أبعاد الخفجى-اقتصاد:
انتقدت مختصون بشدة سلبية التصنيف الائتماني للمملكة الصادر من وكالة “ستاندرد اند بورز”، والذي انخفض حسب الوكالة إلى (أ+) مع نظرة مستقبلية سلبية وتوقع بعجز بالناتج المحلي في 2016، معتبرين أن ذلك التنصيف يفتقد لكل معايير الإنصاف والعدالة نتيجة لاعتماده فقط على أسعار النفط ولأنه تجاهل المقومات المتنوعة والملاءة المالية القوية للاقتصاد السعودي، واتهمه العديد من الاقتصاديين بعدم الحيادية واستخدامه لمقاييس ومعايير غير دقيقة بنيت على تقارير صحفية تنقصها الدقة وصحة المعلومة مشيرين إلى سوابق للوكالة في بث مثل هذه النوعية من التقارير والتصنيفات المخالفة للواقع.
من جهته فند ياسر الشريف الخبير الاستثماري التقارير والتصريحات الخارجية، ووصفها بأنها ضيقة الأفق وأعرب عن استغرابه من النظرة السلبية والقاتمة لهذه التقارير الخارجية عن الاقتصاد السعودي الذي يتمتع باحتياطيات وأصول قوية وكبيرة.
وأشار الشريف إلى تحذير التقرير المتعلق بارتفاع نسبة التعثر في القروض إلى إجمالي محفظة القروض لتصل إلى 2%، وقال إنه تحذير في غير محله مشيرا إلى 2% نسبة طبيعية ضاربا المثل بالولايات المتحدة الأمريكية التي تصل فيها نسبة التعثر إلى 2%، كما أن هذه النسبة ترتفع إلى 2,7% في بريطانيا، وأضاف إذا وصل التعثر في القروض البنكية بالسعودية إلى 2% سيكون مقبول جدا ولا يؤثر على الاقتصاد فهذه النسب عالمية.
وحول ما ذكرته التقارير في سلبية تراجع الإنفاق الحكومي قال الشريف: إن استمرار الإنفاق الحكومي لفترات طويلة سيؤثر على الاقتصاد سلبا، وسيزيد من نسب التضخم ويقلل من دور القطاع الخاص وأكد أنه من الأفضل أن يكون الإنفاق الحكومي لفترات محددة لتحفيز الاقتصاد ليعتمد على ذاته.
وأوضح أن ما تقوم به المملكة هو سياسة مالية رشيدة ومدروسة بكل عناية ودعا القطاع الخاص لتحمل المسؤولية ليس في تحمل التكلفة ولكن لتحقيق الربحية من خلال مشاركة القطاع الخاص في إنشاء المشاريع الحكومية والحيوية بنظام حق الانتفاع.
أما بالنسبة لعملية إصدار السندات الحكومية قال: إن إصدار السندات الحكومية بأسعار فائدة قياسية ستسهم في تنشيط سوق السندات والصكوك بالسعودية وأضاف انها ستأتي بفوائد جيدة على المملكة.
ويعتقد الشريف أن رفع اسعار الوقود سيكون على مراحل تدريجية واشار إلى أهمية تحويل دعم الوقود والوفرات التي تنتج عنه إلى مشاريع تعود بالنفع على المواطن.
ويرى أن قرار ستاندرد اند بورز بخفض التصنيف الائتماني للمملكة إلى A+مع نظرة مستقبلية سلبية، بأنه قرار مجحف وغير منطقي وبعيد عن المنهجية التقييمية وقال: إن الأصول الصافية في السعودية تزيد عن 100 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي مع توفر احتياطي كبير من النقد الأجنبي وفقا لتقرير وزارة المالية.
واضاف الشريف أن الاقتصاد السعودي يواصل نموه وبمعدلات تتجاوز الاقتصاديات المماثلة له ويتوقع ان تستمر معدلات نموه في السنوات المقبلة، واضاف ان هناك ملاءة مالية في البنوك السعودية بودائع تتجاوز نحو 1.7 مليار ريال، وقطاع خاص قوي يستطيع تنفيذ وإدارة مشاريع كبرى على كافة المستويات.
وحول تقرير رويترز الذي يتناول احجام المستثمرين في سوق الاسهم قال الشريف إن الرد ببساطة دعونا نرى حجم التغطية عندما يتم طرح اي شركة للاكتتاب العام فإنها ستغطى من 2-3 مرات على الاقل، وقال إن هذا اكبر دليل على وجود شهية للاستثمار في السوق السعودي ويرى أن التقارير الدولية مبالغ فيها بصورة غير طبيعية، وهي تذكرنا بالتقارير التي نشرت مؤخرا عن الصين والتي وصفت الصين أنها وصلت لمرحلة الانهيار، وهذا لم يحدث والاقتصاد الصيني قائم ومستمر وماضي في النمو بدعم من السياسة المالية وتبني الدولة استراتيجية النهوض بالاقتصاد من جديد، وقال علينا ألا نولي اهتمام لمثل هذه التقارير العالمية وألا تدخل في قرارنا الاستثماري بصورة كبيرة ويتوقع الشريف أن يشهد سوق الاسهم ارتدادا يتجاوز السبعة الاف نقطة في المرحلة المقبلة.
وفي نفس الاتجاه قال حسين بن حمد الرقيب الخبير والمحلل الاقتصادي ل”الرياض” أجزم بأن تخفيض التصنيف الائتماني للمملكة، يفتقد لكل معايير العدالة والإنصاف والوكالة اعتمدت فيه فقط على أسعار النفط متجاهلة لكل ما تملكه المملكة من مقومات اقتصادية عالية من حيث الملاءة المالية للاقتصاد السعودي الذي يمتلك احتياطيات تفوق 2,5 ترليون ريال، إضافة إلى حجم الدين الذي يعتبر الأقل على مستوى دول العالم بما فيها كبرى الدول الصناعية.
وتابع حسين الرقيب كما أن التصنيف المجحف، تناسى وأهمل النظام المصرفي في المملكة والذي يصنف من بين أفضل الأنظمة المصرفية دولياً وأكثرها ملائة مالية إذ تحافظ البنوك السعودية فيه على أفضل نسب لكفاية رأس المال حسب معايير لجنة بازل 3، وقد حصلت مؤسسة النقد السعودي مؤخراً على شهادة بذلك، والمملكة تمتلك صناعة بتروكيماوية تشكل 7% من الإنتاج العالمي وهناك خطط طموحة لزيادة تلك الحصة من بينها إنشاء المزيد من الصناعات البتروكيماوية، إضافة لتوجه حكومي قوي لإنشاء مزيد من محطات تكرير النفط وتسويقه بعد التكرير وهو ما سيزيد قوة المملكة في هذا القطاع.
وأشار الرقيب بأن التصنيف الغير موفق من الوكالة تناسى حالة الاستقرار السياسي التي تعيشها المملكة، وتوفير الدولة للبيئة المناسبة والجاذبة للاستثمار الأجنبي والتي شهدت وسوف تشهد المزيد القرارات والإجراءات الحكومية التي تسهل الأعمال للمستثمر وتخلق المزيد من الفرص الاستثمارية.
بدوره أكد الدكتور سعود بن صافي العتيبي رئيس قسم العلوم السياسية بجامعة الملك عبد العزيز بجدة بأنه من المهم للوكالات المعروفة عالمياً تحري استقصاء الدقة والمصداقية في ما تبني عليه تصانيفها وبالتالي مخرجات تلك التصانيف، ومن المهم لها أن تتحرى الدقة ونحن في المملكة لدينا استقرار سياسي والتفاف من الشعب حول القيادة أتاح لنا وصول مرحلة متقدمة من الشفافية والوضوح فيما يختص بالمعلومة الاقتصادية والسياسية الصحيحة والدقيقة، كما أن التقارير التي تصدر حول متانة وملائة اقتصاد المملكة سواء من الداخل أو من الهيئات والمؤسسات الدولية كفيلة بتوضيح حقيقة الأوضاع الاقتصادية بالمملكة وإيجابية المستقبل بالنسبة لها.
من جهته قال الدكتور سامي النويصر -محلل مالي- إن هذه التوقعات جاءت بسبب توقعات العجز لميزانية المملكة وكذلك سحبها من الاحتياطات، وفي نهاية الأمر هذه التصنيفات التي تقوم بإصدارها الوكالات الائتمانية تهم الدول التي تقوم بالاقتراض من الخارج وليس الأمر ينطبق على الأخرى التي تقترض من الداخل كالمملكة.
وتابع كما هو معروف فإن المملكة تقوم بالاقتراض داخلياً وليس من الدول الخارجية، وذلك من خلال السندات التي تصدرها وزارة المالية والاقتراض من المصارف المحلية، ومجموع ما سبق أن اقترضته المملكة من المصارف المحلية والمؤسسات المالية يزيد عن المائة مليار ريال خلال العام 2015 م، وبالتالي فإن هذا التصنيف الائتماني يهم الدول التي تقوم بالاقتراض خارجياً، وتبلغ الفوائض المالية للمصارف المحلية قرابة 480 مليار ريال وهو الأمر الذي يساعد المملكة على الاقتراض دون أية جوانب سلبية.
وذكر النويصر أن التصنيفات الائتمانية للمملكة لا تعد تصويراً دقيقاً للاقتصاد السعودي، وإنما مؤشر متغير ومتقلب بحسب المعطيات، كما أن هذه التقييمات في بعض الأحيان تخضع لضغوط بعض الدول.
وأضاف الدكتور النويصر بقوله إن التصنيفات الائتمانية تتغير وغير ثابتة وذلك بحسب المتغيرات الاقتصادية وتقلباتها، وفي بعض الأحيان لا تجد هذه التصنيفات طريقها للصواب والأدلة على ذلك كثيرة، ونحن لا نقلل من أهميتها ولكنها لا تعدو كونها أحد المؤشرات ليس إلا.
وكانت وزارة المالية قد اوضحت إن قرار “ستاندرد اند بورز” بخفض التصنيف الائتماني للمملكة إلى “+A” مع نظرة مستقبلية سلبية، لم يتم بناء على طلب رسمي، مشيرة إلى عدم اتفاقها مع المنهجية المتبعة فيه.
واعتبرت أنه عبارة عن ردة فعل متسرعة وغير مبررة ولا تسندها الوقائع، إذ استندت الوكالة في تقييمها إلى عوامل وقتية وغير مستدامة؛ فلم يكن هناك تغير سلبي في العوامل الأساسية التي عادة تستوجب تغير التقييم. وليس أدل من كون هذا التقييم متسرعا وغير مبرر من أنه خفض في أقل من عام من تصنيف “-AA” مع نظرة إيجابية، إلى +A مع نظرة سلبية، استنادا فقط إلى تغيرات أسعار البترول العالمية من دون نظر إلى عوامل أساسية إيجابية عدة، لو أخذت بعين الاعتبار بشكل فني لتم التأكيد على التقييم السابق على الأقل.
وأكدت أن قرار الوكالة لم يكن متسرعًا فحسب بل يتعارض وبشكل جوهري مع فكرة التصنيف وأساسياته الفنية، التي تقتضي أن يأخذ التصنيف المتجرد بعين الاعتبار كافة الأبعاد المؤثرة على الجدارة الائتمانية للمصنف، وَمِمَّا يؤكد موقف الوزارة الفارق الكبير بين منهجية ونتائج تصنيف وكالات التصنيف الدولية الأخرى.
وبينت وزارة المالية أنه بالنظر إلى أساسيات الاقتصاد السعودي، فلا تزال قوية مدعومة بأصول صافية تزيد على 100 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي، واحتياطي كبير من النقد الأجنبي، كما واصل الاقتصاد نموه الحقيقي بمعدل يتجاوز الاقتصادات المماثلة على رغم انخفاض أسعار السلع الأساسية، يضاف إلى ذلك ما تم اتخاذه من إجراءات لضبط أوضاع المالية العامة وضمان أن تظل الأصول الداعمة للمحافظة على المالية العامة في وضع قوي.