أبعاد الخفجى-اقتصاد:
أحدثت القرارات التي أصدرتها هيئة السوق المالية الخميس الماضي، والمتضمنة إدانة مخالفين لنظام السوق السعودي ولوائحه التنفيذية وإلزامهم بدفع أكثر من 100 مليون، صدى ونقاشا لدى أوساط المتداولين والمهتمين في سوق الأسهم، وتساؤلات حول مصير المبالغ المالية التي حكم بها على هؤلاء المدانين بمخالفة أنظمة السوق، ولماذا تذهب إلى حساب هيئة السوق بدلا من حسابات المتضررين الذين تستطيع الهيئة وحدها حصرهم ومعرفتهم بحكم رصدها للمخالفات السابقة في الدعاوى التي أقامتها على المخالفين.
ويرتكز النقاش على أن الهيئة في هذه الحالات مارست الادعاء عن المتضررين، لكنها لم تُعد حقوقهم في الدعاوى المرفوعة وهو ما يثير أكثر من علامة استفهام حول من يفترض استفادته من هذه المكاسب التي أعيدت من المخالفين، فإذا كانت لحساب الهيئة، ففي هذه الحالة تعد الهيئة كمن أثرت نفسها، ومن الأولى أن تصرف هذه المبالغ للمتضررين من الأسهم التي تم التلاعب فيها.
ففي كل مرة يتم الإعلان عن مخالفين تثار العديد من المطالب، حول وجوب تعويض المتضررين خاصة وأن فترة المخالفة محددة وفي أسهم شركة محددة، لذا يمكن حصر المتضررين والمبالغ من خلال سجلات السوق، حيث إن النظام يلزم أن تثبت جميع صفقات البيع والشراء في سجلات السوق، ويمكن الرجوع إلى سجلات مركز إيداع الأوراق المالية في الهيئة وهي الجهة الوحيدة في المملكة المصرح لها بمزاولة عمليات إيداع الأوراق المالية المتداولة في السوق ونقلها وتسويتها ومقاصتها وتسجيل ملكيتها كما نص على ذلك النظام، لذا فإنه يسهل معرفة كل المتضررين والمبالغ التي خسروها وإلا كيف استطاعت لجنة الفصل في المنازعات تحديد المبالغ التي يتعين على المدانين دفعها بهذه الدقة.
المختصون والقانونيون سبق أن أثاروا في عدة مناسبات ضرورة توضيح الكثير من فقرات نظام السوق، على سبيل المثال تنص الفقرة (أ-4) من المادة (59) من نظام السوق المالية على أن العقوبات التي تُطبقها لجنة الفصل في منازعات الأوراق المالية على المخالفين للنظام تشمل: (تعويض الأشخاص الذين لحقت بهم أضرار نتيجة للمخالفة المرتكبة، أو إلزام المخالف بدفع المكاسب التي حققها نتيجة هذه المخالفة إلى حساب الهيئة).
وهذا النص وفق المختصين وحسب ما أثاره المحامي إبراهيم بن محمد الناصري قبل سنوات ينطوي على غموض في الصياغة، فهل المقصود بكلمة (أو) التخيير بين التعويض والمصادرة؛ بحيث لا يمكن الجمع بينهما، أم أن المقصود ترك الأمر لاختيار اللجنة وتقديرها، ويقضي التفسير السائد في هيئة السوق المالية أن التخيير الوارد في تلك الفقرة موجه للهيئة، وأنه في الحالة التي تتوفر لديها أثناء إقامتها الدعوى معلومات كافية عن الأشخاص المتضررين من المخالفة فيُمكن اقتصارها على المطالبة بالحكم بتعويض المتضررين وعدم المطالبة بإلزام المخالف بدفع المكاسب التي حققها نتيجة المخالفة إلى حساب الهيئة، أي الأخذ بالشق الأول من ذلك النص. أما إذا لم تكن المعلومات عن المتضررين متوفرة وقت المرافعة الجنائية فيجب المطالبة بمصادرة المكاسب، وذلك حتى لا يظفر المخالف بالغنيمة المترتبة على المخالفة بسبب عدم توفر معلومات كافية عن المتضررين منها. ولما كانت المخالفات التي أثارت هذا التساؤل هي الاحتيال والتضليل أثناء التداول، فمن الطبيعي ألا تتوفر معلومات دقيقة عن الأشخاص المتضررين من المخالفة أثناء إقامة الدعوى، وذلك لأسباب عديدة من أهمها أن السوق السعودية تعمل وفق آلية التقاص الفوري مما يعني أن ملكية السهم ستنتقل بين عدد كبير من المستثمرين خلال الفترة التي جرى فيها التلاعب، كما أن مجرد شراء السهم أو بيعه أثناء هذه الفترة لا يعني بالضرورة وقوع المتداول ضحية للمتلاعب بل لابد من توافر عناصر أخرى تُقدرها لجنة الفصل في منازعات الأوراق المالية في كل حالة على حدة.