أبعاد الخفجي-محليات:
أكدت تقارير دولية علو كعب الاحتياطات الأمنية والإدارية بالمملكة في إدارة الحشود البشرية، حيث يشهد العالم بشكل سنوي الأداء العالي في إدارة ملايين البشر في الحرمين الشريفين على مدار العام وفي مواسم العمرة ورمضان وفي المشاعر المقدسة خلال موسم الحج، وتستنفر المملكة سنوياً طاقاتها وإمكاناتها البشرية والمادية لاستقبال حشود الحجاج القادمين من أنحاء العالم، وبذلك تعد الدولة الوحيدة عالمياً التي لها سبق في تنظيم وإدارة الحشود، حيث اكتسب أبناؤها القائمون على خدمة الحجاج خبرة وتجربة كمية وتراكمية ومعرفية.
وأبدت وفود لعدة دول امكانية نقل التجربة السعودية في إدارة الحشود إليها ومنها جهاز الإنتربول، وجهات من الصين وفرنسا وإيطاليا وسنغافورة، وقد أذهلت تجربة المملكة في إدارة الحشود البشرية التي تنفذها خلال موسم الحج الولايات المتحدة والسويد والجامعات العالمية، التي بدأت تتجه لتدريس تجربة المملكة في إدارة أكثر من ثلاثة إلى أربعة ملايين حاج في وقت واحد، من مختلفي الثقافات واللغات وفي مساحة جغرافية محدودة يتحركون في وقت محدد واحد؛ يحتاج إلى جهود مضاعفة وجهد متكرر وخبرة تدريبية عميقة.
ريادة تجربة المملكة في إدارة الحشود في مواسم الحج والعمرة ليست وليدة اللحظة، بل جاءت نتاجاً للتراكم العملي والممارسة الفعلية على مدى عقود من الزمن وهو ما جعلها تكون صاحبة التجربة الرائدة في هذا المجال، فقد حرصت وزارة الداخلية على أن تؤطر هذه التجربة بإطار أكاديمي للاستفادة القصوى من الخبرات الأكاديمية، حيث عكف معهد تنظيم إدارة الحشود على إعداد برامج تدريبية لجميع المشاركين في مهمة حج هذا العام، وأنهت إدارة الحشود ومنذ وقت مبكر تدريباتها وخططها، لتنظيم هذا الموسم لتتابع مسيرة نجاحها لتبقى تجربة المملكة في إدارة الحشود سمة يتميز بها رجال الأمن، وقوات الطوارئ، وقوة أمن الحرم والجهات المشاركة بما للمملكة من رصيد كاف للتعامل مع إدارة الحشود من بشر ومركبات، وتوفير كل الخدمات المترابطة بطاقات بشرية كبيرة للعاملين وآليات متخصصة في مواقع محدده يتنقل إليها الحجاج.
جهود الجهات الأمنية تتضافر لخدمة ضيوف الرحمن.. والعالم يشهد نجاح التجربة
وعلى أرض الميدان، انتشر أفراد وضباط قوى القطاعات المختلفة لتنفيذ خطة أمن الحجيج وسلامتهم، ومن نماذج أداء إدارة الحشود، ظهر جلياً تميز خطة إدارة حركة السير في طرق المشاة المختلفة في المشاعر المقدسة بالمرونة والتكيف مع المستجدات، وتسهم في منع الافتراش وتذكي التحكم في تدفق المشاة والمحافظة على اتجاهات السير باتجاه واحد، ويعمل على تنفيذ الخطة 100 ألف عسكري قاعدتهم ضمان الانسيابية في تنقلات الحجاج لقضاء مناسكهم، ومراعاة التعامل الإنساني في توجيه وإرشاد الحجاج بالكلمة الطيبة والابتسامة المشرقة على وجوه رجال الأمن.
وبالعودة إلى معهد إدارة الحشود، فهناك مهام رئيسية له عبر تنفيذ برامج تأهيلية وتخصصية للضباط والأفراد والموظفين من منسوبي الأمن العام والجهات ذات العلاقة بمجال تنظيم وإدارة الحشود، وقد عكف المعهد على عمل عقود شراكات وتوقيع مذكرات تعاون مع الجهات الحكومية المختصة بتنظيم وإدارة الحشود كالرئاسة العامة لشؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي، ومعهد خادم الحرمين الشريفين لأبحاث الحج والعمرة والزيارة، ولجنة الحج المركزية بإمارة منطقة مكة المكرمة، وأمانة العاصمة المقدسة، ومركز المشروعات التطويرية بوزارة الشؤون البلدية في المشاعر المقدسة، وفرع وزارة الحج بالعاصمة المقدسة، والمجلس التنسيقي لمؤسسات وشركات حجاج الداخل، وممثلي مؤسسات الطوافة، ومديرية الدفاع المدني، وجميع الجهات الأخرى ذات العلاقة.
كما أطلق معهد تنظيم وإدارة الحشود مسيرة برامج تدريبية للمشاركين في مهمة الحج لهذا العام من القوات المساندة، ذلك بمواقع أعمالهم في مكة المكرمة والمدينة المنورة والرياض والمنطقة الشرقية، حيث تستمر هذه البرامج لمنسوبي القوات المشاركة في الدعم لمهمة الحج، لتمكين حجاج بيت الله من أداء مناسكهم بكل يسر وسهولة في أجواء روحانية تسودها الراحة والطمأنينة، وشملت التدريبات تعليم مهارات وفنون التعامل مع الحشود البشرية، حيث تولى ضباط الأمن العام المتخصصون أكاديمياً وعملياً شرح نظريات وقواعد التعامل مع الحشود البشرية وتطعيمها بنماذج من الدروس المستقاة من حج الأعوام السابقة.
وتناولت البرامج التأهيلية للمشاركين في إدارة الحشود شرح الخطة التشغيلية للحرم والساحات المحيطة، ومحطات القطار في المشاعر المقدسة في مشعر عرفات ومنى ومزدلفة، كما تضمنت البرامج التدريبية خطة تنظيم وإدارة المشاة في المشاعر المقدسة والجمرات، وشارك في شرح الخطط التشغيلية لإدارة وتنظيم الحشود ضباط أمنيون من شؤون التدريب بالأمن العام المشاركون ضمن قوات تنظيم المشاة، وضباط متخصصون ذوو خبرة احترافية من القوات الخاصة لأمن الحج والعمرة وقيادة أمن المسجد الحرام وشرطة منطقة مكة المكرمة.
ولا تقف المهام الموكلة الى إدارة الحشود وقوة أمن الحج عند تنظيم حركة الحشود فقط وفصل حركة الحشود عن المركبات أثناء النفرة من عرفات إلى مزدلفة، وإدارة حركة الحشود في منى ورمي الجمرات وبساحات الحرم المكي الشريف بل يتعامل رجال الأمن مع كل ما يتم ملاحظته حسب ما يقتضيه الموقف، سواء تطبيق الخطة والالتزام بها ومنع الاحتكاك والتدافع بين الحجاج، أو تقديم الخدمات الإنسانية، كما تعمل على تقديم المساعدة لكبار السن، وإيصال الأطفال التائهين، وكذلك كبار السن التائهين لمركز إرشاد التائهين، وتقديم المساعدة لكل من يحتاج للمساعدة ومتابعة الحالة الأمنية بكافة جوانبها.
استخدام أكثر من 13 ألف لوحة ومنشور إرشادي بمختلف اللغات
ولتوجيه الحجاج استخدمت إدارة الحشود أكثر من 13 ألف لوحة ومنشور ارشادي معدة لهذا الغرض، ومكبرات الصوت والأدوات التنظيمية لتوجيه وإرشاد الحجاج بمختلف اللغات الأساسية، الإنجليزية والفرنسية والأوردو والفارسية والعربية ولغات أخرى ساهمت في تنظيم حركة الحشود وتوجيههم للطرقات، حيث عملت الإدارة وسائل إرشادية لتحديد المسارات لضيوف الرحمن بعدة لغات، وتم تحديد مسارات داخل مشاعر أداء المناسك في الحرم المكي ومنى ومزدلفة وعرفات، وكذلك مسارات وأبواب دخولهم الى الحرم، وأخرى لخروجهم، بحيث لا يتقابلون في السير، وكذلك تم استخدام مكبرات الصوت بالنداء على الحجاج بعدة لغات وإرشادهم وتنظيم الحشود حول الحرم المكي الشريف بتنظيم الطرقات المؤدية للساحات، وإزالة الكتل البشرية بها وتسهيل الحركة، وتقديم الخدمات اللازمة لضيوف الرحمن ليؤدوا نسكهم بكل يسر وسهولة.
من جهته، يؤكد مركز التميز البحثي في النقل وإدارة الحشود في جامعة أم القرى أن المشروعات مستمرة، ويدرس المركز حركة تدفقات الحشود في ساحات الحرم المكي والمشاعر المقدسة المشروع وتحليل التدفقات البشرية باستخدام تقنيات العد الآلي، وتحليل الصور والأفلام، ونمذجة التدفقات البشرية، واستخدام برامج المحاكاة لاختبار الفرضيات ومقترحات تنظيم الحشود بالحاسب الآلي. يذكر أن إدارة الحشود تأسست ضمن منظومة القوات الخاصة لأمن الحج والعمرة على يد صاحب السمو الملكي الأمير نايف بن عبدالعزيز -رحمه الله- عام 1427ه، وركزت فور تكوينها على فهم وتصحيح وضبط المتغيرات الاجتماعية تجاه وجود الكم البشري الهائل، بالاهتمام ببرامج التوعية عند التحاشد والزحام الشديد عن طريق وسائل الإعلام المختلفة، كما اهتمت بالبرامج الوقائية في المدارس التي تحتاج إلى انسيابية لإدارة الحشود الطلابية، أو في مراكز الحج في الدول التي تنوي شعوبها الحج قبيل القدوم، إضافة لجهود التطوير الشاملة.