أبعاد الخفجى-اقتصاد:
أطلقت أرامكو السعودية، مؤخراً، النسخة الأخيرة من برنامج تطويريٍ متكاملٍ لسلامة نقل المنتجات والمواد الهيدروكربونية في المملكة، يحقِّق أعلى درجات السلامة والأمان في محطات أرامكو السعودية وعلى الطرقات وفي هذا القطاع بشكل عام، وذلك ضمن استراتيجيات وضعتها من شأنها الارتقاء بهذا القطاع الحيوي، حيث تُمثِّل عملية نقل المواد الهيدروكربونية في المملكة العمود الفقري لإمداد المناطق باحتياجاتها من الطاقة. وتتطلب هذه العملية جهودًا خاصة ومراقبة مستمرة، إذ يتم نقلها من وإلى بعض محطات التوزيع التابعة لأرامكو السعودية بواسطة صهاريج خاصة، وتحقيقاً لهذه الأهداف؛ شكّلت أرامكو السعودية فريق عمل لدراسة تطوير عملية نقل المواد الهيدروكربونية ووضع الخطط والحلول لكي تكون عملية النقل أكثر أمنًا وتنظيماً.
وقام فريق العمل بدراسة مكثَّفة استمرت أربع سنوات، أفضت إلى حزمةٍ متكاملة من المبادرات النوعية للوصول إلى أفضل وأشمل السبل لذلك البرنامج المتكامل والذي يبدأ باستخدام أفضل الشاحنات من حيث المواصفات والمقاييس، وتطبيق أحدث مواد السلامة في صناعة الصهاريج بالألمونيوم عوضًا عن الحديد وبإسهام المحتوى المحلي، إلى اعتماد الأنظمة والتقنيات المتقدمة مثل نظام تحديد المواقع، وتصميم برنامج تدريبي مُكثَّف لتأهيل السائقين، وصولاً إلى اشتراط إجراء الفحص الطبي الشامل لكل سائق بشكل دوري، وصولاً إلى رفع مستوى عملية نقل المواد الهيدروكربونية إلى أعلى المستويات في جميع مكونات عملية النقل.
تعميم التجربة
وكَشَفَ نائب رئيس أرامكو السعودية لخطوط الأنابيب والتوزيع والفرض، المهندس نبيل الجامع، تفاصيل المبادرات التي قدمتها الشركة وبلورت من خلالها الأطر العامة لهذا البرنامج المتكامل لسلامة نقل المنتجات البترولية في نسخته الأخيرة، وقال: “هذه الحزمة من المبادرات ضخمة من ناحية الحجم والتكلفة، ولا تريد أرامكو السعودية حصرها في نطاق أعمالها، بل تريد تعميمها، خصوصًا أن لهذه الحزمة نتائج ملموسة وملحوظة في زمن قياسي قصير؛ إذ تم تقليل عدد الحوادث والخسائر البشرية والمادية بفاعلية ونجاح”. وأضاف: “يرمي هذا البرنامج إلى إيجاد نموذج يُحتذى، حيث إننا نسعى إلى شحذ همم الغير للانضمام إلى أرامكو السعودية في هذا البرنامج المتكامل الذي ينعكس إيجابًا على جميع الأطراف من الشركات التي تنقل منتجاتها، وشركات النقل، وحتى مرتادي الطرق. وحول إسهام الشباب في مثل هذه المبادرات، أكد الجامع أن معظم ما تمَّ تنفيذه من دراسات وحلول في هذا البرنامج كان بجهود الشباب الطموح في الشركة التي تعوِّل عليهم في الكثير من مشروعاتها وأعمالها لتحقيق أهدافها.”
وأعرب الجامع عن أمله في أن يستقطب قطاعُ النقلِ الشبابَ السعودي الذي يطمح إلى العمل في هذا المجال بعد حصوله على التدريب والمؤهلات اللازمة لذلك، خاصة وأن أرامكو السعودية تفرض على شركات النقل ألا تقل نسبة السعوديين من العاملين فيها عن نسبة معينة مع العمل على زيادة هذه النسبة تدريجيًا في المستقبل، إضافة إلى أن أرامكو السعودية تفرض أن تكون نسبة سعودة السائقين العاملين على بعض المحطات الأخرى 100%.
وأشار نبيل الجامع إلى أن الغرض من الإعلان عن هذا البرنامج هو لعرض هذه التجربة أمام القطاعات الأخرى للاستفادة منها والحذو حذو أرامكو السعودية في تطبيقها وتوسيع نطاق جني ثمارها، وعبر الجامع عن استعداد الشركة لتقديم وشرح هذه التجربة بكل تفاصيلها لكل من يرغب من هذه القطاعات.
تعديل الشاحنات
وتعد صهاريج شاحنات نقل المنتجات البترولية المصنوعة من مادة الألمونيوم أكثر أمانًا من تلك المصنوعة من مادة الحديد، ولذلك ألزمت أرامكو السعودية الشركات المتعاقَد معها بتغيير أساطيلهم من صهاريج الحديد إلى الألومنيوم، وتمكَّنت حتى الآن من تحويل 2600 صهريج، أي ما يعادل 65% من أسطولها البالغ حوالي 4000 صهريج، وهي مستمرة في تنفيذ مبادرتها هذه على قدمٍ وساق وبمتابعة مكثفة من قِبَل فريق العمل، ولأن البحث عن الأفكار الجريئة في أرامكو السعودية لا يحُدُّه أُفق، فقد تبلورت ثلاث مبادرات جديدة لاحقة لتشكّل ملامح البرنامج المتكامل، موازاةً مع مبادرة تحويل الصهاريج.
مراقبة الحركة
وتمثّلت أولى المبادرات اللاحقة في وضع نظام مراقبة وتحليل مستمر لحركة الشاحنات، حيث اعتمدت الشركة تركيب أجهزة تتبع إلكترونية فوق الصهاريج التابعة لأرامكو السعودية لمراقبة تحركات الشاحنات وتزويد الشركة بالمعلومات اللازمة عن سلوك السائق أثناء السياقة. ويَصِف المشرف على البرنامج، رئيس عام قسم المساندة اللوجستية لأعمال النقل فوزي أبو بشيت، هذا النظام التقني بالمتطور والدقيق والذي يُستخدم بشكلٍ خاص لهذا النوع من المركبات بما يضمن سلامتها ومرافق أرامكو السعودية خلال أعمال التحميل وتوصيل وتفريغ المواد الهيدروكربونية، إذ قامت إدارة منع الخسائر في الشركة بتدقيق مواصفات الأجهزة وإعطاء الموافقة على استخدامها، وتقوم الأجهزة بإرسال تنبيهات عديدة منها، على سبيل المثال، عندما يقوم السائق بتغيير المسار المُعرَّف في النظام أو المرور في الأحياء السكنية، أو تجاوز السرعة المسموح بها، كما أن هذه الأجهزة تزوِّد مركز العناية بالنقل، التابع لإدارة المبيعات المحلية والمساندة اللوجستية، عن المدة اللازمة والتي قضاها السائق في السياقة، وعدد مرات التوقف، ويقوم مركز العناية بالنقل، الذي يعمل على مدار الساعة، بجمع وتحليل المعلومات ومراقبتها وتقييمها لاتخاذ الإجراءات اللازمة والاحترازية لعدم تكرار المخالفات، إن وُجدت.
تأهيل السائقين
في حين تمثّلت ثاني المبادرات اللاحقة في التأهيل العالي لسائقي الشاحنات، حيث قامت الشركة بالتعاون مع المعهد الوطني للتدريب الصناعي بالأحساء بتطوير برنامج خاص؛ لمدة خمسة أيام لتأهيل كل دفعة من سائقي الشاحنات، حيث يتلقون فيه تدريبًا مكثّفًا نظريًا وتطبيقيًا على جميع إجراءات السلامة خلال عملية نقل المنتجات والمواد الهيدروكربونية. فيتمُّ من خلال البرنامج التأكد من أن سائقي الشاحنات لديهم المعرفة الكاملة بجميع المهارات المهنية اللازمة خلال أعمال التعبئة والتفريغ وفحص الشاحنة بالإضافة إلى عملية النقل. كما يخضع السائقون خلال البرنامج لدورات تدريبية نظرية لمشاركة المعارف المتعلقة بالسلامة، وأخرى تطبيقية للسياقة السليمة للشاحنات وفحصها، إذ يتم تدريب سائقي الشاحنات على السياقة في مختلف الظروف، والتوقُّف في حالات الطوارئ التي تحاكي عدة حالات مناخية وأنواعًا مختلفة من الطرق لتقوية مهارات السائقين أثناء السياقة، بعد انتهاء هذا البرنامج التأهيلي، يخضع السائقون لاختبار تحديد المستوى باعتباره المطلب الأساس لاجتياز البرنامج والحصول على شهادة عالمية يتطلب تجديدها كل عامين.
فحص السائقين
أما المبادرة الثالثة، فهي الفحص الطبي، إذ قام الفريق بالاتصال بجميع مراكز الشؤون الصحية في المملكة، وتم الاتفاق مع ثمانية مراكز لإجراء فحوص اجتياز للسائقين تتضمن فحوصاً طبية شاملة، وفحوصاً طبية متخصصة للتحقق من عدم تعاطي السائقين للمواد المخدرة أو المؤثرات العقلية.
وتأتي اشترطات إجراء هذه الفحوصات انطلاقًا من حرص أرامكو السعودية على تطبيق أعلى معايير السلامة والتأكد من أهلية السائقين صحيًا وعقليًا. واعتبارًا من 22 ربيع الآخر 1437ه (1 فبراير 2016)، تم إلزام جميع مقاولي أرامكو السعودية لنقل المنتجات البترولية بتقديم تقريرَي الكشف الطبي الشامل، وفحص المخدرات والمؤثرات العقلية عند طلب استخراج البطاقة الخاصة لسائقي الشاحنات من قِبَل أرامكو السعودية. فضلًا عن إجراء فحص مفاجئ في محطات توزيع المنتجات البترولية، طوال العام للتأكد من سلامة السائقين، وعبر القائمون على تنفيذ هذا البرنامج عن أملهم في أن تستكمل جميع الشركات الناقلة تطبيق لائحة واشتراطات النظام قبل نهاية عام 2017م، إن شاء الله.
دعم توطين الوظائف والصناعة المرتبطة بقطاع نقل المنتجات البترولية
عندما نتمعّن في هذه المبادرات التي وضعتها أرامكو السعودية للارتقاء بسلامة نظام نقل المنتجات البترولية داخل المملكة، نجد أنها تحمل أهدافًا لا تقتصر على ضمان السلامة في قطاع النقل ومتابعة الشحنات فحسب، بل تشمل دعم توطين الوظائف والصناعات المرتبطة بهذا القطاع. فقبل البدء في هذا البرنامج، تمّت تهيئة البيئة الصناعية المناسبة لتوريد أرامكو السعودية والشركات المتعاقَد معها بصهاريج الألومنيوم المصنوعة محليًا وبأعلى المعايير، إذ تم اختيار 11 شركة سعودية وعالمية تقوم بصناعة وصيانة وتوريد صهاريج الألمونيوم، وكذلك التعاون مع شركة الاتصالات السعودية لاستيفاء الخدمة لأجهزة تحديد المواقع المثبّتة فوق الصهاريج التابعة لأرامكو السعودية.
أيضًا، تعاقدت الشركة مع المعهد الوطني للتدريب الصناعي بالأحساء لتأهيل سائقي الشاحنات وتزويدهم بشهادات معتمدة تؤكد جاهزيتهم لسياقة الشاحنات ونقل المنتجات الهيدروكربونية بأعلى معايير السلامة. وفي إطار تعزيز البرنامج، ألزمت أرامكو السعودية جميع شركات النقل المتعاقَد معها على الكشف الطبي الشامل، وفحص المخدرات والمؤثرات العقلية من المراكز المعتمدة لدى وزارة الصحة.
تخريج دفعتين من سائقي الشاحنات المؤهّلين
تم تخريج دفعتين مكوّنتين من 12 سائقًا شاركوا في البرنامج التأهيلي لسائقي الشاحنات في المعهد الوطني للتدريب الصناعي بالأحساء، حيث كرَّم مدير إدارة المبيعات المحلية والمساندة اللوجستية، المهندس فايز الشريف الدفعة الأولى من السائقين الذين اجتازوا البرنامج التأهيلي بنجاح وحصلوا على شهادات معتمدة تؤهلهم لسياقة الشاحنات. كما جرى تكريم شركتي السعدون وبايونيرز للنقل لكونهم أول من استجاب من شركات النقل المتعاقَد معها لهذا البرنامج التأهيلي.
وبهذه المناسبة، قال الشريف: “سلامة مرور الشاحنات المحمّلة بالمواد الهيدروكربونية في هذه الطرق تهم الشركة انطلاقًا من حرصها والتزامها بسلامة المجتمع”. وأشار إلى أن “هذا البرنامج المتكامل بمبادراته يأتي من باب المواطنة لرفع مستوى الوعي لدى أفراد المجتمع كافة لتطبيق جميع أنظمة السلامة المرورية، وكذلك لحمايتهم من الحوادث المرورية”.