أبعاد الخفجى-محليات:
بعد أن منّ الله عليهم بإتمام مناسك العمرة أدى ضيوف الرحمن من عمّار وزوار أول صلاة جمعة بعد شهر رمضان المبارك في جنبات المسجد الحرام وسط منظومة متكاملة من الخدمات والترتيبات التي أعدتها الرئاسة العامة لشؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي، التي وفرت كافة الخدمات لهم كي يؤدوا عبادتهم ونسكهم بكل يسر وخشوع وذلك بالتعاون مع كافة الجهات الحكومية والأهلية المعنية وفق تطلعات ولاة الأمر -حفظهم الله-.
وشهدت أروقة وساحات المسجد الحرام تضافر جهود جميع الإدارات الخدمية والتوجيهية والفنية سعياً من الرئاسة لتقديم أرقى الخدمات لقاصدي البيت العتيق حتى يؤدوا عبادتهم في يسر وسهولة وأجواء روحانية إيمانية. ومنذ الساعات الأولى من هذا اليوم شهد المسجد الحرام وساحاته وممراته وأدواره المتعددة وجنبات التوسعة السعودية الثالثة حشود المصلين الذين قدموا لأداء الصلاة والطواف وقراءة القرآن والذكر، واستقبلتهم الساحات المهيئة بالمرواح ذات الرذاذ الملطف للجو. وكثفت كافة الإدارات التوجيهية والخدمية والفنية جهودها لاستقبال قاصدي البيت العتيق ومتابعة تدفق الحشود والتأكد من انسيابية الحركة والأمن والسلامة، والدخول من الأبواب المخصصة مراعاةً للزحام، وتوجيههم للأبواب والمساحات الأقل كثافة، وتوفير المصاحف بلغات متعددة لقراءة القرآن، وبلغة برايل للمكفوفين من ذوي الاحتياجات الخاصة، وتوزيع برادات مياه زمزم وتوفير الكاسات، والتأكد من عمل مكبرات الصوت ومراوح التهوية والمكيفات، وتوزيع أجهزة الترجمة الفورية لخطب الجمعة الخاصة بمشروع خادم الحرمين الشريفين لترجمة الخطب بالمسجد الحرام ومشروع ترجمة الخطب بلغة الإشارة لذوي الإعاقة السمعية. كما استفاد قاصدو بيت الله العتيق من الشاشات الإلكترونية الحديثة المنتشرة حول المسجد الحرام وفي ساحاته ومداخله وما تبثه من عبارات توجيهية وإرشادية ومواعظ مفيدة بست لغات مختلفة (العربية، الإنجليزية، الفرنسية، الملاوية، الأوردية، الهوسا)، وتهيئة المصلَّيات النسائية والتأكد من جاهزيتها وتوجيه المصلِّيات إليها. وقد خطب الجمعة معالي فضيلة الشيخ الدكتور خالد الغامدي مستهلا خطبته بقوله: فاتقوا الله عباد الله وراقبوه، واعلموا أن تقوى الله أكبر وأجلُّ أسباب النصر والتمكين والتوفيق الإلهي، وما سبق من سبق ولا ارتفع من ارتفع ولا عز من عز إلا بما وقر في القلوب ورسخ من تعظيم الله وإجلاله وتقواه، وسلامة الصدر وسخاوة الأنفس، ها نحن قد فارقنا عن قريب أياماً من أعظم أيام الله المشهودة، وشهراً هو خير شهور السنة، وقد كنا من قبل نهيئ النفوس لاستقباله والإعداد له ثم في سرعة عجيبة انقضت أيامه ولياليه المباركة بما حملناها من أعمال ختم عليها فلا تفتح صحائفها إلا بين يدي العليم الخبير يوم العرض الأكبر عليه سبحانه فمن وجد خيرا فليحمد الله، وهنيئاً له القبول والرضى، والدخول من باب الريان إلى جنات النعيم حيث يوفى الصائمون الصابرون أجرهم بغير حساب، ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه ولا يُعَاتِبَنّ إلا ذاته.
وأضاف فضيلته وان من أهم الأمور بعد انقضاء شهر الخيرات والرحمات أن يداوم المسلم على فعل الخيرات وأن يتقرب الى الله جل في علاه بصدق وإخلاص لارياء ولا سمعة لان الله جل في علاه طيب لا يقبل إلا طيباً ويقول سبحانه في محكم التنزيل (إنما يتقبل الله من المتقين) أي الذين اتقوا الله واخلصوا في اعمالهم لوجهه الكريم وطمعاً بما عنده سبحانه وتعالى، وقال الحسن البصري -رحمه الله-: يعملون ما عملوا من أعمال البر وهم يخافون ألا ينجيهم ذلك من عذاب ربهم، وإن المؤمن جمع إحساناً وخشية، وإن المنافق جمع إساءةً وأمناً.
وقال فضيلته: فالمسلم الفطن الذي يعمل الصالحات ويرجو من الله سبحانه وتعالى القبول ويرجو رحمته سبحانه ويخشى عذابه ويخاف تقلب الأحوال وفجاءة النقم ورب قائم وقارئ للقرآن ليس له إلا التعب والسهر ويقول سبحانه وتعالى “يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم واعلموا أن الله يحول بين المرء وقلبه وأنه إليه تحشرون واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة واعلموا أن الله شديد العقاب”.
وبين الغامدي: إن من أخطر الأفات التي تصيب المسلم داء الفتور والكسل والانقطاع عن العمل، وفي الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعبدالله بن عمرو: “يا عبدالله لا تكن مثل فلان كان يقوم من الليل فترك قيام الليل”، ان الفتور والإنقطاع عن العبادات يصيب العابدين والعاملين أثناء العبادة وبعدها وهو ابتلاء من الله جل في علاه ليتبين من يعبده على حرف فالمؤمن السعيد الموفق من يكون فتوره موقتا وهو في أثناء ذلك مقيم على السنة، هذا هو المسلم الصادق مع الله الذي علم الله إخلاصه وصدقه فوفقه وثبته.
فالمسلم حقاً من تكون تقوى الله هي شعاره طيلة عمره وأن يكون شغله الشاغل فعل الطاعات واجتناب المنكرات والمعاصي، وأن يغتنم الأوقات والمواسم المباركات وألا تجد غفلة بعد انقضاء هذه المواسم الفاضلة.
وأضاف فضيلته: إن من أشنع الفجور وأكبر الكبائر عند الله أن يتورط المرء عن عمدٍ وإصرار في سفك دماء طاهرة بريئة، وأنفس معصومة، وينتهك حرمة الزمان والمكان بتفجير وتخريب متعمد، يراد منه إهلاك الحرث والنسل وإحداث الفوضى والعبث بالأمن وزعزعة الاستقرار لتحقيق مآرب سيئة ومقاصد خبيثة وأهداف تخريبية، يقف من وراء ذلك عصابات وتنظيمات إجرامية إرهابية شغلها الشغال نشر الخراب والفوضى في بلاد المسلمين وفي مقدمتها المملكة العربية السعودية.
وبين فضيلته أن ما حدث في مسجد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من تفجير وسفك للدماء وترويع للآمنين لهو فاجعة لكل مسلم غيور على الحرمين الشريفين ومحزنة ومؤلمة لأنها حصلت في بلاد الحرمين مأرز الإيمان ومهبط الوحي، وقد راح ضحيتها مسلمون أبرياء ورجال أوفياء رحمهم الله جميعاً، وكادت أن تصل إلى مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم لولا عناية الله ثم جهود رجال الأمن قواهم الله.
وأضاف الغامدي: أيها المسلمون إن هذه الظاهرة غريبة كل الغرابة عن مجتمعات المسلمين وعن بلاد الحرمين على وجه الخصوص، وتلك البلاد المباركة التي عاشت وما تزال -بحمد الله- في ظل الاعتدال والوسطية وسماحة الإسلام، مما يؤكد تأكيداً بالغاً على أن هذه الظاهرة تقوم على أفكار ضالة متطرفة، وتصورات منحرفةٍ بعيدة كل البعد عن مجتمعنا المسلم، كل مايهمها هو نشر الفساد وزعزعة الاستقرار والأمن، وكل هذه محاولات بائسة لإفساد ماتنعم به بلادنا ولله الحمد من أمن وأمان ،فيا إخوة الإسلام لابد لنا من وقفة صادقة من خلال التكاتف والترابط ووحدة الصف والكلمة ونبذ النزاعات والخلافات الجزئية الفرعية والتراشق بالتحزبات والتصنيفات المقيتة، أن نقف جنباً الى جنب مع ولاة الأمر -حفظهم الله- واختتم فضيلته خطبة الجمعة قائلاً: فوالله الذي لا إله غيره إن دين الله منصور وبلاد الحرمين محفوظة بحفظ الله ورعايته، ومقدسات المسلمين وحرماتهم بأيدٍ أمينة حازمة ستضرب بقوة وعزم وبلا هواده، وتقطع كل يد تسعى للتخريب والفوضى وانتهاك حرمات المسلمين ومقدساتهم، “إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فساداً أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض ذلك لهم خزي في الدينا”..