أبعاد الخفجى-اقتصاد:
هيئة الأوراق المالية وأسواق المال الأميركية هي وكاله حكومية تابعة للحكومة الفيدرالية، تعنى بسن وتطبيق قوانين أسواق المال ومتابعة التزام الشركات المدرجة على أسواق المال بجميع الشروط والتنظيمات.
خلال الأسبوعين الماضيين فرضت هذه الهيئة المزيد من الشروط والإلزامات على شركات النفط والغاز والمناجم المدرجة في أسواق المال الأميركية، كما فرضت شروطا أكثر على شركات النفط والغاز التي تسعى الى الإدراج الأولي في أسواق المال.
التساؤل هو ما الذي دفع الهيئة لتغيير قوانين قائمة منذ ما يقارب المئة عام؟ ولماذا هذا التوقيت؟
أحد أهم القوانين الجديدة يلزم شركات النفط والغاز والمناجم بالإفصاح عن جميع المدفوعات المالية التي تقدمها هذه الشركات للحكومات عموما سواء للحكومة الأميركية أو الحكومات الخارجية، تحديدا أي مبلغ يتجاوز المئة ألف دولار أميركي
مهما كان تصنيفة سواء كان ضريبة أو رسوما أو مكافأة أو جباية أو التزامات إنتاج أو توزيعات أرباح مساهمات أو مبالغ أعمال بنيوية فالشركات ملزمة بالإفصاح عنها للهيئة.
الهدف من هذه القوانين الجديدة كما تذكر ماري جو وايت رئيسة هيئة الأوراق المالية وأسواق المال الأميركية هو فرض مزيد من الشفافية على مدفوعات وتحصيلات الشركات مما يضمن للمساهمين معرفة توزيعات النفقات، في الحقيقة الشفافية لم تكن يوما من الأيام سمة في صناعة النفط والغاز والمناجم أو ما يسمى صناعات الثروات.
لم تذكر رئيسة الهيئه أي أسباب أخرى وهذا ما جعل الموضوع مفتوحا لنقاش أكبر، التساؤل الأهم هو هل سن هذه القوانين جاء تزامنا مع رغبه الكثير من شركات النفط الوطنية في دول الاتحاد السوفييتي السابق وروسيا والشرق الأوسط وأميركا الجنوبية وأفريقيا في طرح أسهمها في الأسواق الأميركية.
لا تزال الذاكرة مليئة بعام ٢٠٠٠ وما صاحب إدراج شركات النفط والغاز الصينية في الأسواق الأميركية من زخم إعلامي نفطي كبير لتعامل هيئة الأوراق المالية وأسواق المال الأميركية مع إدراج الشركات الصينية في سوق نيويورك، الهيئة الأميركية تجاوزت عن مطالب كثيرة وصنعت استثناءات فعلية حتى يتم إدراج الشركات الصينية وهو ما تم بالفعل في شهر أبريل من عام ٢٠٠٠ عندما تم إدراج شركة الصين الوطنية للنفط ثم تبعتها بشكل سريع شركة سينوبك ثم الشركة الصينية الوطنية لحقول النفط المغمورة، بل ان الأخبار حينها ذكرت أن عريضة الالتماس التي قدمتها شركة الصين الوطنية للنفط للهيئة الأميركية لم تتجاوز ٣٨٤ صفحة، كما أن شروط حصر المالكين الرئيسيين للشركات المدرجة تم تجاوزها من قبل الهيئة وإدراج المالكين الرئيسيين تحت مسمى (مستثمرون عالميون).
شركات النفط والغاز والمناجم الأميركية بدورها قاومت وتقاوم بكل شراسة هذه القوانين بحجة أن ايضاح مثل هذه المدفوعات من شأنه أن يخاطر بسمعة الولايات المتحدة الأميركية ومنسوبيها في الخارج، كما تزعم الشركات أن ابراز مثل هذه المعلومات كفيل أن يقدم على طبق من ذهب أسرار العمل التي تعطي المنافسين معلومات إضافية، وهو ما تعتبره الشركات قيمة مضافة وأسرار عمل ذات قيمة عالية جدا خصوصا إذا ما كان الأمر يتعلق بإستراتيجيات بعيدة المدى أو مشروعات كبيرة للمستقبل.
التأثير على الاقتصاد الأميركي كما تراه هذه الشركات النفطية ان الإفصاح بمثل هذه المعلومات يشكل تحديا كبيرا حتى على صعيد خلق وتحفيز الوظائف الأميركية وسوق العمل للمواطنين الأميركيين في داخل وخارج الولايات المتحدة الأميركية. الشركات المدرجة في أسواق غير أميركية كالأسواق الأوربية أو الآسيوية على سبيل المثال غير ملزمة بمثل هذه الدرجة من الإيضاحات والإفصاحات وهو ما تراه غير عادل بالنسبة للشركات المدرجة في الولايات المتحدة الأميركية مقارنة بغيرها.
من خلال ما يظهر من أطروحات يبدو أن هيئة الأوراق المالية وأسواق المال الأميركية تستعد لاستقبال الكثير من طلبات شركات النفط والغاز والمناجم خلال الفترة القادمة كما أن الكثير من المنظمات الحقوقية ومنظمات محاربة الفقر تُمارس ضغوطا على مصادر الثروات وخصوصا عندما تكون هذه الثروات قادمة من دول تعاني من الفقر الشديد وتدني في البنى التحتية.
لعل منظمة أوكسفام هي المنظمة التي لها تاريخ في رفع الدعاوى القضائية ضد هيئه الأوراق المالية وأسواق المال الأميركية. إلا أن الصناعة النفطية أو المناجم لا يمكن أن تقبل أن تكون وحدها المسؤولة عن ما يحدث من مجتمعات منتشرة في أرجاء المعمورة، فهناك الكثير من الصناعات المرتبطة بشعوب في العالم لا تزال هي أيضا تعاني من مشاكل اجتماعية منها الفقر واستغلال البشر والاتجار بهم.