إلى الغترة.