أبعاد الخفجى-اقتصاد:
تعمل شركة أرامكو السعودية على تحقيق أحد أهم الأهداف الإستراتيجية المناطة بوزارة الطاقة ضمن أهداف التحول الوطني 2020م المتمثل في تعويض الاحتياطيات والمحافظة على الطاقة الإنتاجية للبترول وزيادة حجم إمدادات الغاز، من خلال تطوير أعمال الاستكشاف والاحتياطيات التي ترتبط بأهداف الرؤية 2030 من خلال تطوير قطاع النفط والغاز ورفع تنافسية قطاع الطاقة الذي يمكن المملكة من المحافظة على مستوى حجم الطاقة الإنتاجية للبترول البالغة 12.5 مليون برميل يومياً، ورفع حجم إنتاج الغاز الجاف من 12 مليار قدم مكعب قياسي يومياً حالياً إلى 17.8 مليار قدم مكعب قياسي يومياً بحلول 2020م.
ووضعت أرامكو نصب عينيها تحقيق هذا الهدف والتركيز في مواصلة تطوير حقل منيفة البحري الواقع على ضفاف الخليج شمال الجبيل الصناعية البالغة طاقته الانتاجية الكاملة 900 ألف برميل في اليوم، من الزيت الخام العربي الثقيل؛ ليحقق فوائد اقتصادية عظيمة لدعم رؤية المملكة 2030، ليؤدي دورًا مهمًا في الاقتصاد المحلي وأهمها توفير آلاف فرص العمل المباشرة وغير المباشرة على مستوى المملكة لأبناء المملكة وللأجيال المقبلة، وإمداد 3 مصاف لتكرير النفط بجزء من احتياجاتها من النفط الخام لكل من مصفاة ساتورب المشروع المشترك بين أرامكو وتوتال الفرنسية، ومصفاة ياسرف المشروع المشترك بين أرامكو السعودية وساينوبك الصينية، ومصفاة جازان ما سيكون له أثر كبير في الدخل الوطني.
وتؤمل أرامكو أن يكون لهذا المشروع الضخم في منيفة أثره الإيجابي في أسواق الطاقة العالمية، وعلى ازدهار شركات الأعمال المحلية والإقليمية التي تطمح بصورة ملّحة إلى توفير فرص العمل النوعية، في وقت وضعت أرامكو خطوات منظمة وأوليات في تطوير الحقل مع مراعاة مسؤوليتها تجاه البيئة في مختلف مراحل المشروع بدءًا من وضع تصورات المشروع وتخطيطه وتصميمه وانتهاء بالتنفيذ والتنقيب وتسليم المواد الهيدروكربونية إلى العملاء والمستهلكين في أنحاء العالم.
خفض تكلفة البرنامج
بمقدار 1.1 بليون دولار
وتواجه أرامكو تحديات وصعوبات وعراقيل كثيرة في مراحل تطوير هذا المشروع الضخم الذي بدأ تمويله بنحو 11.7 بليون دولار في 2007م، ثم تم خفض تكاليف المشروع الرأسمالية عقب الأزمة الاقتصادية في عام 2008م بناء على طلب الإدارة من دون إعاقة سير البرنامج، حيث تمكنت أرامكو من الاستفادة من انكماش السوق في خفض التكاليف من خلال إعادة التفاوض حول المقاولات الرئيسة. كما أجرت أرامكو أيضًا تقويمًا رئيسًا لمرافق البرنامج واستطاعت تحسين عدد من الأنظمة والأعمال. وقد أدت جهود أرامكو هذه إلى خفض تكلفة البرنامج بمقدار 1.1 بليون دولار في عام 2010م.
وحرصت أرامكو على تجنب التغييرات المكلفة في مراحل الإنشاء، وهو ما مكنها من خفض عدة مخصصات بما فيها ميزانية الطوارئ. كما نجحت أرامكو في خفض مزيد من التكاليف الرأسمالية بنحو 750 مليون دولار في عام 2012م ليبلغ إجمالي الخفض 1.7 بليون دولار أو 15٪ من التكلفة الرأسمالية المبدئية للمرافق السطحية.
ومقارنة بالبرامج العملاقة الأخرى، فقد شهد مشروع منيفة تغييرات طفيفة حيث بلغت نفقات أوامر التغيير نسبة صافية قدرها 0.6٪. وتعزى هذه الوفورات الكبيرة إلى الالتزام والتفاني والاستجابة السريعة للتغيرات غير المعتادة في الوضع الاقتصادي من قبل القائمين على المشروع. وحين تعرض برنامج منيفة لتوقف أعمال الإنشاء بسبب مشكلات المقاولين المالية، تَمَّ التغلب على هذا التحدي عن طريق الاستعانة بمقاولين جدد من الباطن وإدارة جميع الأعمال والخدمات اللوجستية وضخ أيد عاملة إضافية.
تحديات أعمال انشاء وتطوير المشروع
ويحتوي مكمن منيفة على نسبة عالية من غاز كبريتيد الهيدروجين وقد شكل جدول الحفر الديناميكي وإمكانية التأثر بغاز كبريتيد الهيدروجين جراء التصدع تحدياً أمام تحقيق الهدف المتمثل في إنجاز البرنامج مع المحافظة على سلامة الموظفين في آن واحد. وتم تعديل جداول الإنشاء للمقاولين لتتماشى وتغييرات جدول الحفر الديناميكي، في حين أعلن مركز مراقبة الطوارئ في منيفة أهبة الاستعداد على مدار الساعة لإخلاء الموظفين في حالة حدوث أي تسرب لغاز كبريتيد الهيدروجين. كما تم إنشاء أرصفة إضافية كوسيلة للخروج إلى جانب الإعداد وتنفيذ خطة للاستجابة في حالات الطوارئ.
وتركز أرامكو في مراحل تطوير الحقل على التقنيات المبتكرة والتكنولوجيات المتطورة شملت إنشاء 27 جزيرة اصطناعية حوّلت حقل منيفة من حقل بحري خالص إلى حقل بري بحري في آن واحد. وتربط هذه الجزر الاصطناعية جسور يبلغ مجموع أطوالها 41 كيلومترًا تجعل منها وحدة متماسكة، إضافة إلى بناء 15 منصة بحرية في المياه العميقة من الحقل. وقد تم اختيار مواقع هذه الجزر الاصطناعية بعناية كبيرة بما لا يؤثر سلبًا في الحياة البيئية في هذا الخليج الهادئ.
كما تصل الجسور بين هذه الجزر الاصطناعية ومجموعة من المرافق البرية على شاطئ منيفة تشمل مرافق المعالجة المركزية ومرافق حقن الماء وخطوط أنابيب نقل المنتجات، فضلًا عن مرافق إدارة المكامن. وقد نجحت أرامكو السعودية في تحسين إنتاجية الحقل من خلال أعمال حقن استراتيجية للمياه تزيد من ضغط المكمن، وتسمح باستخراج أقصى قدر من النفط، ويتم التحكم في جميع آبار الحفر في الحقل عن طريق التوجيه عن بُعد.
وقد شهدت أعمال الحفر في هذا الحقل زيادة كبيرة في عدد أجهزة الحفر حيث زادت من ستة في بداية المشروع عام 2007م، إلى 30 جهاز حفر في ذروة أعمال الحفر.
إنجاز المشروع عاجلاً
بتكلفة أقل من الميزانية
وتبذل أرامكو جهوداً ضخمة في أن يظل مشروع منيفة لعدة سنوات نموذجًا يحتذى في مشاريع النفط والغاز العالمية، بفضل ما حققه من نجاح وما صاحبه من ابتكارات حيث تم تصميمه وبناؤه وتشغيله بأيد سعودية 100% كما تم إنجازه في وقت قياسي وبتكلفة أقل من الميزانية المرصودة، وقد استطاع فريق تطوير المشروع أن يتغلب على عدد من المشكلات والتحديات التي شهدها عبر مراحل التصميم والإنشاء وصولاً إلى الإنجاز الكامل.
ويعد حقل منيفة أحد أقدم الحقول النفطية البحرية حيث تم اكتشافه عام 1957 ويبلغ طوله 45 كيلومتراً وعرضه 18 كيلومتراً ويضم ستة مكامن للزيت، ويقع على بعد نحو 255 كيلومترًا شمال غرب الظهران وعلى مسافة 15 كيلومترًا تقريبًا من شاطئ منيفة على عمق 15 مترًا تحت الماء، وقد بدأ إنتاجه أول مرة في عام 1964 بطاقة إنتاجية بلغت 125 ألف برميل يوميًا.
ولانخفاض الطلب العالمي على النفط وانخفاض أسعاره آنذاك حيث لم تكن تتجاوز الدولارين للبرميل الواحد، وعملًا بسياسة القيادة الرشيدة للمملكة في صيانة ثروات البلاد، لا سيما أن النفط مورد ناضب، فقد أجلت الشركة الإنتاج من هذا الحقل، وتم بالفعل إغلاق الآبار ووقف الإنتاج في الحقل عام 1984.
وبعد توقف دام 25 عامًا، ومع ارتفاع الطلب العالمي على النفط وارتفاع أسعاره إلى مستويات قياسية في السنوات الأخيرة، والتزامًا من المملكة بتوفير احتياجات عملائها من المواد الهيدروكربونية في أنحاء العالم والإسهام في دعم استقرار سوق النفط العالمية، بدأت أرامكو السعودية عام 2007م تطوير حقل منيفة ضمن مشروعاتها التطويرية لزيادة طاقتها الإنتاجية القصوى الثابتة المستهدفة إلى 12.5 مليون برميل يوميًا. وقد بدأ الحقل إنتاجه بعد تطويره الأخير في أبريل 2013م بطاقة 500 ألف برميل يوميًا من الزيت الخام العربي الثقيل، وبلغت طاقته الإنتاجية القصوى 900 ألف برميل يوميًا نهاية عام 2014م.
ويضم منيفة 350 بئرًا بأعماق قصوى تصل إلى أبعد من 32 ألف قدم، وقد تم تطويره بأسلوب مبتكر وفق فضل معايير السلامة والمحافظة على البيئة في العالم. ورغم ما واجهه المشروع من عقبات كان من أهمها الأزمة المالية العالمية عام 2008 إلا أن الشركة قد نجحت في التغلب على كل العقبات وإنجاز المشروع قبل موعد استكماله المقرر بثلاثة أشهر ليتحقق بذلك حلم جميل تجلّت من خلاله حكمة القيادة وبُعد نظرها في المحافظة على مقدرات الوطن وصون ثرواته للأجيال المتعاقبة من أبنائه واستغلالها في الوقت المناسب بقيمتها الملائمة بما يحقق رخاء المملكة وازدهارها ويعود بالخير على العالم أجمع.