أبعاد الخفجى-رياضة:
حتمت الظروف أن أسافر للعاصمة الفرنسية باريس في وقت لم أتعود أن أسافر فيه لدولة أوروبية ففي شهري ديسمبر ويناير يبلغ الشتاء ذروته فتكاد لا تستطيع الخروج، لقضاء أعمالك وتفقد حوائجك فما بالك بالتنزه والسياحة، ولأن المهمة التي ذهبت من أجلها مهمة عمل ولا تتعلق بالسياحة من قريب ولا من بعيد فقد عزمت على خوض التجربة ويالها من تجربة، فقد شاهدت فيها وتعلمت منها، ورأيت خلالها ما لم أره طوال فترة عملي في الإعلام الرياضي إذا تبقى عام فقط لأكمل مشوار العشرين عاماً شاركت خلالها في تغطية كثير من المنتخبات والمناسبات.
والتجربة التي عشتها وتعلمت منها لا تتعلق بباريس عاصمة العطور ولا حتى بفرنسا التاريخ، بل بالبعثة التي ذهبت معها لتمثيل الوطن في محفل عالمي شارك فيه أكثر من 70 دولة وبلاعبين تجاوز عددهم ال 1021 ما بين لاعب ولاعبة يعتبر العديد منهم من أبطال العالم الذين يمتلكون مراتب متقدمة في التصنيف العالمي للاعبي ولاعبات الكاراتيه، وخرجنا منه والحمدلله بمكاسب عدة أقلها ميدالية برونزية لعماد المالكي ارتفع معها علم المملكة واسمها بين هذه الجموع إلى جانب مركز خامس لزميله عبدالله الحربي وسابع لسعود البشير، وأيضاً مركز خامس في فريق الكاتا الجماعي الذي مثلنا فيه عبدالله الفيفي وسعود بشير ومنصور مبارك وبجهود هؤلاء الأبطال حل منتخبنا في المركز ال 14 من بين 70 دولة. أقول ذلك لأن تجاربي السابقة وبكل صراحة لم أرَ فيها الدقة والنظام الذي شاهدته معها.
قبل تجربتي تلك كنت أعلم أن لدينا ثلاثة اتحادات لألعاب فردية تعتبر منجزة وهي ألعاب القوى والفروسية ولعبة الكاراتيه التي أقصدها في هذه السطور، إضافة للعبة جماعية واحدة وهي كرة اليد.
وكنت أيضاً على يقين بأن العمل في تلك الاتحادات مختلف في نوعيته وبالتالي أصبحت المخرجات مختلفة أيضاً في نوعيتها عن بقية الاتحادات.
أعود لتجربتي التي شاهدت أحداثها بعيني ولم ينقلها لي أحد والتي بدأت منذ وصولنا لمطار الملك خالد والتحرك ككتلة واحدة حتى الصعود للطائرة وحين الوصول إلى باريس وحال رئيس الاتحاد الذي تواجد فقط لحضور اجتماعات الاتحاد الدولي للعبة ولم يكن من أفراد البعثة الذي حرص على تفقد للاعبين حتى انهاء اجراءات الدخول وركوبهم للحافلة التي ستقلهم لمكان السكن، ومن ثم استقبالهم في الفندق وانتظاره في البهو مع رئيس البعثة ومدير المنتخبات حتى استلام الجميع لغرفهم، الأمر لم يقف عند هذه التفاصيل الصغيرة بل امتد للبرامج التي وضعت للاعبين بدءاً من الاستيقاظ في الساعة السادسة صباحاً لأداء صلاة الفجر ومن ثم ارتداء الزي الموحد والافطار كمجموعة ومن ثم الانطلاق للصالة الرياضية قبل بزوغ شمس باريس، والعودة مجدداً في الساعة الثامنة مساءاً لتناول وجبة العشاء ثم الخلود للنوم في انضباطية لا متناهية من اللاعبين والاداريين حتى أن الأمر بدا لي وكأنهم معتادون على هذا الانضباط، ولم لا وهم يرون رئيس اتحادهم ورئيس البعثة ورئيس لجنة المنتخبات والإداريين يتقدمونهم في كل خطوة عدا وقت دخول الغرف اذ يجتمع الرئيس مع الاعضاء والاداريين في ورشة عمل سريعة لمناقشة أحداث اليوم بكل سلاسة ويسر في بهو الفندق؛ ذلك لم يحدث في اليوم الأول فقط بل في كل أيام البطولة وبطريقة تلقائية اتضح لي بلا أدنى شك أنها معتادة لديهم من طريقة تفاهمهم وتناغمهم والتزامهم بأدوارهم. أما أوقات الفراغ والتي لا تتعدى عادة الساعة أو الساعتين على أقصى تقدير فلم يفت على الإداريين ولا على المدرب ولا على طبيب البعثة سدها بمحاضرات إيجابية بين الطبية والفنية والإدارية حضرت بنفسي ما سمح لي بحضوره.
كنت في كل يوم أعيشه مع خلية النحل تلك أزداد يقيناً أنك حينما تعمل بشكل صحيح ومؤسس سيأتي لك الإنجاز منصاعاً احتراماً لعملك. وأنك حينما تحقق الإتقان فإنت تصل للجودة وإذا وصلت للجودة تحقق الإنجاز تلقائياً.
هم ليسوا بآلات بل مجموعة من الرجال الذين يحترمون اسم بلادهم حينما يمثلونه ويعملون بدقة ونظام، وفتية تعودوا الالتزام حتى تمنيت أن يشاهدهم جميع لاعبي المملكة العربية السعودية وفي كل الألعاب عن قرب ليعرفوا معنى احترام تمثيل المنتخب واحترام المدرب والإداري والوقت أولاً وأخيراً ونتائج ذلك.
أعلم أن البعض سيقول أنني بالغت في الإطراء، ولكن واجبي يحتم علي نقل ما رأيته، وكما انتقدت أشياء سلبية في مناسبات وألعاب أخرى بات حتماً علي نقل الأشياء الإيجابية لا على سبيل المدح فقط بل لإيضاح الإنموذج المنجز لغير المنجزين.
أما المديح فقد سبقني إليه نواب رئيس الاتحاد الدولي للكاراتيه ورؤساء اتحادات شاركوا في البطولة ورئيس لجنة الحكام في بطولة فرنسا الدولية السيد اورتيجا الذين تنبأوا بوصول لعبة الكاراتيه السعودية للذهب في السنوات المقبلة والمنافسة على القمة.