أبعاد الخفجى-اقتصاد:
قال المستشار الاقتصادي د. سالم الزّمام إن الغالبية العظمى من المجتمع تعتقد أن قرار فرض رسوم على الأراضي البيضاء داخل النطاق العمراني للمدن هي فقط لفك احتكار الأراضي من تاجرها بما يساعد على نزول أسعارها لتساهم في حل أزمة الإسكان، لكنه بالواقع قرار اقتصادي حكيم وآثاره الإيجابية عميقة جدا على مستوى الاقتصاد الوطني، والقطاع العقاري، والاستثمار، وكذلك الأفراد على مستوى الدخل والإنتاج.
وأضاف أن هناك اعتبارات وعوامل عدة كلية وجزئية، تشكل منظومة متكاملة له ومرتبطة بعلاقات عكسية وطردية لأثر الرسوم على الأرض التي تعد أحد عناصر الإنتاج بالعملية الاقتصادية، أهمها أسعار النفط وأتجاهها، السيولة وإنفاق الحكومة للمشروعات الداخلية المتوقع صرفها فعلياً لا رقميا، مبيناً أن سوق الرهن العقاري الثانوي، وقروض البنوك للقطاع العقاري وللأفراد، ودخل الأسرة وسلوك المستهلك الفرد، جميعها عوامل تؤثر بالعرض والطلب على الأراضي بسبب الرسوم ويجب أخذها بالاعتبار عند الحديث عن توقع مستقبلي، موضحاً أنه عند التنبؤ أيضا للآثار، يجب التفريق بين مدى قصير لا يتجاوز ثلاثة أعوام، ومدى متوسط وطويل يتجاوز ذلك.
وأوضح أنه للمدى القصير وفي نطاق تأثير الرسوم على الاقتصاد ككل والقطاع والأفراد والاستثمار، سيكون بلا شك ركود تام للأراضي وموجه شبه متدرجة للتخطيط والتطوير مع أحجام من جانب الطلب عليها لظروف انتظار نزول الأسعار وفق القدرة الشرائية، وهذا سيؤثر بشكل تدريجي أيضا في نزول الأسعار لمستوى توازن حقيقي “تصحيح” لها، لافتا إلى أن ذلك التصحيح يختلف من مدينة لأخرى، ومن حي لآخر، وستتجه طبقة أعلى من متوسط لادخار استثماري بديل عن الأرض كما هي البنايات ذات العائد السنوي، كما سيظهر تحركات من مؤسسات مالية لخلق منتجات ادخارية استثمارية أخرى، مشيراً إلى أن هذا الركود التام له تأثير في عرض السيولة بالاقتصاد، وأنه توافق مع توقيت خفض إنفاق حكومي لبعض المشروعات أو نقل بنود مخصصات لأخرى طارئة، مما دعى راسمي السياسة المالية والنقدية لأطلاق شركة حكومية للرهن العقاري وسوق تداول ثانوي لها لتفادي تأثير هذا الركود المتوقع للقطاع والسيولة بما يغطي ويحرك هذا القطاع لكي يضخ السيولة المطلوبة عند مستوى محدد.
وأشار إلى أن إيراد هذه الرسوم التي ستبدأ بعد عامين من الآن ستساهم في ضخ جزئي للسيولة لتحريك سيولة مخصصة لهذا القطاع سواءاً على شكل قروض للصندوق أو مخططات حكومية مطورة، مضيفاً أنه على المدى المتوسط والطويل وعلى مستوى السوق العقاري سيكون هناك ضخ لأراضي خاصة المطورة مع أراضي حكومية مطورة مع ظهور منتجات سكنية حكومية، كذلك ضخ لقروض حكومية سواء المؤجلة منها الآن والتي تتجاوز 40 مليار ريال أو الجديدة منها، موضحاً أن أسعار الأراضي ستكون وصلت حدها الأدنى من التصحيح التي تتعادل مع دخل وقوة شرائية لغالبية الأفراد، مبيناً أنه سيتحرك الطلب ليستوعب فائض العرض منه، وأنه لن تتحرك الأسعار لأعلى بسبب اختلاف جذري لسلوك السوق نتيجة تدخل حكومي في جانب العرض والطلب معاً.
ولفت الزّمام إلى أن الطلب سيعود في عقارات استثمارية أخرى المعتمدة على تأجير سكني لأنخفاض الطلب عليها نتيجة استبدال الأفراد للتملك، بدلآ من الإيجار، موضحاً أن هذه العملية الكاملة ستخلق بداية تشكيل دورة جديدة مختلفة كلياً عن دوراته السابقه، بمعنى أن دورات العقار الاقتصادية السابقة لدى الاقتصاديين سيتم نسفها وعدم الأخذ بها للاسترشاد أو التنبؤ والتوقع باستثناء علاقات مكوناته للاقتصاد ككل، مشيراً إلى أنه على مستوى الاقتصاد الوطني ستعود السيولة لمستويات نمو بمعدلات أعلى مما سبق سواء لهذا السبب أو لتحسن متوقع لأسعار النفط، كذلك ستؤدي الرسوم إلى تشغيل عنصر الأرض داخل المدن لتوظيفها توظيف مثالي وتشغيلها لتساهم بالعملية الإنتاجية للاقتصاد بدلا من جمودها بشكلها السابق، لافتا إلى أنه وبالجانب الآخر ومع تملك الأفراد وعوامل أخرى مثل دخول شركات أجنبية لقطاع التجزئة والتي متوقع أن تساهم بانخفاض الأسعار الاستهلاكية، سيتحرك إيجابيا كنتيجة حتمية حلقة كانت مفقودة تماما في السابق بالاقتصاد وهي الادخار.
وبيّن أنها سلسلة تحسن دخل ثم استهلاك بأقل سعر من سابقها، ثم إدخار ينتج عنه تحرك لاستثماره، مبيناً أن توجيه إيراد رسوم الأراضي البيضاء على طبقة ثرية من المجتمع وتوجيهها لمشروعات تنموية إسكانية، تسمى اقتصادياً “إعادة توزيع الثروة” على أفراد المجتمع، وهذه نقطة هامة لأي مجتمع أقتصادي يطمح للتقدم.