أبعاد الخفجى-رياضة:
بات مشهد انضباط اللاعب السعودي مثيرا للأسف، حد الشفقة على أنظمة الاحتراف، التي عرفتها الكرة السعودية منذ عقدين ماضيين، وسط عمل إداري ضبابي يقود الأندية السعودية لتهميش أنظمة الاحتراف، التي تبدأ وتنتهي بانضباط اللاعبين والتزامهم داخل الملعب وخارجه، ما يؤكد أن بيننا وبين عالم الاحتراف الحقيقي مسافات بعيدة، ألقت بظلاها على غيابنا عن منصات المنجزات، التي كانت تتحقق بأقدام اللاعبين الهواة في العصر الذهبي للكرة السعودية، قبل أن تبدأ بالتضاؤل والأفول حد البكاء على الأطلال.
في كل مرة ومع إطلالة الإخفاقات نعيد الحديث من دون ملل عن أنظمة الاحتراف وضرورة تطبيقها بحذافيرها، وعن الانضباط كجزء مهم لا يتجزأ من هذه الأنظمة، وسرعان ما يتبخر كل شيء في لحظات، لنعود للدوران مرة ومرات في حلقة مفرغة.
الحوادث الانضباطية التي شهدتها الملاعب السعودية ووصلت إلى معسكر المنتخب خلال الشهرين الماضيين، تفتح من جديد بوابة الجدل الدائر حول حقوق اللاعب وواجباته، وطريقة التعامل معه، وهي الطريقة التي تتباين بين إدارات الأندية وفق النتائج وصرامة المدربين، ثم الضغوط الجماهيرية والإعلامية، التي تدعم
مواقف النجوم فقط، انطلاقا من مكاسب وقتية، وعواطف لا وجود لها في عصر الاحتراف.
قبل تطبيق الاحتراف الحقيقي علينا أن نعيد صياغة قواعده، وفق لوائح شاملة وثابتة وواضحة، تتوافر فيها شروط الاحتراف الحقيقية، وتضع كل الخطوات الواجب اتباعها ضمن المرجعية القانونية، للفصل في المنازعات التي تحدث، نتيجة لقصور في اللوائح، وعدم شموليتها أو عدم التزام أحد الأطراف بتطبيق مفردات اللائحة وبنود العقد الموقع بين الطرفين، على أن تكون هذه اللوائح مستمدة من لوائح (الفيفا)، ولوائحه المنظمة لانتقالات اللاعبين والاحتراف بصورة أشمل.
من المؤسف أن يكون النجوم في الأندية هم أول من يضرب بأنظمة الانضباط والاحتراف عرض الحائط، بعضهم بحثا عن مزيد من الشهرة، وآخرون للضغط على أنديتهم من أجل مستحقات متأخرة، والبعض الآخر يجهل أساسا قيمته في مجتمعه كلاعب محترف، له من الحقوق كما عليه من الواجبات.
وكلاء اللاعبين عليهم مسؤوليات متعددة في تطبيق لوائح الاحتراف، والحفاظ على انضباطية اللاعبين، بدلا عن التعامل معهم وفق نظرة مادية قاصرة، تحولهم إلى مجرد سماسرة لا غير لجبي الأموال، ويأتي دور إدارات الأندية التي مازالت ترزح تحت وطأة الضغوط الإعلامية والجماهيرية، فتتفاوت قراراتها وفق مكانة اللاعب وسطوته الجماهيرية، بل ان بعض إدارات الأندية تذهب إلى أبعد من ذلك، وتبادر إلى إبعاد المدربين الصارمين على تطبيق انضباط اللاعبين ومساءلتهم، إذ تسيطر حينها النظرة الضيقة على هذه الإدارات، في التفكير في مجرد تحقيق بطولة أو بطولتين، ثم الخروج من المشهد بثوب البطل، وليس العمل وفق نظام يحفظ للاعبين حقوقهم، ويحاسبهم على التقصير في واجباتهم.
ثقافة الانضباط والعمل وفق نظام الاحتراف الحقيقي لا بد أن يبدأ من الدرجات السنية، لينتقل ذلك مع اللاعب مستقبلا حتى مرحلة النضوج، التي ترافقها مشاهد الشهرة والعقود الكبيرة، التي تسبب
تضخمها ووصولها إلى أرقام فلكية، في صدمة الكثير من اللاعبين والتأثير سلبا على سلوكياتهم خارج الملعب.
هنا لاعب يغيب قبل مباراة حاسمة، وهناك آخر ينقطع عن تدريبات فريقه دون سبب واضح، وبينهما آخر مازال يتنزه بعد تعافيه من إصابة قوية، كلها نماذج سيئة للاعبين مستهترين بأنفسهم قبل أنديتهم، فكثير من النجوم بات في طي النسيان، ولم يعد يتذكره أحد ما، بل ان منهم من أصبح على بساط الحاجة والعوز، نتيجة قرار فردي كلفه الكثير، فمهما دافعت الجماهير عن النجوم فدفاعها يتضاءل مع أفول نجومية اللاعب، ليتوارى في عالم الغياب عن الأذهان والقلوب، فيدفع الثمن وحيدا دون غيره، من المتعاطفين السابقين.
تطور الكرة السعودية يبدأ من الأندية ويمر بالمنتخبات، فكلما علت قيمة الانضباط بين اللاعبين ستعلو النتائج، وتسمو الانجازات، وتتوافر معها القدوة المميزة للاعبين الناشئين، ويرتفع احترام النجم نفسه بين جماهيره، وذلك لا يتم إلا بتوعية اللاعبين بحقوقهم، وتوفيرها أولا بأول، ثم بواجباتهم ومحاسبتهم عليها من دون أي اعتبارات عاطفية، تضر كيانات الأندية قبل اللاعبين، وتمتد آثارها سلبا على عجلة التقدم والتطور الكروي، الذي يظل هدفا أسمى للجميع، لا يرتكز على نجم أو اثنين أو ثلاثة، مهما كان حجم نجوميتهم وتأثيرهم الفني والمعنوي.