أبعاد الخفجى-رياضة:
اقترن الانتصار الذي حققه المنتخب السعودي على نظيره الإماراتي في التصفيات الآسيوية المؤهلة إلى نهائيات كأس العالم ٢٠١٨م بالمستوى والروح القتالية والفدائية من اللاعبين، وهو المشهد الذي طال انتظاره على مدى الأعوام الماضية.
وإذا لم نكن مبالغين فإن آخر مرة شاهدنا فيها نجومه بهذه الروح كانت في نهائيات كأس أمم آسيا ٢٠٠٧م، وبالتحديد في الدور نصف النهائي مع اليابان حينها قادتنا إلى الفوز بنتيجة ٣-٢.
“الأخضر” كان يعاني مؤخراً كثيراً من برود اللاعبين، وعدم استشعارهم للمسؤولية الملقاة عليهم، ونسوا أو تناسوا طوال المناسبات والاستحقاقات الماضية نبض الشارع الرياضي وتعطشه للإنجازات، وهو ماهز الثقة في بعض الجيل الذي اعتزل دولياً من دون أن ينجز، أو حتى هذا الجيل إلى ماقبل مواجهة استراليا، التي رسمت نهجاً مغايراً لـ”الصقور الخضر”.
أمام استراليا تفاجأنا بمنتخب مغاير، احتفلنا بلاعبين يحرثون الملعب، ويقاتلون من أجل الانتصار، وضح ذلك جلياً منذ الوهلة الأولى، واستمر حتى أعلن الحكم الأوزبكي رافشان ايرماتوف صافرة النهاية بالتعادل 2-2، قالوا بأنها “فقاعة صابون”، وآخرين أرجعوا التفوق السعودي إلى الأجواء الحارة والرطوبة العالية التي أرهقت الاستراليين، لكن هناك كُثرا غيروا نظرتهم تجاه هذا المنتخب، وايقنوا بأنه قادم لا محالة بحول الله وسيفتح صفحة جديدة يكمل بها الأمجاد السابقة، ويعيد هيبتنا المفقودة، وهو ماحدث بالفعل من خلال الفوز على الإمارات بنتيجة 3-صفر، والتفوق الكبير بالنتيجة والروح القتالية التي كانت حاضرة لدى لاعبي الاحتياط قبل أقرانهم الـ١١ الموجودين داخل الملعب.
لم تأتِ الروح القتالية التي كان عليها لاعبو “الأخضر” من فراغ، بل هي حصاد وقفة مشرفة من الإعلام والجماهير ومسؤولي الأندية معهم، ولا يمكن أن ننسى أو نتجاهل العمل الإداري الكبير الذي قامت به إدارة المنتخب بإشراف “الخبير” طارق كيال، الذي برهن على أنه الرجل المناسب في المكان المناسب، وأنه الأجدر بتولي هذا المنصب لاعتبارات عدة، لعل نتائج عمله خلال الفترة الماضية القصيرة تغلق ملف أحقيته عن غيره بالكامل، حتى أن الجماهير السعودية بمختلف ميولها رددت مخاطبة كيال “من زمان أنت وينك”؟.
كيال الذي شارف على بلوغ الـ٦٠ عاماً يمتلك خبرة كبيرة في الملاعب، إذ قضى أعواماً كثيرة من عمره داخل المستطيل الأخضر، ويعرف دهاليز “المجنونة” جيداً، وبدأت علاقته مع كرة القدم لاعباً متألقا في الأهلي إلى جانب عدد من نجوم الكرة أبرزهم أمين دابو وطارق ذياب وأحمد الصغير ومعتمد خوجلي وصمدو، كما عمل إدارياً كعضو مجلس إدارة ومشرفاً على الفريق في فترات مختلفة، وعمل أيضاً في الاتحاد السعودي لكرة القدم، كل هذه المحطات أضافت إلى رصيده مزيداً من الخبرات، وقادته للنجاح إدارياً، فهو قريباً من اللاعبين ويعرف احتياجاتهم جيداً بحكم أنه كان مثلهم في وقت سابق.
العلاقة القوية التي تربطه باللاعبين جعلتهم يتجهون إليه بعد تسجيل الأهداف لتقبيل رأسه، وهذا مؤشر على أنه لعب دوراً كبيراً مع مسجل الأهداف، جعله لا ينسى أن يتجه إليه لتحيته وشكره، وإنصافه أمام الجمهور والإعلام بالكشف عن دوره.
ويمتاز كيال بقوة شخصيته وصرامته، إذ يمتلك صفة القائد الإداري الناجح، وحنكته الإدارية والقدرات الفنية التي تؤهله إلى مناقشة الجهاز الفني، وهو ماجعله قريباً من اللاعبين وحتى المدربين، ولعل تجربته مع الأهلي في الموسم الماضي أصدق دليل على دوره الكبير، ففي الوقت الذي تعرض فيه الفريق إلى هزة كادت تفقده صدارة “دوري جميل” استعان به الرئيس الذهبي مساعد الزويهري لمعالجة مشاكل الفريق، وهو ماحدث بالفعل إذ تبدلت الأوضاع داخل الأهلي بعد أن شكل مع الزويهري ثنائياً قاد الأهلي إلى تحقيق لقب الدوري بعد غياب عقود من الزمان، بالإضافة إلى البطولة الأغلى كأس خادم الحرمين الشريفين.
واستفاد اتحاد القدم من تجربة الزويهري، عندما أسند المهمة الإدارية للخبير والمحنك كيال، الذي كان في الموعد وعند التطلعات، وساهم إلى جانب الجهاز الإداري الذي يعمل معه في تقديم منتخب مشرف ومقاتل داخل الميدان، وهذا ماكنا نبحث عنه ونحسد عليه الآخرين عندما نشاهد لاعبي المنتخبات الأخرى يلعبون بقتالية وبحماس، في الوقت الذي نصدم فيه بظهور لاعبينا بشكل مخجل وسط غياب الروح التي سعدنا بعودتها أكثر من سعادتنا بتصدر المجموعة الحديدية.
كيال بعمله في الأهلي والمنتخب السعودي وجه رسالة واضحة لمسؤولي الأندية وحتى اتحاد القدم، بأن دور الإداري لا يقل عن المدرب واللاعبين، بل أنه يفوقهم أحياناً، فلو أحضرت أفضل مدرب في العالم لن ينجح إن لم يقف إلى جانبه على دكة الاحتياط إداري خبير ومتمرس، أما إداريو كشف الحضور والغياب فضررهم أكثر من نفعهم، والفرق والمنتخبات عانت منهم كثيراً طوال الأعوام الماضية.