أبعاد الخفجى-اقتصاد:
في ظل التحولات الاقتصادية التي تقودها حكومة خادم الحرمين الملك سلمان بن عبدالعزيز حفظه الله، تناولت وسائل الاعلام المحلية خلال الايام والأسابيع الماضية نية الحكومة عن اعتزامها تخصيص عدد من القطاعات والشركات العامة بشكل كلي أو جزئي.
ولتسليط الضوء على ماهية الخصخصة يقول الخبير الاقتصادي “اسامة خميس” ان الخصخصة هو مصطلح اقتصادي حديث أفرزته التطورات الاقتصادية التي حدثت في دول العالم قاطبة، حيث تعرف الخصخصة بأبسط تعريفاتها على أنها تحويل ملكية مؤسسات الدولة العامة إلى القطاع الخاص، وأشار إلى أن التنظيمات السياسية قد دأبت منذ القدم، وفي جميع أرجاء العالم على تقديم كافة الخدمات داخل الدولة من خلال السلطة العامة في الدولة، فجميع الخدمات من مياه وكهرباء وصحة وتعليم وبريد ومواصلات واتصالات وغيرها كانت تقدم من قبل الدولة من خلال منشآت أنشئت لتلك الغايات، وكانت تلك المنشآت التي تقوم بذلك منشآت عامة مملوكة بالكامل للدولة، ومع ازدياد حجم السكان داخل الدول وتعقد نشاطات الحياة أصبح الاضطلاع بتلك المسؤوليات يشكل ثقلا بالغا على الحكومات في الدول لتحقيقه على أكمل وجه يرضي الناس، ومن هنا ولدت فكرة الخصخصة، ومورست على نطاق واسع خلال النصف الثاني من القرن العشرين في معظم دول العالم؛ بحيث أصبحت تتحول منشآت الخدمات على وجه الخصوص من القطاع العام إلى القطاع الخاص.
ومع مطلع الألفية الثالثة ازدادت الدول تطبيقا لها، وأصبح الكثير من دول العالم غير المتقدمة أيضا تحذو حذو هذه الدول، وعن أسباب وفوائد الخصخصة والتوجه العالمي العام لها، يؤكد خميس أن هناك أكثر من سبب دعا نحو هذا التوجه العالمي؛ ومن ذلك كثرة الأعباء الملقاة على حكومات الدول وعدم توفر الأموال الكافية لتطوير قطاعات الخدمات، وعدم قيام المؤسسات الحكومية على أساس الربح، مما جعلها لا تبحث عن المنافسة في تقديم الأفضل للناس لعدم اعتمادها على تحقيق أرباح في حين جلبت الخصخصة فوائد كثيرة للمجتمعات أهمها تطوير الخدمات ونقلها نقلة نوعية لاحظها القاصي والداني، ولكن من المهم وجود رقابة حكومية فاعلة على تلك المؤسسات حتى لا تغالي في ارباحها على حساب المواطنين، أو يكون أداؤها ضعيفا وغير مفيد.
أما عبدالله بن معدي الخشرمي محلل اقتصادي فيؤكد ان التخصيص يمثل في أحيان كثيرة الداء والدواء معا، بينما يراه بعض الخبراء فن المعالجة والخروج من الأزمات، كما أن هناك معارضين يرونه هدرا للمال العام ومجرد صفقة مالية، لكن العين الاقتصادية والتوجه العالمي السائد تراه بات فكرا اقتصاديا متطورا، وحلا سحريا لتخفيض العجز والدين، وأن عدم الانتقال إلى التخصيص يعد تخلفا عن الفكر الاقتصادي العالمي.
وأشار الخشرمي إلى أن التخصيص لا يعني إلغاء سلطة الحكومة، أو إخلاء مسؤوليتها، بل يعني زيادة المشاركة مع القطاع الخاص، ومنح الخدمات المقدمة فرصة أكبر من الشمولية والمنافسة والجودة، مما ينعكس بالنفع المباشر على المستفيد الأول وهو المواطن، مع ابقاء مسؤوليتها ودورها الرقابي بالتقييم والمتابعة دون اخلال أو اعتلال.
وشدد على أن التخصيص لا يعني ابدا أن الحكومة لم توفق في إدارة مشروعاتها وتقديم خدماتها اطلاقا، بل يعني ادخالها التنافس كمحفز ودافع جديد لرفع مستوى الانتاجية، ونوعية الخدمة، وخفض الاسعار، ومجاراة الثورة التقنية الحديثة، بين المستثمرين والمستهلكين، مشيرا إلى أن الخصخصة لها أضلاع أربعة تشمل، الحكومة، المستثمرين، المستهلكين، والعائد على القطاع المخصص، ومن المهم دراسة ذلك على هذه القطاعات الاربعة ومعرفة تأثير الخصخصة عليها، ولعل ما يهم المواطن هو تأثير ذلك على الوظائف.
من جهته يرى ناصر الحصيني أن الخصخصة في ابسط تعريف لها هي نقل ملكية وإدارة وتشغيل مرافق القطاع العام (الحكومي) إلى القطاع الخاص ويلجأ إلى هذا الخيار في حالة شح الموارد المالية للحكومة أو عندما يصعب العمل في إطار انظمة الخدمة المدنية (البيروقراطية الحكومية)، وقد نجحت بعض تجارب الخصخصة في الدول الغربية، وتعثرت في بعض الدول خصوصا في العالم الثالث لبعض الشركات، وذلك لأن الخصخصة تعيش وتنمو في ظل إطار بيئة عمل تتوفر فيها الشفافية والمحاسبة والمكاشفة وحسن اختيار القادة.
وفي موضوع متصل يؤكد محمد الشهري أن توجه الدولة للخصخصة هو توجه رشيد، ويأتي في اطار الاصلاح الاقتصادي الشامل، ومواكبة الحلول الدولية في معالجة الاختلالات الاقتصادية، ولعل من اهمها تخفيف العبء على الدولة في تقديم الخدمات، ومحاربة البيروقراطية، وتصفية الشركات المتعثرة الحكومية أو ذات الارباح المتدنية، وزيادة التنافس نحو تقديم خدمات أفضل.